-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

آسيا جبار.. الشخصية البارزة

الشروق أونلاين
  • 3148
  • 8
آسيا جبار.. الشخصية البارزة

تلقيت بحزن عميق خبر رحيل آسيا جبار واعتبرها امرأة تحمل نبضا أصيلا للقلب والعقل وروائية عالمية رفعت ألوان بلدها عاليا في سماء الأدب. فقدتُ شخصيا صديقة عزيزة؛ أتذكر خاصة في التسعينيات أنني عند كل سفر إلى باريس كنت ألتقي بها في مقهى “فلور”. كانت تحب أن أحدثها عن الجزائر وماضيها المجيد وحاضرها المؤلم… فتنطلق هي في تخيلات بارعة عن مستقبلها المشرق… في نفس الوقت كانت تستشف رأيي حول هذا العنوان أو ذاك في قائمة أعمالها العديدة التي يمكن اختصارها في موضوع البحث عن الهوية عبر سلسلة من لحظات الوعي، إذ ما هو الوجود البشري إن لم يكن في النهاية إلا سلسلة من لحظات الوعي؟

في روايتها الأولى الصادرة عام 1957 تحت عنوان العطش، تمتلئ فتاة جزائرية وعياً بأنوثتها وتعبّر عن هذا العطشبواسطة اللغة التي تعلمتها في المدرسة الاستعمارية فجادت بتعبير بارع. بهذه المناسبة قارنها بعض النقاد آنذاك بالروائية الفرنسية فرانسواز ساغان لكن مسارها الخصب كذّب هذا الحكم المتسرع والهزيل.

في روايتها الثانية بدأ الوعي بالحياة الزوجية والحضور المبكر لحرب التحرير الوطنية عبر مناضليها ومناضلاتها لدفعها إلى الاستمرار في البحث عن هويتها فحولتها من روائية نفسانية إلى روائية مؤرخة تنتقل من سبر الذات إلى عالم التحقيق. هذا ما يفسر تقلص كتاباتها خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كونها بعد اتساع وعيها بجزائريتها غاصت في تاريخ بلدها، لاسيما في مرحلة القرن التاسع عشر لأنها أرادت فهم واقع الجزائر الحديثة العهد بالاستقلال كيف خضعت منذ قرن مضى للاستعمار. اللوحة التاريخية التي تبدأ بعملها الروائيالحب والفنتازياتستمر إلىظل سلطانيوتكتسب من خلالها آسيا جبار وعيا بأمازيغيتها وجزائريتها، لكنها أدركت أن هذه الجزائر التي تحبها وتقلقها، لها روح، فأضافت بذلك إلى وعيها البُعد الإسلامي.

في روايتهابعيداً عن المدينة المنورة، ومن خلال أمثلة استقتها من أخبار القرون الثلاثة الأولى للهجرة (من القرن السابع إلى القرن التاسع الميلادي) أبرزت شخصيات نسائية ذاع أثرها رغم التمييز الذي حاصرها به الفاعلون المعاصرون لها أولاً ثم المؤلفون والرواة فيما بعد. وأظن أن آسيا جبار لم تكن قريبة من المدينة المنورة إلا بعد أن كتبتبعيدا عن المدينة المنورةواعترفت أن هذه الوجوه النسائية حضتها على الاجتهاد.

 وأضيف أن فعل الكتابة لديها هو رغبة في التجذر، لقد أظهرت دور المرأة في بلورة المنجزات الجليلة للرجال: المرأة المحاربة، المرأة الملكة، المرأة الشاعرةوركزت على نساء عظيمات كالسيدة فاطمة والسيدة عائشة، الأولى كرمز للمعارضة والثانية كرمز للنقل. المرأة في غالب الأحيان غائبة في التاريخ الذي يكتبه الرجال.

خلال حديثنا حول روايتهابعيدا عن المدينة المنورةاقترحت عليها فرضية أنه قد يوجد من بين المخطوطات التي ضاعت خلال الاضطرابات الكبرى مثل نهب بغداد أو التي مازالت نائمة بالمكتبات، ديوانٌ يجمع السير الذاتية لنساء شهيرات محرر من طرف امرأة، فنالت هذه الفكرة إعجابها واعتبرتها حافزا للبحث بصورة أعمق.

الوداع آسيا وإلى موعد آخر بفضاءفلورالجنة إن شاء الله.

* وزير سابق للشؤون الخارجية

*ترجمة من اللغة الفرنسية محمد سعيدي

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • مواطن

    إن شهادة وزير التربية الأسبق تتطرق إلى الجانب العاطفي من أعمال الكاتبة الجزائرية ولا تشير إلى فقدان وطننا لمثل هؤلاء المثقفين ذوي المكانة الرفيعة الذين لم يجدوا من يكفلهم أو يفسح لهم مجال مساعدة شعبهم بل دفعوا بهم إلى الغربة والحرمان.ومما زاد في حسرتي الاطلاع في نهاية التقرير على أن البلاغ بعث باللغة الفرنسية من طرف وزير للتعليم وهو ممن كذبوا على أبناءنا بادعائهم نشر لغة أرادوها ضعيفة في مدرسة فقيرة التأطير والإمكانيات في الوقت الذي يفضلون فيه العيش بباريس عاصمة المستعمرين.إنكم كنتم غرباءعنا

  • عبد الرحمن سرحان

    الكاتبة الراحلة آسيا جبار أثرت المكتبة الفرنسية ولم تعبأ بلغتها الأم. نأمل أن يلتفت كتاب يُحسنون الترجمة معنى ومبنى بأمانة لتقرأ الأجيال فكر الجبال.

  • نوار عيسى

    رسالة الى السيدة وزيرة الثقافة المحترمة/
    بعد التحية، يرجى ترجمة كل مؤلفات الكاتبة الراحلة اسيا جبار الى اللغة العربية واخراج كتبها ورواياتها بشكل جمالي محبب حتى يتعرف ابناء وطنها والعالم الاسلامي على هذه الكاتبة التي لم تتنكر لجذورها وبلادها وهي التي عانت ما عانت كثير من الكاتبات والكتاب. اما الذين لا يحلو لهم الا القذف والتشهيرن فما عليهم الا تذكر ما قاله الرسول الاعظم صلوات الله عليه(اذكروا محاسن موتاكم). من يطالع كتب احمد طالب يحس ان اللغة لها دور كبير في تحبيب الثقافات رغم التناقضات الظرفية.

  • نوار عيسى

    صاحب التعليق رقم03/الدكتور رمضان طهراوي/ شكرا على هذه اللباقة وهذا التعليق القيم، هذه شهادة مثقف جزائري عاصر الاستاذة اسيا جبار وكتب عنها وفق ما يمليه الضمير الانساني وارهاصات الانسان الواعي. والمتتبع للنص يلحظ كم للدكتور احمد طالب من بلاغة وبيان- رغم انه صاغ شهادته بالفرنسية- وتمت الترجمة بشكل جمالي واضح المعالم، هذه الشهادة التي قدمها الدكتور طالب ينبغي ان يقراها كل جزائري وعربي ومسلم حتى لا نبقى عرضة للاشاعات المبثوثة ضد ابناء وطننا القوي بابنائه وبماضيهم رغم التشويه والمحاكاة الممارس للاسف.

  • الضيف

    كم أنتم منافقون مزيفون مثرثارون فقط ....حكما أو مديرون أو سياسيون أو أدباء أو دكاترة أو أساتذة ....متقولون ومتشدقون ... أقرألكم كلاما طويلا كرمال الصحارى وأراكم تمجدون وتشكون بالكلام فقط .. أما عند يكون الرجل أو المتوفى أو المتوفاة على قيد الحياة فانتم تدوسونه وترجمونه باطلا كما تفعلون كل يوم مع مهدي هذا الزمان تعسا ثم تعسا

  • Dr. Tahraoui Ramdane

    Great article written by a rare intellectual politician. HE Dr. Al-Ibrahimi shall contribute more intellectual masterpieces like this one, especially that he is a seasoned politician who retired from politics.

  • Belkacem Benzenine

    Enfin un ex ministre algérien qui parle de culture et de littérature, un ministre dont le nom n'est pas lié au scandale; n'écrit pas pour faire chita au système ...
    Mais les gens qui connaissent Dr Teleb Ibrahimi savent son gout pour la littérature. Il fut aussi un bon ministre de la culture, la vraie culture...C'était une belle époque. Reconnaissance à tous les gens qui ont servi la culture algérienne. Assia Djebbar, Dr Taleb et les autres..

  • بدون اسم

    مأساتنا المتجذرة هي دائما الكتابة عن أعلامنا بعد رحيلهم .. ومنهم الكاتبة
    والروائية آسيا جبار !!