-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وثّق صلتك بالله

سلطان بركاني
  • 834
  • 0
وثّق صلتك بالله

من أعظم آيات القرآن الكريم تأثيرا في القلوب الحيّة التي تستشعر أنّ الكلام هو كلام الخالق سبحانه، قوله جلّ شأنه: ((الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين)) (العنكبوت، 1 -3)، وقوله تقدّست أسماؤه: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)).. آيات تقرع الآذان والقلوب بأنّه لا مناص لكلّ عبد رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيا ورسولا، من أن يبتلى ويمتحن ويمحّص، فهذه سنّة من سنن الله التي لا تتبدّل ولا تتحوّل.

إذا نظرنا في كتب السير والتواريخ، فإننا سنقف على عظيم الفتن والابتلاءات التي واجهها الأنبياء والصالحون وعباد الله المؤمنون، وكيف مُحّص المسلمون الأوّلون وزلزلوا زلزالا شديدا كما قال الله: ((هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)).. فثبتوا بفضل الله أولا، ثمّ برسوخ إيمانهم ويقينهم ثانيا، وبذلوا مهجهم وأرواحهم وأموالهم، واستعذبوا شتى صنوف الأذى في سبيل الله، فنجحوا في الامتحان وكانوا بحقّ خيل جيل عرفه تاريخ البشرية، ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)).

وكما ابتلي الأوّلون، فإنّ آخر هذه الأمّة أيضا سيمحّص ويبتلى بلاءً شديدا، لكنّ الفارق أنّ الآخرين لن يكونوا كالأوّلين. في آخر الزّمان، وعلى الرّغم من أنّ أجر العمل لله ولدينه يضاعف، والآيات التي تدلّ على أحقية هذا الدّين تترى وتتوارد، إلا أنّ الثّبات يقلّ، ولا يكاد يثبت على دين الله سوى قلّة قليلة، على كاهلها يكون قوام الدّين ويكون العزّ والتّمكين بفضل الله ربّ العالمين.

لقد أخبر الحبيب المجتبى الذي لا ينطق عن الهوى أنّ الفتن تعظم في آخر الزّمان، وتكون مظلمة حالكة، يلتبس فيها الحقّ بالباطل، وتطغى الأهواء وتكثر الآراء، وتنطق الشّياطين على ألسنة بعض النّاس، وتسلّط على بعضهم الآخر فتلجم ألسنتهم، ويكثر التلوّن والتذبذب والانتكاس، ويصبح الدّين كالثّوب الهيّن عند كثير من النّاس، يلبسه صباحا ويلقيه مساءً، قال الحبيب عليه الصّلاة والسّلام: “بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبحُ الرّجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا”، وتعظم الفتن حتى يتمنّى كثير بعض النّاس الموت خوفا على دينهم وأنفسهم، قال عليه الصّلاة والسّلام: “لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه”.

سيفتن المسلمون في دنياهم وتضيق عليهم معايشهم بسبب الأثرة التي تكون في آخر الزّمان، لكنّ أعظم فتنة هي الفتنة التي تكون في دينهم، حين يلتبس الحق بالباطل، ويزين الباطل ويلبس لباس الحقّ ويغرى به المسلمون، ويشوّه الحقّ ويخوّف منه ويقدّم على أنّه تزمّت ورجعية وتخلّف.

ستعظم الفتن، ولن يجد العبد المؤمن الذي يريد النجاة في الدنيا والآخرة من مخرج إلا الفرار إلى الله والاحتماء بحماه.. لن يثبت في فتن آخر الزّمان إلا من أصلح علاقته بالله ومتّن ووطّد صلته بمولاه وتوكّل عليه وتولاه، ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم)).

توطيد وتمتين الصّلة بالله هو الملاذ في المحن والإحن، والمنجى من كل الفتن، يقول الحقّ سبحانه: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم)).

تمتين الصّلة بالله أساس النّجاة والسّعادة ونيل الدّرجات العالية في الآخرة، يقول المولى سبحانه: ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم)).

توطيد وتمتين الصّلة بالله أساس صلاح الحال في الدنيا وأهمّ سبب في القبول الذي يوضع للعبد بين النّاس؛ تجد الرّجل إذا ذكر أثنى عليه النّاس، وإذا حضر أقبلوا عليه، تحبه القلوب وتمدحه الألسن ويثنى عليه الناس مع أنّهم ربما لم يجالسوه ولم يكسبوا منه شيئا في دنياهم، ولو بحثت لوجدت علاقته بالله معمورة، بينه وبين الله أعمال وقربات، وفي المقابل تجد الرّجل تبغضه القلوب وتنفر منه النفوس ولو فتّشت لوجدت علاقته بالله ليست على ما يرام، يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “إذا أحب الله عبداً نادي جبريل: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي به في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا مقت الله عبداً نادي جبريل إني أكره فلاناً، فيبغضه جبريل، ثم ينادي به في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضه أهل السماء، ثم يوضع له المقت في الأرض” (رواه البخاري).

ونحن نعيش زمان الفتن وأيامه من واجب كلّ واحد منّا أن يتلمّس علاقته بالله ويمحّص صلته بخالقه ومولاه، هل هي على ما يرام؟ هل لا يزال مهتمّا بما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال والأحوال؟ هل يجد همّة ورغبة في الطّاعات، أم أنّ علاقته بالله في فتور مستمرّ، وطاعاته في نقصان، وإيمانه لا يزداد إلا ضعفا بمرور الأعوام، وقلبه لا يزداد إلا قسوة مع الأيام؟ ولا شكّ في أنّ من هذه حاله حريّ به أن يخشى على نفسه الفتن في هذا الزّمان، ويخشى ليس على دينه فحسب وإنّما على إيمانه، فلا يأمن أن يتقلّب قلبه من الإيمان إلى النّفاق عياذا بالله.

وجب على كلّ واحد منّا في مثل هذا الزّمان أن يتفقّد صلته بالله ويهتمّ بها أكثر من اهتمامه برصيده في الحساب البريدي، وأكثر من اهتمامه برصيد هاتفه وبزيت ووقود سيارته، ويتعلّم ويعلم الأسباب التي تعينه على توثيق صلته بالله وتمتين علاقته بمولاه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!