-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

درس المدارس القرآنية

عمار يزلي
  • 1921
  • 5
درس المدارس القرآنية

المدرسة الجزائرية، التي لا تزال تبحث عن هويتها منذ فجر الاستقلال وتتقلب بها المواجع بعد كل مرة تتغير فيها المراجع من وزارات وحكومات وتوجُّهٍ عامٍّ للسلطات السياسية في علاقتها مع فرنسا، هي اليوم في مفترق طرق، كما كانت بالأمس، إن لم نتمكن في وضعها على أساس وقواعد قوية، أصيلة وعصرية، من اليوم وبشكل نهائي..

مشروع التعليم في الجزائر، شُرع في تحريك دواليبه منذ 1850 بعد تأسيس المدارس الثلاث بغية إنتاج قضاة ورجال دين معيَّنين إداريا. هذه المدارس سوف يتم إعادة هيكلتها ثانية ابتداء من 1895، إذ سجلت لنا الإحصائياتُ الأرقامَ التالية لأعداد الطلبة الملتحقين بهذه المدارس الثلاث، إذ لم يبلغ من 1895 إلى غاية 1907 أكثر من 354 تلميذا، وهذا بسبب تحفُّظ العائلات الجزائرية على دخول أبنائها إليها، في حين كان يبلغ عددُ الكتاتيب القرآنية سنة 1861 نحو 2140 مدرسة قرآنية، يدرس بها نحو 27 ألف تلميذ على يد نحو2313 معلّم قرآن. غير أن هذا العدد سيشرع في التناقص، إذ يصبح عدد تلامذة المدارس القرآنية سنة 1879 لا يتجاوز 6500 تلميذ (مثقفون ومناضلون: عمر كارليي، فاني كولونا، عبد القادر جغلول، محمد القورصو.1975. ص:7).

مقابل هذا العدد الكبير بقيت المدارسُ الفرنسية خلال هذه الفترة لا تستوعب إلا عددا قليلا جدا من “أبناء الأهالي”، معظمهم أبناء الأرستقراطية الفلاحية والدينية، التي قبلت العمل مع الإدارة الفرنسية.

يكون عدد المدارس الفرنسية قد بلغ سنة 1862 نحو 12 مدرسة، يتمدرس بها 297 تلميذ جزائري ويؤطرهم 26 معلمًا. فيما بلغ عدد الطلبة في المدارس العربية – الفرنسية الثلاث خلال الفترة نفسها 140 طالبًا، تُعِدُّهم الإدارة الفرنسية تحت رعاية “المكاتب العربية” لتؤطر بهم “القضاء الإسلامي والتعليم العربي بالمدارس الفرنسية”. هذا الأخير الذي سيكون من الآن تحت وصايتها المباشِرة.

أما “الكوليج الامبراطوري الفرنسي”، فلم “يتسع” لأكثر من 82 تلميذا داخليا لأبناء “رؤساء الأهالي”: مدرسة تلقِّن مفاهيم أكثر تطوُّرا في الفرنسية والعربية والرياضيات والعلوم. ومع ذلك، فإن أولياء هؤلاء التلاميذ “المحظوظين”، يشعرون بامتعاض من نوع خصوصي. فهذا “القايد بلحضري”، يشرح دواعي تحفظه إزاء هذا النوع من التعليم: “.. كيف يمكننا نحن سكان وهران أن نرسل أبناءنا إلى الجزائر (العاصمة)؟.. المسافة بعيدة، ولا يمكننا رؤيتُهم بشكل دائم. كما لا يمكننا مراقبة تربيتهم وربطهم بالمبادئ الصحيحة (يقصد المبادئ الإسلامية)، إذ أن المتخرج منها لم يعُد إبنا لنا. يتحول إلى معاقرة الخمر ومعاشرة النساء، وعندما يعود إلى البيت، عوض أن يشرِّفنا، “يبهدلنا”.. نحن نرغب في أن يكون برنامج التعليم قصيرا، فلسنا بحاجة إلى إن نتعلم قدر ما تتعلمونه أنتم..” (أ. ر. غولزيهر: المملكة العربية. ص:174).

هذه الشهادة لأحد الأعيان، كشفت مدى صلابة وقوّة “الرفض الباطني”، لسياسة الاغتصاب الفكري والثقافي، وهي لا تشكّل “الرفض – المقاطعة”، التي اعتمدتها الزوايا في بداية الأمر، ولكنها تشكل الرفض – الحوار – الفلسفة التي ستُتخذ سلاحا ابتداءً من هذا التاريخ، تاريخ الاستحواذ والضم الشمولي لوسائل إنتاج وإعادة إنتاج المقوِّمات الشخصية الوطنية والقومية الجزائرية.

هذا الأسلوب في تقويض التعليم القرآني واللغة العربية، وتقسيم المجتمع الجزائري إلى نُخب متعاونة، منفتحة على الغرب اللائكي، كان الغرض منه هو تفتيت المجتمع قصد احتوائه لغويا ودينيا للإجهاز عليه تربويا وتعليميا عبر الجهاز المدرسي، الذي يمثل لنا اليوم التحدي الأكبر، كونه فعلا في مفترق الطرق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • مواطن جزائري

    بعد الشكر الجزيل للأستاذ القدير عمار يزلي أرى أنه وكحوصلة لما جاء في مقاله،أرى انه يمكن إستخراج شيئ مهم جيدا من ذلك وهو القيم الجزائرية والتي أقترح لتحويلها لمادة تدرس لتلاميذنا إبتداء من السنة الرابعة إبتدائي ولغاية أخر سنة جامعية ويكون ذلك بصفة إجبارية والقيم الجزائرية هي الضامن المستقبلي للهوية الجزائرية بكل أبعادها الإنسانية وخاصة ذات الصبغة المحلية.

  • محمد

    (تابع) الموضوعية المطلوبة اليوم لصالح مجتمعنا هي البحث عن مصلحة شعبنا عامة وقبول الحلول الضامنة لنجاح استرداد وحدتنا بالرجوع إلى الطرق العلمية لاختيار أفضل الأساليب للخروج من التخلف المسيطر على عقولنا.لنا رجال أكفاء برهنوا على قدراتهم الفكرية والنضالية للفوز بما نود الوصول إليه لو أدرجناهم في وسط يمنح الفرصة للقادرين على إنقاذ البلد ومجتمعه من التخلف والتزمت.

  • محمد

    من المفيد أن نتطرق إلى موضوع التعليم ماضيا ومستقبلا بصورة نقدية موضوعية عوض رمي مشاكلنا على كاهل غيرنا وبالتالي تجريم من لا يوافقوننا الرأي.أثناء العهد الاستعماري كانت مقاومة الأهالي للإقبال على التعليم الفرنسي نوعا من رفض تواجد المستعمرين وهيمنتهم على وطننا وحماية مقدساتنا الأساسية الواقية من الاندماج في حضارة هدفها استعباد الأهالي وتسخيرهم لخدمة مصالحها.الرفض القاطع لكل العمليات الاستعمارية كان مبررا من طرف شعب غير متماسك حتى في الدفاع عن أرضه نظرا لابتعاده عن مسايرة العالم الغربي فكريا واقتصاديا إذ لم نشهد عمليات تنظيمية قصد مجابهة الاستعمار باكتساب وسائل وعناصر تفوقه عوض الانعزال عن الركب الحضاري الحديث.وكان هذا يفرض على النبهاء منه تسطير خطة عقلانية تستحوذ على قدرات المستعمر بذكاء وعزيمة دون التخلي عن مبادئ الشعب الجزائري.لكن الأعيان في مجملهم فضلوا حماية مصالحهم الخاصة إلى حين تبين لهم أن العدو لم يفرق بين الخدم الخاضعين له والرافضين لوجوده على أرضهم.يتبع

  • جزايري حر

    بارك الله فيك أستاذ عمار تاريخ الجزائر القريب (الحديث) غير معروف لدى النخب ، فكيف الحال عند عموم الشعب؟؟؟

  • Karim

    كل سياسة لا تأخد بعين الاعتبار مكونات الشعب الفشل.