إدارة “فشل”
الحديث عن مستقبل الوطن العربي مرهون بالحديث عن الوضع الداخلي لكل قطر عربي على حدة باعتبار أن”الحالة العربية” متعددة الوجوه، واختلاف الأنظمة مابين ملكيات وجمهوريات وجملكيات هو الذي يدير الفشل بينها، والصراع بين جيلين غير متواصلين: جيل يسميه العالم المصري الأمريكي فاروق الباز بـ “جيل الفشل” وجيل ثاني يسميه غيره بـ” جيل الكسل” فأي مستقبل لوطن فيه هذان النموذجان؟ .
وجهان لعملة واحدة
منذ ما يقرب من أربع سنوات نشر فاروق الباز (74 عاما) مدير مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن الأمريكية مقالا بعنوان (جيل الفشل) يعترف فيه بفشل جيله في تحقيق أربع أمنيات عربية وهي: الوحدة العربية، وتحرير فلسطين، والعدالة الاجتماعية، ومحو الأمية، ويخلص إلى سؤال جوهري: ماذا نفعل؟.
ويجيب بصراحة المفكر الحر وعقلية العالم المتحرر قائلا: “إذا كان جيلي قد فشل في تحقيق الآمال المذكورة فلا مكان له في قيادة الأمة العربية ويجب أن يتنحى”، وحين استضافه نادي دبي للصحافة ذكر الحضور بما قاله، لكن الدكتور محيي الدين عميمور تصدى له محاولا تبرير الفشل، فهل ما قاله الباز هو الحقيقة أم أن الحقيقة فيما دافع عنه عميمور؟.
لا أحد يستطيع أن ينكر الكثير من الأقطار العربية في اتجاه التقسيم على الطريقة السودانية، وأن فلسطين التي كانت توحدنا تسلمها الكيان الصهيوني”هبة” من أصحابها والعرب، وأن العدالة الاجتماعية تعني تقسيم الثروات على أفراد النظام القائم، وأن السباق نحو سلب أصوات الشعب صار مهنة ألأحزاب الموالية للأنظمة العربية.
وها نحن نحتفل بالذكرى الخمسين بقيادة تحترف الفشل ولا تريد تقديم المشعل لأبنائها وإنما تصر على أن يمشوا في جنازتها ذات يوم، لأن هؤلاء الأبناء تعلموا من آبائهم الجلوس في قاعات الانتظار حتى يسلم لهم الحكم أو يتقاسموه مع من نهبوه، فالكسالى هم الذين يمارسون السياسة على حساب العلم والمعرفة للوصول إلى وظيفة، ويكفي أن تطلع على ملفات من ترشحوا لتشريعيات 2012 لتدرك عمق المأساة الجزائرية، فالعاقر والعانس والفاشل والمهرب والبزناسي والترابنديست وأنواع أخرى هي التي تنافست على 462 منصبا دون أي جهد نضالي أو ميداني، وهذا الجيل لا ينتمي إلى جيل الفاشلين أمثال فاروق الباز ولا إلى جيل من يدافع عن الفشل أمثال محيي الدين عميمور، وإنما إلى جيل الترابندو السياسي الذي دخل الجزائر عبر منتوجات “تايوان”.
المعتدي والمعتدى عليه
لم تتخذ السلطة أو الأحزاب الجزائرية الـ45 التي شاركت في التشريعيات موقفا واحدا مما يجري في الوطن العربي وخاصة فيما يتعلق بمشروع الوحدة بين البحرين والسعودية التي وقفت ضدها إيران، ولا أتصور أن من يقف ضد الوحدة بين دولتين عربيتين أو إسلاميتين يكون في خدمة الإسلام أو المسلمين، والصمت إزاء السلوك الإيراني هو مساس بوحدة الأمة العربية، وإيران بموقفها المعادي للوحدة العربية دليل على أن الخطر الذي يهدد الخليج العربي بعد اجتياحها للجزر العربية صار تعبئة للشعب الإيراني لضم البحرين إليها.
إن البحريني هو مواطن عربي سواء كان من أغلبية شيعية أو أقلية سنية، ولا يستطيع أن يتنكر لعروبته مثلما لا يستطيع المسيحي اللبناني أن يتنكر لها، لكن السياسي الجزائري صار لا يهتم إلا بتحسين وضعيته المادية ولا يسعى إلى الوصول إلى السلطة وإنما التقرب منها.
عندما ذهبت خليدة تومي إلى إسرائيل ضمن وفد نسائي لم يصدر بيان واحد لإدانتها، وعندما تسلل وفد صحفي إلى (تل أبيب) سرا وكشفته “الجزيرة” صارت القناة الأكثر كرها لدى السلطة الجزائرية وحتى زيارة الكاتب الفرنكوفيلي صنصال إلى إسرائيل لم تثر رد فعل لدى اتحاد الكتاب أو المنظمات الثقافية، وها هو فرحات مهني يتوج هذه الزيارات بدعم إسرائيلي له لتقسيم الجزائر ولا أحد يرفع صوته ضد هؤلاء جميعا؟.
يبدو لي أن الجزائر ستضيع بين جيلي الفشل والكسل بسبب من يريدون استغلال الوضع القائم للتقرب من إسرائيل، وبسبب من يريدون أن يحتفلوا بالذكرى الخمسين بـ(النخيل) المستورد من فرنسا لتزيين العاصمة بعدما فقدت الصحراء قيمة نخيلها بسبب تجاهل السلطة لها.
صحيح أن إدارة الفشل أصعب من إدارة النجاح لأن رهان الأحزاب كلها في هذه الانتخابات التشريعية كان هو الفوز بمقاعد برلمانية لا أكثر، وقد استطاعت الإدارة أن تكلق ظاهرة صوتية على حد تعبير المرحوم الكاتب السعودي القضيبي.