-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يسألونك عن الحصانة البرلمانية في الجزائر.. الجزء 3

موسى بودهان
  • 396
  • 0
يسألونك عن الحصانة البرلمانية في الجزائر.. الجزء 3

في غياب أي تعريف دستوري أو قانوني للحصانة البرلمانية، على النحو المشار إليه أعلاه، فقد صار لزاما الاستنجاد بفقهاء القانون الذين عرّف بعضهم الحصانة بوجه عام، أي بما فيها الحصانة البرلمانية بطبيعة الحال، على النحو التالي: “الحصانة استثناء تمييزي أقره المؤسس الدستوري لبعض الأشخاص بغية منع تدخل السلطات وكيد الأفراد وذلك نظرا لمراكزهم القانونية أو الوظيفية”.

3-تعريفها فقها:
وعرّفها آخرون بأنها “إعفاء تمييزي أقره المؤسس الدستوري لبعض الأشخاص من تطبيق القانون بصفة عامة وذلك نظرا لمراكزهم القانونية أو الوظيفية”. كما عرفها بعضهم الآخر بأنها “استثناء أو إعفاء تمييزي أقره المؤسس الدستوري لبعض الأشخاص من تطبيق القانون بصفة عامَّة بغية منع تدخل السلطات وكيد الأفراد وذلك نظرا لمراكزهم القانونية أو الوظيفية”.

وعرّفها بعضهم أيضا بأنها: “نوع من الحماية أو المناعة التي أوجدها المؤسس والمشرع لتجنيب فئات معينة من الأشخاص أو المؤسسات من الخضوع للإجراءات القضائية”. فيما عرفها بعضهم كذلك بكونها: “إعفاء بعض الناس أو بعض الحالات من تطبيق القواعد العامة عليهم في المسائل القضائية”. وقال بعضهم الآخر بشأنها: “تعتبر الحصانة، في نظر القانون الجنائي، امتيازا يجعل بعض الأشخاص بمنأى عن كل أو بعض الإجراءات الجنائية. وهي بذلك تعدُّ خروجا عن مبدأ المساواة أمام القانون إذ أن يد القضاء لا تطال الأشخاص المتمتعين بها”. أما بعضهم فعرّفها بأنها “نوع من الحماية القانونية والسياسية التي تكفلها الدساتير للبرلمانيين كي يتمكنوا من عرض أفكارهم كاملة في البرلمان دون خوف من تأثير السلطة التنفيذية”.
في حين نجد أن بعضهم قد ربطها بالتحصُّن من شيء معين، ولخَّص معناها قانونا بانتفاء المسؤولية، أي عدم مساءلة المتمتع بها قانوناً، وبهذا الفهم يمكن القول إن من حاز حصانة قانونية فإنه بمنأى عن التقديم للمحاكمة القضائية، وبمعزل عن الرجوع عليه بالإجراءات القانونية الهادفة إلى مساءلته عن قول أبداه، أو فعل قام به. أما ربط كلمة البرلمانية بالحصانة فذلك تخصيصٌ لها عن غيرها مما تتشابه معه كالحصانة الدبلوماسية، والحصانة القضائية، والحصانة السياسية، والحصانة القانونية وغيرها، فوصفُ الحصانة بـالبرلمانية يقتضي حصر هذا المصطلح بمن حاز عضوية إحدى غرفتي البرلمان “المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة”، وبناء على هذا يمكن تحديد المعنى القانوني للحصانة البرلمانية بأنه “مركز دستوري وقانوني للبرلماني يحول دون مساءلته القانونية والقضائية عن نشاطه البرلماني خلال عهدته البرلمانية”.
كما يمكن تحديده أيضا بأنه “امتياز منحه كل من المؤسس الدستوري والمشرع للبرلمانيين ليوفر لهم مناعة وحماية من مقاضاتهم أمام القضاء طيلة فترتهم التشريعية، فالحصانة البرلمانية “قيدٌ على حرية ممارسة أو إقامة أي دعوى عمومية أو مدنية ضد المتمتع بها خلال عهدته”.
وحسب البعض، فإن هذا القيد قد يكون مطلقا لا يمكن أبدا التحرر منه بأيِّ وسيلة، فوجوده يمنع من إقامة الدعوى وممارستها أمام القضاء وأحيانا أخرى قد يكون مجرد مانع مؤقت، يمكن التحللُ منه وممارسة الدعوى بشكل عادي إثر رفعه أو زواله.
كخلاصة لكل التعاريف السابقة مجتمعة، يمكن القول إن الحصانة البرلمانية هي: “نوع من الحماية والمناعة والامتيازات الدستورية والقانونية والسياسية المكفولة، بقوة الدستور، للبرلماني كي يمارس مهامه التشريعية والرقابية والدبلوماسية والتمثيلية وإبداء آرائه وطرح أفكاره وعرض اقتراحاته وانتقاداته بحرية كاملة دون خوف من أي ضغط أو تأثير أو متابعة مدنية أو جزائية من أيّ جهة أو سلطة كانت ما دام في إطار النشاطات والأعمال المرتبطة بالمهام البرلمانية كما حددها الدستور، وهذا طوال عهدته البرلمانية”.
مع الإشارة أنه رغم كل هذه التعريفات إلا أن مصطلح “الحصانة البرلمانية” يبقى مبهما وغامضا بل وسيئ الفهم والاستخدام لدى حتى بعض البرلمانيين أنفسهم لأسباب كثيرة ومبررات مختلفة، وما التجاوزات التي ذكرنا بعضا منها إلا دليل على ذلك، الأمر الذي يحفزنا على القول إنه إذا كانت الحصانة معترفا بها للبرلمانيين بقوة المواد 129، 130 و131 من الدستور الحالي بل يعاقب المشرع كل من تسول له نفسه الاعتداء عليها أو المساس بها (المادة 111 من قانون العقوبات)، على النحو السالف ذكره، فإنه ينبغي التذكير بأن هذه الحصانة ليست لا مطلقة ولا عامة بل تقتصر على الحيز المكاني “الموقع الذي يمارس فيه البرلمانيون مهامهم التشريعية والرقابية والدبلوماسية” وكذا الزمني “طوال عهدتهم البرلمانية” المخصص لها، الأمر الذي يعني انتفاء حق التمتع بها في غير هذين الحيزين “المكان والزمني” ووفقا لنوعيها الإجرائي والموضوعي اللذين سنحاول تفصيلهما أدناه.

4- التنازل عنها وإجراءات رفعها

لا شك أن الحصانة البرلمانية، طبقا للمواد 129، 130، 131 من الدستور الحالي والتي تتحدث عن ضرورة تحصين أعضاء البرلمان أثناء وبمناسبة قيامهم بواجباتهم البرلمانية، التشريعية والرقابية والدبلوماسية والتمثيلية، تعدُّ خروجا عن مبدأ المساواة أمام القانون وفقا للمادتين 35 و37 من ذات الدستور والتي تقضي بوجوب المساواة بين كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، مع استبعاد أي تذرع بأي شرط أو موضوع أو وصف من شأنه الانتقاص من هذه المساواة.
والإشكالية المطروحة في هذا الصدد، هي: كيف نوفق بين موجبات المساواة كمبدأ ومقتضيات الحصانة كاستثناء؟ وقد انتهج المؤسس الدستوري بخصوص رفع الحصانة البرلمانية طريقين أو مسلكين: -الأول وسّع بموجبه من مسألة رفع الحصانة البرلمانية لتشمل كل الأعمال غير المرتبطة بالمهام البرلمانية (م129د)، والثاني حصر بمقتضاه مجال رفع هذه الحصانة ليقتصر على التلبُّس في قضايا الجنايات والجنح دون المخالفات (م131د). كما نص على أن رفع هذه الحصانة يكون في ثلاث حالات:
* الأولى، تتم بتحريك من وزير العدل بناء على طلب النيابة العامة المختصة، إذ يقدم وزير العدل طلب رفع الحصانة عن البرلماني مرتكب جريمة ما مرفقا بملفه الجزائي إلى المجلس الذي ينتمي إليه هذا البرلماني.
* الثانية، تقع بطلب صريح من البرلماني المعني يتضمن التنازل عن حصانته طواعية، ويشترط أن يقدم الطلب مكتوبا حتى لا يدع أي مجال للتأويل، وبعد إتِّباع الإجراءات الدستورية والقانونية يصبح هذا البرلماني شخصا عاديا بالإمكان متابعته جزائيا.
* الثالثة، تحصل بقيام جهة مؤهلة دستوريا “رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الأمة، رئيس المجلس الشعبي الوطني، رئيس الحكومة أو الوزير الأول، حسب الحالة، أربعين نائبا أو خمسة وعشرين عضوا في مجلس الأمة، المعارضة البرلمانية” بإخطار المحكمة الدستورية واستصدار قرار ما من جهات طلب صريح من البرلماني المعني يتضمَّن التنازل عن حصانته طواعية، ويشترَط أن يقدم الطلب مكتوبا حتى لا يدع أي مجال للتأويل (المواد 130 “الفقرة الثانية”، 193، 116 د).
بعد الطلب الذي يرسله وزير العدل مرفقا بالملف الجزائي إلى المجلس الذي ينتمي إليه البرلماني المراد رفع الحصانة عنه، وبعد دراسته من طرف مكتب هذا المجلس يُحال الطلب والملف إلى اللجنة القانونية التي تبحثه وتدرسه وتعدّ تقريرها المتضمن رأيها فيه خلال شهرين على الأكثر من تاريخ الإحالة. يُعرض التقرير الذي أعدّته اللجنة القانونية، بالنحو السالف ذكره، على مكتب المجلس المعني الذي يبرمجه لجلسةٍ مغلقة قصد مناقشته والبت فيه، وهذا بعد الاستماع لكل من: مقرر اللجنة القانونية، والبرلماني المراد إسقاط حصانته، وأحد زملاء هذا البرلماني إذا أراد الاستعانة به والاستماع إليه، ثم التصويت على إسقاط الحصانة من عدمه، بالاقتراع السري، وبأغلبية الأعضاء الحاضرين “أكثر من 50% منهم”. بعد إتِّباع كل هذه التدابير والإجراءات الدستورية والقانونية يصبح البرلماني المقصود برفع الحصانة عنه شخصا عاديا بالإمكان متابعته والحكم عليه جزائيا مع توفير كافة الضمانات القانونية والقضائية بمنتهى العدل والشفافية.
وخلافا لما كانت عليه الحصانة البرلمانية في الدساتير السابقة منها: قلة المواد الدستورية المؤطرة لها “ثلاث مواد فقط”، غموض وتعقيد هذه المواد على قلتها، نحالة وهشاشة النصوص الشارحة أو المفصِّلة لهذه المواد سواء في القانون العضوي المحدد لتنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وعملهما، وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة المذكور أعلاه، أو في القانون المتعلق بعضو البرلمان المعدل والمتمم، أو في النظام الداخلي لمجلس الأمة، أو في النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني. اتساع مفهومها، وكذا انعدام الإرادة السياسية في المعالجة الموضوعية لهذه الأخيرة في ذلك الوقت مما أدى عدم متابعة أي برلماني منذ الاستقلال إلى السنتين الأخيرتين. بسبب ذلك أو غيره فالجهات القضائية المختلفة “الجزائية والمدنية، التجارية والإدارية…” طيلة هذه المادة وعلى مستوى القطر الجزائري برمته لم تُصدر أي حكم أو قرار قضائي باستثناء البعض القليل جدا، ومنها تلك الدعوى القضائية التي كانت قد رفعتها الوزيرة السابقة للثقافة “السيدة نادية لعبيدي” ضد البرلمانية والأمينة العامة لحزب العمال “السيدة لويزة حنون”.
مغايرةً لما سبق واستثناء منه، فإن هذه الحصانة الآن يختلف أمرها تماما، لاسيما مع توفر الإرادة السياسية القوية لدى أعلى مسؤول في أسمى هرم سلطات الدولة من حيث أخلقة الحياة العامة، ومحاربة البيروقراطية، وإضفاء الشفافية التامة على تسيير الشؤون العمومية في جميع المستويات، وترسيخ قيم المواطنة الحقيقية على كافة الأصعدة، وتجسيد آليات الحكم الراشد، والوقاية من الفساد وقمعه، وتحقيق موجبات دولة القانون المبنية على الديمقراطية والتعدّدية والحقوق الأساسية والحريات العامّة والواجبات والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، إذ صار مفهومها ضيقا جدا ويتعلق فقط بالأعمال المرتبطة بممارسة المهام البرلمانية المحددة في الدستور. وما عدا هذه الأعمال واستثنائها من الحالات الأخرى، فإن البرلماني يمكن جدا أن يفقد حصانته أو يجرَّد أو يقصى منها أو ترفع عنه بقوة الدستور آليا، وكأمثلة على ذلك نذكر: التغيير الطوعي للانتماء السياسي “الحزب” الذي انتخب على أساسه، التنافي مع العهدة البرلمانية، عدم استيفاء شروط القابلية للانتخاب، الوفاة، الاستقالة ونهاية العهدة البرلمانية وفقا للمواد الدستورية المذكورة آنفا.
… يُتبع…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!