-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

… وإلى العروبة ينتسب

حسان زهار
  • 863
  • 0
… وإلى العروبة ينتسب

لم يحدث في تاريخ الجزائر، منذ أن أشرق نور الإسلام فوق هذه الربوع الطيبة، وقد تداول على حكم هذه البلاد قبل الوجود العثماني عشر أسر أمازيغية، أن تم التشكيك في قدسية اللغة العربية، أو في انتساب الشعب الجزائري إلى الإسلام والعروبة، إلا بعد أن دخل الاستعمار الفرنسي بلادنا وشرع في زرع سمومه بين أبناء الشعب الواحد، عبر سياسته المعروفة “فرق تسد”.

بل إن الحركة الوطنية في مجملها التي قاومت المستعمر، لم ترفع شعارا للهوية خارج دائرة الإسلام والعربية، ومنذ تأسيس جمعية العلماء المسلمين سنة 1931، وقبلها حزب الشعب الجزائري، كان الشعار الكبير الذي يوحد الجزائريين جميعا بمختلف انتماءاتهم هو (الإسلام ديننا والعربية لغتنا)، وهو نفس المنهج الذي سارت عليه جبهة التحرير الوطني التي حررت الجزائر أرضا وشعبا.

لم تتغير هذه القناعة الراسخة، منذ 15 قرنا كاملة، وظل الأمر كذلك بعد الاستقلال، في حالة من التناغم والانسجام التام، الذي لا يلغي امتدادنا التاريخي وموروثنا الأمازيغي، باعتبار هذا الموروث حالة ثقافية هوياتية تشكل ثراء للأمة ضمن انتمائنا الحضاري العربي الاسلامي، إلى أن وصلنا في العقدين الأخيرين إلى نغمة مختلفة، صار فيه هذا الانتماء  محل تشكيك، وصارت فيه الأمة وكأنها أمتان، وبتنا نسمع عن رايات أخرى ترفع هنا وهناك، وأصوات نشاز تدعو لإقصاء العربية وطرد العرب “المحتلين”، بل واعتبار رموز الفتح الاسلامي لهذه الأرض المعطاء، كحال البطل العظيم عقبة بن نافع مجرمين.

وحتى أكون دقيقا، فإن الضجة التي رافقت حفلة ايدير وآيت منقلات، رفعت من سقف هذا التنابز، مع أن هذين الفنانين هما جزائريان أولا وأخيرا، وإذا ما حققا العالمية فنيا فالشرف كل الشرف للجزائر، وليس للعرب تحديدا أو للأمازيغ وفقط، تماما كما كانت عالمية خالد ومامي شرف للجزائريين جميعا، وقبلهما وبعدهما، كل الذين رفعوا اسم الجزائر عاليا، سواء من الفنانين أو اللاعبين أو المخترعين أو العلماء وغيرهم.

إن الجزائر لجميع أبنائها، للذين يشعرون أنهم عرب، أو أولئك الذين يعتقدون أنهم أمازيغ، ففي النهاية لا فرق عند الله إلا بالتقوى والعمل الصالح، وليس بالعرق أو الشوفينية، والفن الذي يبدعه الجزائريون هو فن يعشقه الجميع ويتشرف به الجميع، ومثلما نرفض تسييس الدين والعرق، لا ينبغي تسييس الفن والموسيقى إلى درجة السقوط في مستنقع الابتذال.

ثقافيا، لا يمكن إلغاء الآخر في الجزائر، لأن “الآخر” هو بشكل أو بآخر هو “أنا”، لكن حضاريا لا يمكن أن نكون كما يريد بعض المتعصبين، جزءا من أوروبا أو ضمن دائرة الحضارة المتوسطية، حضاريا نحن كما بينها بيان ثورة أول نوفمبر، ورددها الشيخ ابن باديس “شعب مسلم، وإلى العروبة ينتسب”.. واضحة، ساطعة، بينة، لا تقبل التحويل أو التحوير، لكن بمفهوم الاحتواء لا الإقصاء، والتنوع والثراء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!