-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نستسقي فلا نسقى؟!

سلطان بركاني
  • 2375
  • 1
نستسقي فلا نسقى؟!

في عقود وأزمنة مضت، كان النّاس لا تكاد تمرّ ساعات قليلة بعد صلاة الاستسقاء حتّى تجتمع الغيوم وتتلبّد السّماء وينزل الغيث مدرارا، بل ربّما يسبقهم المطر إلى أراضيهم وبساتينهم، لكنّ الحال تغيّر في السّنوات الأخيرة، حين أصبحنا نصلّي الاستسقاء فما تزداد السّماء إلا انقشاعا وصفاءً، وربّما ترتفع درجات الحرارة ونفاجأ بأيام ربيع في فضل الشّتاء أو أيام صيف في فصل الخريف!

مولانا سبحانه حنّان كريم، كتب على نفسه الرّحمة، ووعد أن يجيب المضطرّ إذا دعاه ولو لم يكن صاحبُ الضّرورة مسلما، بل لو كان مشركا، يقول سبحانه: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُون)) (النّمل: 62).. كان المشركون إذا أجدبت أرضهم أو نزلت بهم جائحة أو أصابهم الضرّ، ينسون أصنامهم وما يشركون من دون الله، ويخرجون مفتقرين إلى الله يدعونه وحده أن يغيثهم ويكشف كربهم، فيغيثهم ويرفع عنهم البلاء، ((وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا)) (الإسراء: 67). ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُون)) (النحل: 53- 54).

وعدُ الله حقّ وصدق، والله لا يخلف وعده، لكنّ الخلل في قلوبنا وأحوالنا؛ لأنّنا لا نخرج إلى الاستسقاء خروج المفتقرين ولا ندعو الله دعاء المضطرّين، وقليل منّا من يشعر حقيقة بالضرّ والاضطرار، لأنّنا بكلّ بساطة نجد الماء في حنفيات بيوتنا، ونجد الخبز في المخابز والسّميد في المحلات والخضر في الأسواق، وكثير منّا لا يشعرون بما يشعر به الفلاحون الذين جفّت حناجرهم من الانتظار، ولا نفكّر في عواقب استمرار الجفاف وقحط السّماء، ولا نتوقّع تأثير ذلك على البهائم والشّجر والنبات وعلى السّدود والآبار.. لذلك لا يحضر صلاة الاستسقاء غيرُ قلّة قليلة من الفلاحين وكبار السنّ، ومع أنّ الصلاة تبرمج في وقت الضّحى من العطلة الأسبوعيّة، إلاّ أنّ أكثر النّاس لا يعيرونها أيّ اهتمام، لأنّهم لا يقوون على قطع نومهم الذي يمتدّ إلى منتصف النهار، ويريدون يوم العطلة يوما مشمسا يخرجون فيه للنزهة والفسحة، وصلاة الاستسقاء ربّما تؤدّي إلى إفساد يومهم!

الخلل في أنّنا نستسقي بألسنتنا ولا نستسقي بقلوبنا.. ألسنتنا تدعو الله وترجوه، لكنّ قلوب كثير منّا لم يخالطها الخشوع ولا الخضوع ولا أحسّت بالاضطرار ولا أحسنت الظنّ بالله العزيز الغفار.. كان الناس في عهود مضت إذا اقترب موعد صلاة الاستسقاء بكت قلوبهم وخشعت ولانت، وحنّت إلى مولاهم ورغبت في فضله، وأحسنت به الظنّ، حتّى إنّ أحدهم من يقينه بربّه يجهّز أرضه وميزاب بيته لنزول المطر قبل أن يخرج للاستسقاء.

الخلل في أنّنا لا نتواضع لله ولا نظهر له المسكنة والحاجة.. الأوّلون كانوا يخرجون للاستسقاء بألبسة رثّة وأجساد خاضعة ورؤوس منكّسة، ونحن الآن نخرج للاستسقاء كما نخرج لباقي الصّلوات، ونخرج ونحن نتحدّث بحديث الدّنيا ونضحك ونمزح، وربّما يعرّج الواحد منّا في طريقه إلى الاستسقاء على المقهى ليواصل عادته اليومية في غيبة إخوانه والحديث في كلّ شاردة وواردة.

الخلل في أنّنا لا نتوب من أكل الحرام ومن الظّلم بين يدي صلاة الاستسقاء، فيصلّي معنا من أكل حقّ أخواته في الميراث، ومن هو قاطع لأخيه لأجل لعاعة من الدّنيا، ومن اغتصب أرضا ليست له، ومن ضيّق على جاره في بيته ومنع عنه الضّوء والهواء، ويخرج معنا من يستحوذ على الشّارع والطريق العامّ، ومن يطفّف في الميزان ويبيع الخضر بترابها ويغالي في الأسعار ولا يرحم فقيرا ولا مسكينا، ومن يحلف بالكذب ويغشّ ويخدع، ومن يعطي الرشاوى لأجل أن يؤذي هذا وينفّس غيظه وغلّه في ذاك.

الخلل في أنّنا نطلب السّقيا من الله ونحن الذين أمسكنا أموالنا عن إنفاقها في بناء وتشييد بيوت الله، وسخّرناها في إحياء حفلات الأعراس وفي التنافس على المظاهر.. نطلب السقيا من الله ونحن لا نزال مصرّين على إغلاق بيوت الوضوء في المساجد وتقديم أعذار نعلم في قرارات أنفسنا أنّها أعذار مصطنعة في ظلّ فتح الشواطئ والمراحيض العمومية.

الخلل في أنّنا لا نقدّم أعمالا صالحة بين يدي صلاتنا.. كان الأوّلون إذا أعلن عن صلاة الاستسقاء صلّوا بالليل وصاموا بالنّهار وتصدّقوا وأغاثوا الأرامل واليتامى والملهوفين، ونحن في أيامنا هذه نغضّ أبصارنا عن أصحاب الحاجات ويشقّ علينا الصيام والقيام ونصبح نياما عن صلاة الفجر في يوم الاستسقاء، لنجتمع في الصلاة بأجساد مثقلة وقلوب قاسية وألسنة مكبّلة وعيون جافّة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • حماده

    نستسقي فلا نُسقى لأننا ندافع عن البدع ونحارب أهل الحق !