-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الفالنتين”.. وهم الحبّ.. ومآسي المسلمين

سلطان بركاني
  • 3678
  • 0
“الفالنتين”.. وهم الحبّ.. ومآسي المسلمين

على خطى نظرائهم في الغرب، يستعدّ بعض شباب المسلمين هذه الأيام، للاحتفال بما يسمّى “عيد الحبّ” أو “الفالنتين” الموافق لـ14 فيفري من كلّ عام، يحذوهم في ذلك الاهتمام الذي تحظى به هذه الذّكرى لدى بعض وسائل الإعلام، وعلى صفحات التّواصل الاجتماعيّ، وبين بعض التجّار وأصحاب المحلاّت المتخصّصة في بيع الورود والهدايا، ممّن يرون في هذه المناسبة فرصة لرواج تجارتهم، وتحقيق أرباح معتبرة يجنونها من جيوب شباب، يعيش كثير منهم واقعا آخر غير الواقع الذي يعيشه المسلمون وتعيشه أمّة الإسلام، هو -مع كلّ أسف- واقع تصنعه العواطف والكلمات والصّداقات، التي تنتهي في أكثر الأحيان بحياء يذبح وأستار تهتك وأعراض تدنّس.

إنّها فاجعة من أعظم الفواجع التي بلي بها شباب المسلمين في هذا الزّمان؛ ففي الوقت الذي تصرخ فيه الأمّهات المكلومات في فلسطين وسوريا والعراق وبورما والصّومال: هل من مغيث؟ هل من نصير؟ تفجع الأمّة بشباب يحتفلون بعيد نصرانيّ يسمّى في الأصل “عيد القديس فالنتين”، ويرتضون لأنفسهم أن يكونوا أسرى “وهم الحبّ” الذي تحوّل إلى مخدّر من أشدّ أنواع المخدّرات فتكا، أَسقط كثيرا من شبابنا من العلياء إلى الغبراء، وجعلهم يستمرئون حياة الرقّة والتدلّل، والتغنّج والتذلّل؛ يتمايلون في مشيتهم ويرقّقون كلماتهم، ولا يتورّع الواحد منهم عن تمطيط شفتيه وتحريك عينينه وحاجبيه إذا تكلّم.. ضحّوا برجولتهم عن طريق هذا “الحبّ الموهوم”، بل وضحّى كثير منهم بدينهم ومروءتهم ودنياهم لأجل هذا المخدّر القاتل .

قنوات وأغانٍ ومسلسلات، ومواقع ومنتديات، وجرائد ومجلات، تعزف على وتر هذه المحنة التي يعيشها شباب هذه الملّة، تتظاهر بوصف الدّواء، لكنّها تداوي المحنة بأسباب العلّة، وتصرّ على زيادة الطّين بلّة، وزيادة شبابنا تيها وغفلة، وتتعمّد إطالة عمر المحنة لترفع رصيدها من الغلّة.

لقد أصبحت كثير من فتياتنا وأصبح كثير من شبابنا يتهافتون على مسلسلاتِ وأغاني الحبّ الموهوم تهافت الذّباب على الأذى، لا همّ لأحدهم إلا ترصّد ما يسمّى “المسلسلات الاجتماعيّة”، والبحث عن جديد مطربي ما يسمّى “الأغاني العاطفيّة”، مسلسلات وأغانٍ تثير العواطف وتدعو إلى إتيان السّفاسف والرّكون إلى أخزى المواقف. مسلسلات تروّج للصّداقات بين الشّباب والفتيات، وأغانٍ تصل كلمات بعضها إلى حدّ جعل المحبوب في مقام الإله المعبود، وتنحدر كلمات بعضها الآخر إلى درك تمجيد العلاقات المحرّمة وتبريرها!

لقد نسي بعض شبابنا دينهم وأمّتهم، وتركوا الصّلاة وهجروا المساجد والقرآن بسبب وهم الحبّ، بل وأضاع بعضهم دنياهم أيضا؛ تجد الشابّ مثابرا في دراسته مجدا مجتهدا، لا همّ له إلا أن يدخل السّرور على قلبي والديه بنتائجه الممتازة، لكنّه فجأة يتحوّل إلى شاب كسول خامل لا تطاوعه نفسه على فتح كرّاس أو كتاب، بل يختلق الأسباب والمعاذير ليغيب عن دراسته، والسّبب في كلّ هذا أنّ شياطين الإنس والجنّ قد أوقعوه في مصيدة الحبّ الزّائف، ربّما كانت البداية من نظرة فتاة لعوب مستهترة، وربّما كانت من صديق أغراه بدخول هذا العالم المجهول، وأعطاه رقم هاتف غافلة من الغافلات ولاهية من اللاهيات.

لقد سمعنا عن شباب هجر الواحد منهم والديه وعاداهما، وربّما وصل الأمر إلى ما هو أكبر من هذا وذاك، لأنّه رأى أنّهما كانا السّبب في عدم ظفره بمحبوبه، وسمعنا عن شباب يبخل الواحد منهم على والديه بمئة دينار، لكنّه ينفق على خليلته الأموال الطّائلة، ويبخل على والديه بابتسامة حانية أو اتّصال هاتفيّ يدخل السّرور على قلبيهما، بينما يجلس السّاعات كلّ يوم يحدّث ويضاحك خليلته.. بل قد سمعنا وقرأنا عن فتيات تسرق الواحدة منهنّ مال أبيها وتسرق حليّ أمّها لتنفق على خليلها، هذا ناهيك عن فواتير اتّصالات الهاتف التي لا تنقطع بالنّهار ولا باللّيل، وعن السّهرات التي تمتدّ أحيانا إلى ما بعد منتصف اللّيل أمام مواقع التّواصل الاجتماعيّ.. تنفق الفتاة مالها ووقتها على شابّ بطّال لا هو في شغل دينه ولا في شغل دنياه، يأخذ مالها باسم الحبّ، بل ربّما يهدر عفّتها أيضا باسمه، ثمّ يرميها كما يرمي السيجارة على قارعة الطّريق.

إنّه حصاد اتّباع خطوات الشّيطان، وحصاد التّساهل في دخول عالم الحبّ الموهوم الذي يزيّنه شياطين الإنسان والجنّ بعبارات كاذبة ومصطلحات خادعة، كقولهم إنّ الزّواج ينبغي أن يبنى على قصّة حبّ، وهذا من تزيين الشّيطان والذي يكذّبه الواقع.. في بلاد الغرب أجريت دراسة علمية في الولايات المتحدة الأمريكية عن صحّة أمثال هذه المقولات، خلصت إلى أنّ معظم الذين تزوّجوا بعد قصة حبّ، لم ينجح زواجهم، وفي البلاد العربيّة أجريت دراسات أخرى حول أسباب الطلاق، خلصت إلى أنّ أكثر حالاته إنما تقع في الزيجات التي تتمّ بعد علاقة حبّ زائف.

فعلى كلّ مؤمنة تريد سعادة الدّنيا والآخرة، أن تكِل أمرها إلى الله، وتدّخر مشاعرها لزوج المستقبل الذي تحرص على أن يكون صاحب خلق ودين، ولْتعلم أنّ الذي يريد الحلال يأتي من الباب ولا يأتي من النّافذة، وأنّ ما يُعرض في المسلسلات لا يعدو أن يكون عالما مثاليا لا يتجاوز الشّاشات، وأنّ الواقع أمر آخر لابدّ له من عزم وحزم وحذر.

وعلى الشابّ المؤمن الذي يريد سعادة الدّنيا والآخرة، أن يتقي الله في قلبه، وألا يعمره بحبّ المخلوق، ويخرج منه حبّ الخالق جلّ في علاه، وأن يحذر كلّ الحذر خطوات شياطين الإنس والجنّ، الذين يريدون إيقاعه في سراب الحبّ الموهوم، فالبداية كثيرا ما تكون نظرة يتهاون فيها الشابّ ويتبعها نظرة أخرى، ويلقي الشّيطان في قلبه التّفكير في الطّرف الآخر والتعلّق به، وربّما تكون البداية من معاملة في المدرسة أو في مكان العمل أو تواصل عبر الأنترنت، يتساهل الشابّ بأمره، ويتذلّل في كلامه، حتى يفعل الشّيطان فعلته في القلب.

ميل الرّجل نحو المرأة وميل المرأة نحو الرّجل أمر فطريّ، لا ينكره أحد، لكنّ هذا الميل ينبغي أن يُضبط بالشّرع والعقل، حتى يسير في الطّريق الصّحيح ولا يتعدّى الحدّ المقبول؛ فمن ابتلي من شبابنا بشيء من هذا فليقصد الحلال إن استطاع، وإلا فالواجب عليه أن يتقي الله في بنات المسلمين، ويتقي الله في نفسه قبل ذلك، ويتذكّر أنّه رجل لا يليق أن تحطّمه كلمات أو نظرات، وفوق ذلك فهو مسلم له رسالة في هذه الحياة، ولا يصحّ أن يضيّع دينه ودنياه لأجل امرأة.. العالم من حولنا يعيش فتنا تزداد حدّتها عاما بعد عام، ولا مكان فيه لرجال يعيشون حياة القطط والدّجاج والخراف والنّعاج.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!