-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس

ألف‭ ‬ليلة‮ ‬وليلة‮ ‬ورمضان

أمين الزاوي
  • 5837
  • 4
ألف‭ ‬ليلة‮ ‬وليلة‮ ‬ورمضان

بعد القرآن الكريم وبعد الصحيحين (صحيح البخاري وصحيح مسلم) وبعض الكتب الشارحة لهما، يحتل كتاب ألف ليلة وليلة، ككتاب أدبي تخييلي، المرتبة الأولى في القراءة النصية أو القراءة السماعية خلال شهر رمضان.

  • من بغداد إلى نواكشوط، من إسبهان إلى الخرطوم، من سمرقند إلى فاس، من اسطنبول إلى تامنراست ومن دمشق إلى تلمسان كان أجدادنا المسلمون القدامى يحيون لياليهم وساعاتهم التي تسبق آذان الإفطار بالاستمتاع بعوالم ألف ليلة وليلة، ففي كل سنة ومع كل رمضان يعود الناس إلى هذا الكتاب الفريد لاكتشاف عوالمه الخارقة عن الأسفار والحروب والغيرة والشعر والهندسة وفنون الطبخ والخير والشر… لم تكن هناك مكتبة عائلية أو خزانة عامة واحدة تخلو من نسخة أو أكثر من كتاب ألف ليلة وليلة، كان الكتاب بتجليداته المختلفة يوضع دون عقدة إلى جانب كتب الدين والتفاسير والنوازل والتاريخ والشعر، كان وجوده أساسيا لا تكتمل المكتبة إلا بحضوره، في الساحات العمومية وفي السهرات الليلية كان الراوي أو “القوال” يقرأ أو يروي مشاهد من الليالي وكان الصائمون يضحكون تارة ويتأملون تارة أخرى ما في الكتاب من خلال القراءة‮ ‬أو‭ ‬الحكي،‭ ‬ليكتشفوا‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬المكتوب‭ ‬بأسلوب‭ ‬غير‭ ‬أسلوب‭ ‬المؤرخين‭.‬
  • بعد مضي عشرة قرون، تزيد أو تنقص، على ظهور كتاب الليالي لايزال أهم كتاب ألفه العرب المسلمون حتى الآن، لما فيه من حرية الخيال وشجاعة القول وبنية أدب الحكاية، وربما جاءت قوة الكتاب وجرأته في الموضوعات المطروحة وفي تنوعها من كونه ينتمي في أساس تشكله كنص مفتوح إلى ما يسمى بالثقافة الشفوية. وربما تكون هذه الثقافة الشفوية بما تمتلكه من إمكانية المناورة وما تتمتع به من هامش الحرية هو الذي جعل الليالي كتابا يشد الأجيال وتُطوِّره الألسنُ من خلال عبقريات الشعوب جيلا بعد جيل، فـ”اللسان ما فيه عظم” هكذا تقول الحكمة الشعبية، لذا كان سهلا على لسان الناص، الذي هو الشعب، أن يندلق في كل الموضوعات التي قد تبدو متعارضة مع مجموعة من القيم ولكنها في الواقع جزء مما يعيشه الفرد والجماعة في مجتمع إسلامي معرض لكل الرياح.
  • عاش كتاب الليالي لمدة عشرة قرون بين الشفاه ينتقل من لسان إلى آخر ومن جيل إلى آخر، يتغير ويتبدل يضاف إليه ويسقط منه يلون ويموسق يأخذ طابع الثقافات المحلية أينما حل وارتحل، كتاب بدون ضفاف، عاش هذه المغامرة الثقافية والأسلوبية واللغوية والدينية دون أن يُهدَّد أو يُمنَع أو يُحاصَر، كان المسلمون الأوائل على اختلاف مللهم ومذاهبهم وانتماءاتهم السياسية والقبلية واللغوية وعلى مدى هذه العقود كلها يحتفلون بالكتاب احتفالا يختلط فيه الأدبي بالديني والسياسي والامتاعي. كان المسلمون أمة التسامح والانفتاح والوسطية الحضارية،‭ ‬من‭ ‬طليطلة‭ ‬إلى‭ ‬بخارى‭. ‬
  • حين انتقل كتاب الليالي من حيز الثقافة الشفوية إلى حيز ثقافة المكتوب، وسُجِن الكتابُ الذي كان محكيا طليقا بين دفتين من ورق مقوى، وقُطع جناحاه، أصبح فجأة عرضة للنقد والتجريح والهجوم من قبل بعض المجموعات المتطرفة التي لا تفرق ما بين التخييلي والديني التشريعي، وكأنما الكتاب غريب الدار لم يعش بين أهلها وفي أحضان الحضارة الإسلامية المتفتحة والمتسامحة قرونا. هكذا، ففي سنة 1980 تعرضت إحدى طبعات كتاب الليالي التي تكاد تكون كاملة إلى المنع من قبل مجلس الشعب المصري، وفي سنة 2010 تصدر طبعة أخرى وإذا بمجموعة من المحامين‭ ‬المتطرفين‭ ‬السلفيين‭ ‬المصريين‭ ‬يرفعون‭ ‬دعوة‭ ‬قضائية‭ ‬ضد‭ ‬الكتاب‭ ‬مطالبين‭ ‬بتوقيفه‮ ‬وإعدامه،‮ ‬وتسير‭ ‬بعض‭ ‬المظاهرات‭ ‬ضد‭ ‬الكتاب‭ ‬تقودها‭ ‬بعض‭ ‬الغوغاء‭ ‬من‭ ‬الغرباء‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬الإسلام‭ ‬المتفتحة‭.‬
  • حزين ومؤسف هو وضع بعض المسلمين، إذ يحاربون كتابا أدبيا هو من أهم وأجمل ما أنتجته العبقرية الأدبية البشرية حتى الآن، وهو الكتاب الذي ظل يحتفل به في ديار الإسلام على اختلاف اللغات والعادات والثقافات لقرون طويلة، لم تضق يوما الحضارة الإسلامية بمثل هذا كتاب، فما‭ ‬هذا‭ ‬التردي‮ ‬وما‭ ‬سر‭ ‬هذا‭ ‬السقوط‭ ‬الحر؟
  • أعجب من هذه المجموعات التي تطالب بإعدام كتاب الليالي وهو الكتاب الذي منه خرج عشرات الكتاب العالميين، منه تخرج: لافونتين وشارل ديكنز وغوته وفولتير وإدغار ألان بو ونجيب محفوظ وغارسيا ماركيز وكارلوس فوينتيس وخورخي بورخيس وباولو كويلو وآخرون، ومن حكاياته استلهم السينمائيون كثيرا من الأفلام الخالدة ومن حيله ومغامراته صنع وصمم العلماء في أمريكا واليابان مئات الألعاب الإلكترونية الشهيرة والبرامج الترفيهية الذكية الموجهة للأطفال ومن عوالمه استوحى الرسامون أعظم اللوحات الخالدة التي تعرض في أكبر المتاحف في العالم ومنه‭ ‬أيضا،‭ ‬من‭ ‬سحره‭ ‬الخارق‭ ‬استشف‭ ‬أكبر‭ ‬الموسيقيين‭ ‬العالميين‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬سيمفونياتهم‭. ‬
  • فيا‭ ‬عجبا‭ ‬لأمة‭ ‬تدير‭ ‬وجهها‭ ‬لجزء‭ ‬من‭ ‬إبداعها‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬تراثات‭ ‬الإنسانية‭.‬                                       
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • عبد الكامل

    قرأناه في صبانا ولم نجد فيه آنذاك ما يفيد سوى المتعة القصصية.هو خيال مكذوب ظاهر التكلف ولا تسلسل منطقي في سرده.ولذلك فأنا أرى أنه من سوء الأدب ذكره إلى جانب القرآن والصحيحين ولو من باب الإحصاء.كنت أتعجب من طه حسين حين يمجد الكتاب،ثم عرفت أن كل الذين مجدوه من نفس النمط،كلهم تفلسفوا فماتوا غمّا.عبقري من يخرج للناس من الأمر ما لم يجدوا له طريقا،لكن ليس كل من لوى ذراع وعنق الأمور عبقري.العبرة بالنتائج وإلا فسوف يصدق عليه قول: "وأوهى قرنَه الوعل".

  • عبد القادر

    لا أعرف سيدي من أين لك بهذه الإحصائيات الغريبة و الشاذة، هل لأنك مجبر على الكتابة حول ألف ليلة و ليلة، هل يجبرك هذا على قول هذه الترهات.
    و كيف لك أن تضع هذا التخييل في المرتبة الثالثة بعد كتاب الله و سنة رسوله.. معذرة سيدي

  • وليد شلابى

    ان الهجمة التى يتعرض اليها الكتاب هى هجمة مؤسسة ومقبولة فى بعض نواحيها فالكتاب(وعندى منه نسخة كاملة)ولكم ان تطالعوه يدعوا الى موضوعات تتهيبها النفس المسلمة وتخشاها الفطرة السليمة ففى كثير من قصصه الكلام عن الخيانات الزوجية والفجور والزنى وغيرها من قصص الخيال الزائف .اما كتاب الف ليلة الشفهى كما ذكر الاستاذ فقد كان موزون مدقق تفادى فيه الرواة والقصاصون ذكر ما يخدش وما يسىء .غير ان قيمة الكتاب الادبية ارفع من ان نردد محاسنها فى بضع كلمات .وبالمختصر كتاب رائع لو اعيد تكييفه مع خصوصيات مجتمعنا

  • ب.جلولي

    ذكر الدكتور جملة من العلماء والموسيقيين ممن أخرجهم كتاب ألف ليلة وليلة، ولم يذكر عالما واحدا من علماء الإسلام، فما العلة في ذلك؟ أيجهل الدكتور العلماء المسلمين الذين أخرجهم هذا الكتاب الذي يعتبر بالنسبة إليه مدرسة كبيرة أم هناك سبب آخر نجهله وعلى الدكتور ان يبينه لنا حتى نكون على حقيقة من الأمر. شكرا دكتور.