-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

5 مخاطر.. تسبق الرهانات القانونية

5 مخاطر.. تسبق الرهانات القانونية

خمسة مخاطر يبدو لي أنها تواجه الجزائر في المرحلة الحالية ينبغي الانتباه إليها ضمن صياغة أي مشروع لرؤية مستقبلية لبلادنا قبل الرهانات القانونية التي وإن كانت ذات أهمية لا تعدو أن تكون انعكاسا للقضايا المصيرية الأخطر والأكثر أهمية. هذه المخاطر لها صلة بالتعامل مع الوضع الدولي الراهن وبداية ظهور مؤشرات على تسييس الجهوية والقبلية والعلاقات مع دول الجوار وما أصبح بارزا للعيان من انقسام لدى النخبة السياسية أو تشتت وضعف، وآخرها سوء التعامل مع الثروات الوطنية. قراءة سريعة في هذه المخاطر تنبهنا إلى ضرورة التعمق فيها أكثر لأجل التعاطي معها بفعالية وتحويلها إلى فرص حقيقية للتقدم والتطور والانتصار ضمن رؤيتنا المستقبلية.

تتجلى خطورة التعامل مع الوضع الدولي، من خلال ما يبدو من تردد واضح في عدم تبني موقع استراتيجي في المنطقة والدفاع عنه وبناء تحالفات من حوله مع القوى الدولية الفاعلة في العلاقات الدولية في الوقت الراهن. فنحن لحد الآن لا نريد أن نقوم بدو ر القوة الإقليمية في شمال إفريقيا بعد أن باتت مصر أكبر قوة عسكرية وسياسية فيها في وضع مضطرب، وبات واضحا أن القوى الدولية أصبحت تراهن وبوضوح على إفريقيا الجنوبية كدولة محورية في جنوب القارة، ونيجريا في غربها، وإثيوبيا في شرقها، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي لا شك أنها تربطها علاقات متينة مع هذه الدول المحورية. نحن لم نفصح على موقعنا بعد وعلى قرارنا تجاه لعب هذا الدور بكل وضوح، برغم علاقاتنا المتينة مع كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا، ولعل ذلك راجع إلى حسابات أخرى نضعها نحن، خلافا للدول الإفريقية المحورية سالفة الذكر،لفرنسا كقوة دولية ثانية في إفريقيا.. الأمر الذي تركنا نبدو وكأننا نريد أن نستفيد من علاقاتنا الدولية دون أن نكون طرفا واضحا في اللعبة الدولية وفي ميزان القوة الدولي. وهي حالة تحمل من المخاطر أكثر من الفرص لأننا قد نجد أنفسنا في لحظة معينة من غير حليف أو حلفاء استراتيجيين نتعامل معهم في زمن الشدائد. وهذه من أسوأ الأوضاع التي ينبغي ألا تترك أية دولة نفسها تصل إليها.

 2 ـ المسألة الثانية والتي تبدو مصدرا للمخاطر هي بداية بروز مؤشرات على تسييس الجهوية من حيث التفكير في التوازنات الداخلية المتعلقة بالسلطة، حيث أنه بدل أن نسير نحو بناء أركان الدولة على أساس متين قائم على الكفاءة والالتزام والقدرة على تسيير الشأن العام، بدأنا نشعر وكأننا نعود قليلا إلى الوراء للتفكير في التداول على السلطة أو منع التداول على أساس جهوي. وهذه الظاهرة إذا كانت مقبولة في السنوات الأولى للاستقلال حيث لم تكن هناك إمكانية للفرز بين الناس على أساس الكفاءة والالتزام فقط، أو أن الظرف التاريخي كان يفرض ذلك، فإن عودة بروزها في الظرف الراهن لأسباب عدة يعد مؤشرا لخطر وشيك ينبغي الانتباه إليه.

أما المسألة الثالثة فتتعلق بالوضع السائد من حولنا حيث أن الاضطراب يكاد يحيط بنا من كل جهة شرقا وجنوبا بالتحديد، وإن بدا غربا مؤجل إلى حين، وهي مسألة ينبغي تناولها بجدية قصوى ذلك أننا لن نستطيع أن نستمر لمدة طويلة على هذه الحال دون أن تنعكس علينا اضطرابات المحيط مهما كانت مقدرتنا الداخلية على مواجهته. وليس أمامنا سوى أن نسعى لإيجاد حلول للمشكلات الدائرة حولنا بطريقة أو بأخرى، وذلك له علاقة بالتحدي الأول المتعلق بكيفية التعامل مع الوضع الدولي، ذلك أننا لا يمكن أن نساهم في إيجاد حل لهذه المسألة دون أن نحل المسألة الأولى المتعلقة بموقعنا في العلاقات الدولية ودورنا في اللعبة السائدة في المنطقة بقيادة القوى الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

4 ـ  وتتعلق المسألة الرابعة بما نلاحظه من انقسام واضح للنخبة تجاه كبرى القضايا التي تهم بلادنا، فمن ناحية يوجد المبررون للسياسات المنتهجة في هذا القطاع أو ذاك على الصعيدين الداخلي والخارجي من غير نقاش وكأنها أصبحت من المسلمات، ومن جهة أخرى يوجد الرافضون لكل السياسات القائمة من غير تمحيص أو تمييز وكأن تلك السياسات هي نواقض بحد ذاتها ومهما كانت، مما أنتج حالة يبدو معها وكأن ما نعتبره نخبة البلاد أصبحت غير قادرة على الاتفاق حول فكرة جامعة أو موقف موحد، مما يزيد من درجة التهديد التي تحملها معها المخاطر السالفة الذكر، خاصة وأنه تبين لنا في أكثر من بلد عربي وإفريقي أن تشتت النخبة هو المدخل الأول لتمزيق أي بلد أو إثارة الفتن بداخله، بما في ذلك الدول التي تبدو موحدة في الشكل من حيث الدين والمذهب والعرق. ولا يوجد مثال ساطع على ذلك من الصومال التي برغم وحدة الدين واللغة والعرق والمذهب (الشافعي) بها، هي الآن أكثر الدول تقسيما في القارة الإفريقية نتيجة عدم قدرتها على التعامل مع المخاطر في مستوياتها الآنفة الذكر بسبب الانقسام الكبير الذي حصل لدى نخبتها على أكثر من مستوى.

5 ـ وأخيرا ينبغي أن نسجل بأن الثروات الوطنية بقدر ما تكون لفترات معين سببا في الاستقرار ووسيلة تمدنا بالمداخيل الكبيرة لضمان الاستجابة لمتطلبات الحياة، بقدر ما تكون سببا في زيادة الأطماع الخارجية عليها والتكالب الداخلي على تقاسمها. وليس أدل من ذلك أنه لولا الثروات البترولية في ليبيا والموقع الاستراتيجي والمعادن في دول القرن الإفريقي، وفي دول الساحل ومختلف الدول الإفريقية لما حدثت بها الاضطرابات التي نعرف. ولذا فإنه يُصبح من أبجديات العمل لأجل مستقبل البلاد أن يتم التعامل مع الثروات الطبيعية بكيفية تجعل منها مصدرا للثراء والاستقرار وليست سببا في إحداث صراعات حولها في الداخل أو نزاعات تناحرية بشأنها في الخارج. ولنا أيضا عبرة في الكثير من الدول الإفريقية التي رغم ما تزخر به من ثروات لم تعرف الاستقرار في يوم من الأيام بسبب تلاعب مجموعات معينة بها، أو محاولة السيطرة على تسييرها دون بقية المجتمع، وكأنها ليست ملكا عاما من حق الجميع المشاركة في تسييره ومعرفة مصيره.

 

هذه المخاطر يبدو لي أننا في حاجة اليوم إلى وضعها على طاولة النقاش، وبدل أن يبقى التشاور الحالي محصورا في شقه القانوني، كما تم الإعلان عن ذلك في أكثر من مناسبة وعلى أعلى مستوى، ينبغي أن يتم توسيعه إلى المسائل المتعلقة بالخيارات الإستراتيجية للبلاد وللسياسات التي ينبغي رسمها تجاه التعامل مع القوى الدولية ومع إلغاء الحسابات الجهوية من منظورنا السياسي سواء في تشكيل الحكومات أو في التعيين للمناصب، وكذلك إلى كيفية التعامل مع دول الجوار وتوحيد النخبة والتعامل مع الثروات الوطنية. بنظري أن مثل هذه المسائل الخمس إلى جانب الدستور التوافقي تعد أهم التحديات التي ينبغي أن ينصب حولها النقاش، إن لم تكن تسبق النقاش حول الجانب القانوني من الدستور الذي يريدنا البعض أن نغرق فيه بلا جدوى عملية ولا منظور استراتيجي بعيد المدى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • حنصالي

    انا فى ضنى حتى تكون عملية اصلاح فعلية يجب ان تعالج الامور بصفة عكسية هل المجتمع كان بهاته الحالة من الانهيار والضياع في ما قبل اكيد لا اذن هناك عاملين رئيسين في انهيار المجتمع اخلاقيا هما عامل فقدان الامن في عشرية الارهاب بحيث تحطم حاجز الرعب وكذا عامل الرئسمالية المفتوحة هما العاملان الرئيسيان

    فلا العامل الامنى عولج نهائيا ولا فلتان القيد الاستثمارى والتحكم في الاقتصاد والقدرة الشرائية تم لملمت جراح نزيف التكلفة الاستثمارية للدولة وكل هاته نارا تحت الرماد لا ندرى في اي وقت تنفجر

  • حنصالي

    انا ياجماعة عندي تسائل السلطة الحالية لماذا تتجاهل ما يسمى بالطاقة المتحدة وهاته الاخيرة احفورية لدى الشعب اهمالها يعنى شعب لديه القابلية للاستعمار وفعلا اي خبير اجتماعى يقولك اننا شعب تكونت لديه القابلية للاستعمار لا يخدعك مضاهر وفزاعة الاعلام الوطنية وغيرها هناك عوامل وضوابط محدودة هي من تؤكد مصير الامة ان كانت تؤبى التدخل على العموم هذا ليس اوانه

    اذن هل رئت السلطة فالطفرة البترولية والصخرية المنتهية بديل عن هاته الطاقة العملاقة الا منتهية المتجددة

    والى متى تبقى عقلية المرتزقة