-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عاجل ومهمّ…

حسن خليفة
  • 629
  • 0
عاجل ومهمّ…

لم أجد عنوانا أنسب لهذه السطور من كلمة “عاجل” على غرار ما تفعله الفضائيات عندما تنشر في أسفل شاشاتها بالبنط العريض أخبارا ما، تضع لها إشارة عاجل.. للفت النظر. وأنا أحب فعلا أن ألفت النظر إلى أمور هامة من خلال المتابعة التحليلية المتأنية لما يجري في ساحتنا الوطنية، التي تبدو قضيتها الرئيسة الكبرى منذ أسابيع هي “الأكسجين”، خاصة في ضوء تتابع الأخبار عن وفيات هنا وهناك، في المشافي، وحتى في المنازل لسبب أساسي وهو “فقدان” الأكسجين سواء كان في شكل قارورات، أم “مكثفات” أم حتى في “المولّدات” المنهكة في المشافي، أو تلك التي لا تعمل أصلا، وتوقّفت بسبب الإهمال منذ سنوات!! وكل هذا ينبغي أن يُحسب حسابه ويُدرس وتستخلص منه النتائج للضرب على أيدي المهملين والمقصّرين، وقبلهم من لم يستشرفوا الوضع ـ على خطورته ـ على مدار اسابيع… فبقيت دار لقمان على حالها.

المهم… في هذا العاجل

ينبغي التنبّه إلى جملة مسائل، لعل أهمـها: ضرورة التنسيق القويّ المتين بين المكوّنات الوطنية الساعية لشراء المولدات والمكثفات(جمعيات وطنيةـ هيئات رسمية ـ مؤسسات ومصانع ـ أرباب عمل ـ جمعيات محلية ـ مبادرات شخصية وجماعية في القرى والمدن الصغيرة والمتوسطة الخ )… فهذه الاندفاعة الطيبة النبيلة إن لم تجد مرافقة تنظيمية، ومتابعة منهجية، واستيعابا حقيقيا للمعطيات والأوضاع، ورسما لاستراتيجية دقيـقة (ولو على المدى المتوسط) مضبوطة الأهداف، سيُسلمنا ذلك إلى فوضى لا نظير لها، ولن تتم الاستفادة بالشكل اللازم والمطلوب من كل ما سنحصل عليه شراء واستيرادا، وستذهب أموال كبيرة في ما لا يحبّ أحد أن تذهب فيه، ومنه أن تُشترى معدات بالملايير ثم نجد أنفسنا في غير حاجة إليها ؛ لأن هناك “تشبّعا” وفائضا… وهذا أمر لا يقرّه شرع ولا قانون ولا عقل.

لذلك، ينبغي أن تُدرس الأمور بشكل دقيق وعلمي: ما هي احتياجاتنا بالضبط؟ في المولدات؟ وفي المكثفات، وفي سائر المستلزمات الضرورية الخاصة لمجابهة الوباء في تحوّره وتحوّله الجديد، وفي انتشاره وسوء النتائج التي يخلّفها؟

من أين يجب أن نبدأ؟ من ينبغي أن يتحمّل المسؤولية في تنظيم هذا الأمر (الحيوي الاستراتيجي)؟ وكثير من الأسئلة يجب أن تُطرح بصراحة، ويجب أن يُعمل على ضبط إيقاع حركة هذه العملية (جمع الأموال ـ تحديد الاحتياجات ـ تحديد الأولويات فيما يجب أن يُشترى أو يُستورد… إلخ).

هناك الكثير مما يتعلق بالمعدّات في ذاتها من حيث: سعرها، نوعيتها، سعتها، جودتها، منشؤها، فوائدها، أفضليتها على غيرها. كيف نحصل على المعلومات الكافية والكاملة في هذا الشأن؟ ومن ينبغي أن يكون مسؤولا عن كل ذلك؟

إن ما نراه في الفيديوهات وما نراه أيضا في الصور وما نقرؤه من كتابات ونداءات مؤثر وجميل يدلّ على نُبل القلوب ونقاوة الفطرة الإنسانية، لكن تعلّمنا من حادثات الزمان ودروس الحياة أن النوايا والعواطف وحدها لا تكفي في إدارة أزمة كبيرة كهذه؛ حيث ينبغي لصالح العلم والخبرة والتجربة والمؤهل للقيادة أن يكون المشرف الأول.

ثم هناك إشكال آخر يتمثل في الاسترزاق، وتحقيق المصلحة الخاصة؛ فالإنسـان هو الإنسـان، وحتى في الحروب لا تخلو بعض النفوس من “الشراهة” و”الجشع” ولا تتردد بعض النفوس لأفراد أو غير أفراد، لا تتردد في ممارسة الجشـع والكذب، والغدر، والتضليل… وتحقيق المآرب الشخصية على حساب احتياجات المحتاجين.

فهل تمت دراسة كل ذلك على النحو الذي يجعل هذا العمل الكريم الرائع عملا مصفّى نزيها مستقيما خاليا من أي شوائب وأنانيات أو انحرافات؟

ثم وهذا أيضا مهم… هل مقتضى الحال أن نستورد فقط: فهناك مصانع في بلدنا تنتج المولّدات (باتنة على سبيل المثال كما أخبرني إخوة من قالمة) تصنّع مولدات جيدة، فلمَ اللجوء إلى الخارج: الصين أو تركيا أو إسبانيا وألمانيا، ونعلم أن ذلك يستغرق وقتا، وتحول بين وصول المعدات وبدء تشغيلها حوائل كثيرة. ولا يعني الأمر هنا الاقتصار على المحلّي ولكن يعني أنه من الضروري أن ندرس كل الاحتمالات وكل الآفاق التي تسمح لنا بتحقيق الأهداف بشكل أجدى وأفضل.

أريد أن أقول الكثير، وأنا متأثر أشد التأثر بما يجري في واقعنا إيجابا من حيث هذا الإقبال الشعبي المدني الرائع الكريم والتسابق نحو الخيرات، وسلبا من جانب ما نسمعه يوميا عن عشرات الأموات الذين فارقوا الحياة بسبب الوضع الذي نحن فيه،وسلبا أيضا من ناحية المزايدات التي تظهر حتى في مثل هذه المناسبات، مزايدات تدلّ على تورّمات في الأنا، وضعف في التبصّر، وإهمال لمداواة النفوس المريضة التي لا ينبغي ـ أبدا ـ أن تكون في مقام الصدارة ؛ خاصة في الظروف الصعبة.. والله المستعان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!