-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجامعات الأمريكية: أزمة خانقة!

الجامعات الأمريكية: أزمة خانقة!
ح.م

في مطلع هذا الشهر كتب أنثوني أوغدن Anthony Ogden ودونيس كوبDenise Cope   مقالا مثيرا حول وضع المؤسسات الجامعية بالولايات المتحدة الذي يناهز عددها 4 آلاف مؤسسة. والدكتور أوغدن هو أحد المشرفين على هيئة أمريكية تدعى “صندوق التعليم في الخارج” تُعنى بالطلبة الراغبين في الدراسة خارج الولايات المتحدة. أما دونيس كوب فهي المؤسِّسة لهيئة بالولايات المتحدة مهمّتُها توجيه الطلبة الأمريكيين عندما يقررّون مواصلة دراستهم خارج  بلادهم.

سبب التدهور ليس كورونا!

يقول الكاتبان في مطلع المقال إن الجامعات والمعاهد في الولايات المتحدة كانت قبل ظهور جائحة كورونا على وشك الانهيار إذ واجهت العديد منها تقلُّص عدد الطلبة الملتحقين بها فضلا عن أزمة في الميزانية وركود التمويل العام. وازداد الوضع حدّة منذ ربيع هذه السنة جراء جائحة كورونا، ويتوقّع الكاتبان أن الوضع سيزداد سوءًا بالنسبة للتعليم العالي… وقد يتغيّر مشهده إلى الأبد.

خلال السنوات القليلة الماضية، برز في الولايات المتحدة نقاشٌ بين المشرفين على التعليم بشأن الطبيعة الهشّة للتعليم العالي، فمنهم من طمأن وطالب بالحفاظ على الوضع الراهن، ومنهم من أبدى تخوفا كبيرا داعيًا إلى إعادة التفكير على نطاق واسع في وضع التعليم العالي برمّته. يلاحظ المقال أن التعليم العالي في الولايات المتحدة يمرّ بمرحلة صعبة، وقد تم هذه السنة إغلاقُ عدد من المؤسسات الجامعية. ومما زاد الأمر تعقيدا جائحة كورونا إذ يتوقّع المراقبون أن ما بين 400 و800 مؤسسة في الولايات المتحدة سيتم غلقها أو إدماج بعضها نتيجة الإفلاس الذي يواجهها.

ويشير المقال إلى أن عددا متزايدا من الطلبة الأجانب صارت جامعات الولايات المتحدة لا تجلبهم. ووفقًا لـ”معهد التعليم الدولي” (Institute of International Education)، فقد أخذ عدد هؤلاء الطلبة في انخفاض منذ السنة الجامعية 2015-2016. ومن الأسباب التي أدت إلى هذا التوجّه الخطاب “القومي” الرسمي غير الودود إزاء الأجانب وللتحوّلات التي يعيشها المجتمع الأمريكي. ومن الأسباب أيضا سياسة الهجرة في البلاد والمخاوف المتعلقة بالسلامة والأمن في المدن، وهذا فضلا عن شدّة المنافسة الدولية في استقطاب خيرة الطلبة الأجانب. وقد أدى ذلك إلى التوجّه أكثر نحو بلدان أخرى مثل بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا…

وبالموازاة مع ذلك، يبدي عددٌ متزايد من الطلبة الأمريكيين اهتماما مثيرا للانتباه بموضوع متابعة الدراسة خارج بلادهم. ذلك أنهم، وأولياءهم، يتعرضون لضغوط مختلفة (ارتفاع تكلفة التعليم، والديون المترتبة عنها، ومدة الدراسة المختلفة من بلد إلى آخر للحصول على نفس الشهادة…). ومن جهة أخرى، فإن التعاطي الفوضوي للسلطات مع جائحة كورونا والوعود غير المؤكدة بالعودة إلى التعليم الحضوري أدى بعدد معتبر من الطلبة إلى البحث عن بدائل أخرى للدراسة خارج الحدود.

التوجّه إلى خارج أمريكا

في عام 2013، أجرى معهد التعليم الدولي مسحًا للطلاب الأمريكيين المسجلين في الخارج فأفاد بأن عددهم يفوق 46500 طالب. وحسب إحصائيات نفس المعهد، فقد تابع خلال السنة 2017-2018 حوالي 340 ألف طالب أمريكي جزءا من دراستهم في الخارج. ويلاحظ المعهد زيادات مطّردة في عدد الطلبة الأمريكيين الملتحقين بالخارج، خاصة طلبة الدراسات العليا الذين يرغبون في الحصول على شهادات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. أما إحصائيات منظمة اليونسكو فتشير إلى أن حوالي 86500 طالب أمريكي درسوا في الخارج عام 2017، وهذا العدد زاد بنسبة 15% عما كان عليه الحال قبل 5 سنوات.

وفي عام 2018، كان جلّ الطلبة الأمريكيين بالخارج يدرسون في البلدان الناطقة بالإنكليزية، ثم انتشروا في بلدان أخرى: بريطانيا (16000 طالب)، وكندا (13000)، وفرنسا (6000)، وألمانيا (4000)، والصين (3000)، أستراليا (3000)، ونيوزيلندا (2500)، وإسبانيا (2000)…

يمكن، حسب المقال، تلخيص العوامل التي تشجع الطلبة الأمريكيين على مزاولة دراستهم بالخارج في النقاط التالية :

– القدرة على تحمُّل التكاليف: تكاليف الدراسة في الخارج أقلّ عموما من التكاليف في الولايات المتحدة.

– جودة التعليم العالي خارج الولايات المتحدة: في الماضي، كان الأمريكيون (الطلبة والأولياء وأرباب العمل) يشككون في جودة الشهادات الأجنبية. لكن الأمور تغيرت لاسيّما مع تزايد شعبية تصنيف الجامعات العالمية والمؤشرات الأخرى… حتى تحوّل الشك إلى يقين وإعجاب.

– المدة المطلوبة للحصول على شهادة: هذه المدة أطول لنيْل عديد الشهادات في الولايات المتحدة مقارنة بالخارج. وقِصَرُ المدة يساعد على تحمُّل مجمل تكاليف الدراسة.

– لغة التدريس: تزايد عدد الشهادات التي تُدرَّس باللغة الإنكليزية حول العالم، حتى في البلدان التي ليست فيها اللغة الإنكليزية هي اللغة الأساسية. على سبيل المثال، تقدم ألمانيا الآن أكثر من 1600 برنامج دراسي بالإنكليزية، والوضع مماثلٌ في فرنسا وفي كثير من البلدان الأخرى عندما يتعلق الأمر بالدراسات العليا…

– التوظيف: نظرًا لتزايد الأعمال التجارية والاقتصادية العالمية، فقد ازدادت الطلبات على الموظفين ذوي الخبرة الدولية. والحصول على شهادات أجنبية يدعم هذا الاتجاه. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك العديد من البلدان محفزات عمل جذابة بعد الدراسة تتيح للطلبة الأمريكيين اكتساب خبرة جيّدة قبل العودة إلى بلادهم… إن فضّلوا العودة.

– الصحة والأمن: أكّد تعامل الولايات المتحدة مع جائحة كورونا أمرًا كان موجودًا، وهو أنه يمكن أن يكون العيش خارج أمريكا أكثر أمانًا… بعيدا عن تزايد العمليات الإجرامية، وعدد الوفيات بالأسلحة النارية. كما أن الأنظمة الصحية في بعض بلدان العالم أفضل تعاملا من الناحية الإنسانية مما هو الحال في الولايات المتحدة. يقول الكاتبان إن المقولة التالية يرددها الآن الكثير من الأمريكيين: “أريد أن أرسل ابني إلى بلد يتم التعامل فيه مع جائحة كورونا بشكل أفضل”.

– العنصرية: أدّت الحركة المتنامية ضد التجاوزات العرقية في الولايات المتحدة إلى ترسيخ فكرة عدم وجود مساواة بين السكان، ولاسيما لدى الطلبة السود. ولذا ينجذب هؤلاء أكثر فأكثر نحو الدراسة بالخارج في بيئة يرونها أكثر ترحابًا بهم.

ومع ذلك، نقول إن التعليم العالي في الولايات المتحدة ما يزال يعتبر في قمة مجده حسب عديد المؤشرات، منها التصنيفات العالمية الدورية للجامعات، وأسماء الحاصلين على الجوائز العلمية، وعدد الابتكارات والاكتشافات التي تُنجز في المؤسسات الجامعية الأمريكية. غير أن هذا يدلّ على وجود نخبة قويّة في هذا البلد ولا علاقة له بالمشاكل التي أثارها المقال، والتي ستظهر تداعياتها بشكل أوضح في القادم من السنين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • okba

    الهروب الي الامام كان من الاجدر ان تهتم بالجامعه الجزائريه المريضه اما امريكا فهي كبيره لان امريكا بلد العلم والجامعه هناك هي البحث العلمي وهي من تحرك عجله الاقتصاد والتكنولوجيه بحيث ميزانيه البحث العلمي هي اكبر ميزانيه في بلد يسير بالعلم لا خوف عليه اما البلد الدي يسير بالفوضي والهمجيه ف...

  • hadou

    من باب الغيرة الوطنية،أراد أستاذ جزائري في جامعة أمريكية،توجيه الطلبة الأمريكيين الذين يريدون مزاولة دراستهم بالخارج أن يتوجهوا إلى الجزائر متحججا بأن لهم باع طويل في القرصنة،فالبحر المتوسط يشهد على ذلك ولم تكن تنجو من القرصنة زوارق البنوك المحملّة بالأموال وكذلك السلع المتنقلة عبر المتوسط، وكانت الجزائر السبب في تطور شركات التأمين الأوروبية.وكذلك في العصر الحديث كل مقرصني الطائرات يطلبون التوجه إلى الجزائر للمفاوضة و ضمان الإفلات من العقاب.و مؤخرا مقرصنوا المقالات و الأطروحات الجامعية يفلتون دوما من العقاب بل يتلقون الترقيات في المناصب الجامعية.فتوجهوا إلى الجزائر لتكونوا دكاترة (very fast)

  • كن يقظا

    حائحةكروناكانت بردا وسلاما على المتمدرسين في الجزائر الكل نجح فياليتها تدوم

  • قناص بلا رصاص

    يا حسرتاه على بلادي و جامعاتنا.
    شكرا أستاذنا العزيز على المعلومات القيمة.

  • جبران حيران

    و لماذا لا يقدمون طلبات الدراسة للجامعات الجزائرية، فالجزائر أحسنت التصرف تجاه جائحة كورونا، و لها جامعات بميزانيات ضخمة و قد يعودوا إلى بلدانهم بمستوى علمي من الطراز الوضيع ، و يتعلمون أسرار نسخ المقالات و الأطروحات أو شرائها مع ضمان الإفلات من العقاب، و الدراسة بالمجان و كذلك الأكل و المبيت و النقل و أخيرا الترفيه و التنفيس في الحراك كل ثلاثاء.عاشت الجامعات الجزائرية، كانوا يقولون لنا "أنتم الأفضل في إفريقيا و لم نصدق و اليوم تقول لنا يا أستاذ جامعاتنا البائسة أفضل من الجامعات الأمريكية" ..ربحت!