الطريق إلى الكوثر
عندما أعطى الله للإنسان الكوثر كأرقى ما يمكن أن يحلم به، أمره أن يُصلي لله، وأن ينحر ضمن شعيرتين تلتقيان في عيد الأضحى المبارك، الذي هلّ هذا الموسم مختلفا شكلا ومضمونا عن أعياد النحر السابقة، في غياب عدد من زعماء الدول العربية، بين مقتول ومسجون وهارب، من الذين ظن بعض الشعب أنهم خالدون إلى يوم الدين أو يوم الكوثر، وفي حضور واقع عالمي وإقليمي وداخلي جديد، يختلف عن كل أعياد النحر السابقة.
- الصلاة أقيمت هذه المرة في الميادين التاريخية في عدد من العواصم العربية، إذ كانت لأول مرة في الأضحى حرة في ميدان التحرير بالقاهرة، بعد قرابة الستين عاما من الديكتاتورية، التي خلفت ديكتاتورية مملكة فاروق، وكانت في ميدان التغيير في اليمن، حيث أصرّ مؤدوها ألا تكون مستقبلا في حضرة علي صالح، ولكنها لم تكن في القدس، حيث غابت الصلاة الحرّة، وحضر النحر من الجانب الإسرائيلي، وحضر النحر في أسواق بغداد، التي هزتها أربع عبوات ناسفة، وحضر النحر في أفغانستان، وكان كالعادة الضحية سبعة مصلين، ذنبهم الوحيد أنهم أدوا صلاة العيد، وبدلا من أن يعودوا إلى بيوتهم لنحر أضاحيهم، نحرهم إنتحاري، لا أحد يعلم لماذا فجّر نفسه في المصلين؟
-
العراقيون نحروا صدام حسين منذ خمس سنوات في عيد الأضحى، ومازالت صلواتهم مستحيلة، بسبب العبوات الناسفة التي حوّلت أعيادهم إلى أحزان، والليبيون نحروا معمر القذافي قبيل عيد الأضحى، ونأمل ألا تكون أعيادهم القادمة على شاكلة أعياد العراقيين، الذي صاروا يحلمون بأيام البعث الديكتاتوري، التي حرمتهم من الحرية، على أن يبقوا في السنوات العجاف التي حرمتهم من الحياة.
-
أن يحل عيد الأضحى المبارك من دون حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي، فذاك حدث جليل، سيضمن على الأقل انقراض نتائج الانتخابات الكاريكاتورية، التي يحصل فيها الحاكم على الأرقام التسعينية من المئة في كل الدول العربية من دون استثناء، لكن ما نخشاه، أن يتم تبادل السلطة وتغيير الزعامات وتقديم صور عن ديموقراطية شكلية وتعددية، تؤدي إلى مزيد من التفرقة والتطاحن، كما حدث في العراق الذي وحدته الديكتاتورية، ووأدت الفتنة فيه، وفرقته الديموقراطية القادمة عبر الدبابات الأمريكية وزرعته بالفتن.
-
صحيح أن عمر الثورات العربية مازال فتيا خارج مجال التقييم، خاصة أنها لم تنتخب مؤسساتها الحاكمة بعد، لكن الثورات الأوروبية الكبرى التي أسست للديموقراطية، لم تكن لتحقق أهدافها من دون ثورات صناعية وعلمية وتربوية، بعيدا عن الشعارات وتصفية الحسابات، لأن الحرية بأيدي الجهلة تقتل الأمة ولن تحييها، وإذا توالت الأعياد وتشابهت وبقيت الصلوات في ميادين التغيير والتحرير، وليس في القدس الشريف، وبقي سكين النحر في أيدي الأمريكيين والفرنسيين والإسرائيليين والناتو ومشتقاته، فإن الكوثر سيظل بعيدا، وحينها سنكون في حاجة إلى ثورات أخرى، وربيع عربي آخر!