… و”الكاردينال” الحاج امحمد العنقى
في عدد 27 / 9 / 2012 من هذه الجريدة كتبت مقالا عنوانه “المجاهد بيير شولي” نبّهت فيه إلى عدم إطلاق مصطلح ديني إسلامي على أي شخص غير مسلم، من غير أن أجحد حق بيير شولي أو أبخسه شيئه، وظننت أن الكاتبين والمتحدثين سيتجنّبون استعمال الكلمات ذات المدلول الديني الشرعي في غير موضعها، ولكنني لاحظت أن هناك إصرارا على وصف بيير شولي بـ”المجاهد”، فكررت التنبيه في عدد “الشروق اليومي” الصادر في 1 – 10 – 2012 في مقال عنوانه “…و”الإمام” ديفال”..
لقد علق الدكتور عبد العالي رزاقي في جريدة “الشروق اليومي” الصادرة في 18 – 10 – 2012 على مقالي عن بيير شولي فقال: “وقد أعجبت بمقال الكاتب (محمد) الهادي الحسني المتعلق بالدعوة إلى احترام كلمة مجاهد وعدم إطلاقها على غير المسلمين باعتبارها ذات مضمون ديني، ولكل دين مصطلحاته.
وقبل ثلاثين سنة أجريت لقاءات صحفية مع قاة الكنيسة الجزائرية وفي مقدمتهم الكاردينال ديفال بهدف إجراء تحقيق حول دور المسيحيين في الثورة الجزائرية، وما لفت نظري أن ديفال كان يتجنب القساوسة الذين شارك آباؤهم في قتل الجزائريين، ورفض أن يشاركنا أحدهم في الحوار لأن والده كان جنرالا في مجازر 8 ماي 1945، وقد استخدمت خطأ مصطلح المجاهد أثناء حديثي معه ومع بيار شوليه وغيرهما، ولهذا استغرب ممن يطلقون اليوم صفتي المجاهد والشهيد على المسيحيين الذين احتضنوا الثورة، وأفضل وصفهم بالمناضلين باعتبار أن أغلبهم كانوا في أحزاب سياسية أو المساندين للثورة”. انتهى تعليق الدكتور رزاڤي.
من الجرائد التي أكثرت من وصف بيير شولي بـ”المجاهد” جريدة “الخبر”، التي هي من أكثر الجرائد انتشارا، وتعتبر من الجرائد الأكثر مهنية، وقد استغربت منها كثيرا عندما قرأت ما كتبته في عددها الصادر في يوم 18 / 10 / 2012. ص 27 وهو “تمّ الوقوف دقيقة صمت ترحما على روحي الراحلين الرئيس السابق الشاذلي بن جديد والمجاهد بيار شولي في إحدى جلسات الندوة الإعلامية.. بعاصمة المملكة المغربية، ورغم كون الأول مسلما والثاني مسيحيا إلا أن ما فرّقه الانتماء الديني جمعه النضال الوطني”. (انتهى نصر الخبر).
إن المرء ذا العقل السليم ليتساءل في حيرة واستغراب: كيف يستساغ وصف شولي بالمجاهد، وما هو بالمجاهد بالمعنى الديني والمدلول الشرعي للجهاد، الذي لا يقوم به إلا المسلمون وعدم وصف الشاذلي ابن جديد بالمجاهد؟؟!!
وأزيد القراء الكرام واحدة تنطق الأطفال في المهود والأموات في اللحود من إطلاق أوصاف في غير مواضعها، حيث وجدت في أرشيفي كلمة نشرتها جريدة الخبر في 23 / 11 / 2011 تحت عنوان “الذكرى 33 لرحيل الحاج امحمد العنقى، الكاردينال يعود هذا الأسبوع”.
لقد خيّل إليّ أن المرحوم الحاج امحمد العنقى يصيح في لحده، ويضرب رأسه يمينا وشمالا في قبره احتجاجا على وصفه بالكاردينال الذي هو في الاستعمال الشائع مصطلح مسيحي خاص يطلق على بعض رجال الدين المسيحيين الكاثوليكيين (❊).
إنني أعلم أن كلمة “الكاردينال” تستعمل في معاني في لغة “القوم” (❊❊)، وتطلق على بعض الأشياء، منها طائر أمريكي مغرد يسمى “كاردينالا، وهناك من نوع من العنب يدعى “كاردينالا”؛ ولكن أقرب هذه المعاني إلى العقول والأذهان هو المعنى الديني…
وشبيه بهذا عندنا كلمة “شهيد” التي لا تصرف عند كتابتها أو اطلاقها وسماعها إلا إلى المعني الديني رغم ورودها في القرآن الكريم بمعنى الشاهد أو الحاضر في قوله تعالى بصيغة الجمع: “أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت…”، وبصيغة المثنّى: “واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء”، وبصيغة المفرد على لسان سيدنا عيسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام-: “وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم..”..
لو لم يكن لكل دين مصطلحاته وشعائره لقبل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- استعمال البوق (اليهودي) أو الناقوس (المسيحي) عندما اقترحا عليه للنداء بهما إلى الصلاة؛ ولكنه رفضهما حتى رأى عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب رؤيتيهما بهذا الأذان الرائع في مبناه ومعناه، فأمرهما رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن يعلّماه بلالا، رضي الله عنهم أجمعين.
إنني أدعو – إن استمر هذا الوضع، من إهانة مصطلحاتنا وأوصافنا الدينية، وإطلاقها على آكلي الحلّوف وشاربي الخمور ولو كانوا من بني جلدتنا-؛ أدعو إلى إلغاء وزارة المجاهدين، وحلّ منظمة المجاهدين وأبناء المجاهدين، وأبناء الشهداء، لأنها لا تدافع حتى عن هذه المصطلحات والأوصاف.
لو لم يكن الأمر هاما وأساسيا لما “أوصى الراحل المجاهد بيار شولي بدفنه إلى جانب المجاهد والمناضل الذي سقط في ميدان الشرف من أجل القضية الوطنية هنري مايو بالمقبرة المسيحية في المدنية”. (الخبر 12 / 10 / 2012. ص19).
وعذرا يا الحاج امحمد العنقى الذي صُيّرت “كاردينالا”، ونزعت عنك شاشيتك وڤندورتك، وألبست لباس الكاردينال وقلنسوته رغم أنفك.
وعذرا يا صحب رائعتي “سبحان الله يالطيف”، و”الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا”، وإن كان الاستعمار قد عاد في شكله الفكري والثقافي واللغوي، وهو “أعلى مراحل الاستعمار”.
.
هوامش:
❊ ) عرّفت الموسوعة العربية الميسرة كلمة الكادينال بقولها: “عضو أعلى هيئة في الكنيسة الكاثوليكية، ويلي في المرتبة البابا مباشرة، يساعد الكرادلة البابا في إدارة الكنيسة، وهم بمثابة مجلس استشاري له، وهم الذين يختارون البابا، ومنهم يُختار… لباسهم وقبعاتهم حمر فاقعة اللون، كان عدهم 70، وزيد إلى 85 في سنة 1960. أنظر مادة “كاردينال”.
❊❊) أنظر مادة Cardinal في قاموس “لاروس”.