-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تضخيم النقاط لإرضاء الجميع على حساب الفائدة العلمية

سرقات علمية واحتفالات كرنفالية لتمييع مذكرات الماستر

صالح سعودي
  • 3539
  • 5
سرقات علمية واحتفالات كرنفالية لتمييع مذكرات الماستر
أرشيف

أسدل الستار مؤخرا، على السنة الجامعية التي انتهت على وقع توزيع النقاط ومناقشة مذكرات التخرج الخاصة بشهادة الماستر على الخصوص، وسط إجماع بين بحوث تميل إلى الجدة والجودة، وأعمال أخرى تصنف في خانة النسيان، في ظل طغيان السرقات العلمية وفق منطق النسخ واللصق (كوبي كولي)، وهو الأمر الذي أفقد الكثير من المناقشات قيمتها العلمية، خاصة في سياسة الصمت المطبقة التي تعكسها ظاهرة تضخيم النقاط لضمان الاحتفالات الكرنفالية على حساب القيمة العلمية.
أجمع الكثير من الطلبة والباحثين والعارفين بالشأن الجامعي على تردي مستوى البحوث المقدمة في إطار مذكرات التخرج الخاصة بشهادة الماستر، بسبب انتشار السرقات العلمية، من خلال سلخ بحوث ومذكرات من جامعات أخرى وتبنيها بلحمها وشحمها، ثم تقديمها للمناقشة وسط تزكية الأساتذة والإدارة، وهو الأمر الذي جعل الكثير يتساءل عن مستقبل المنظومة الجامعية في ظل تواصل الأمور على هذه الحال، ومن الجوانب التي خلفت الكثير من الاستياء هو طغيان منطق الكم وسط الطلبة وحتى البحوث المقدمة للتخرج.

خمسة أساتذة لمناقشة 100 مذكرة في الأسبوع؟!

يتم عادة مناقشة أكثر من 100 مذكرة في أقل من أسبوع من طرف أساتذة يعدون على أصابع اليد الواحدة، فالعدد قد يكون 4 أو 5 أساتذة، وفي النهاية يكون التقييم متقاربا بين البحوث الجيدة والرديئة، أو يتم اختيار نقطة ثابتة من باب إرضاء الجميع طلبة وأساتذة (مثلا النقطة 16)، وفي هذا الجانب أكد لنا الأستاذ سامي مباركي من قسم الاقتصاد لجامعة باتنة 1، أنه صادف مثل هذه الحالات التي وصفها بالمؤسفة، حيث تم منح علامة 17 من 20 لأحد الطلبة، وهذا بعد جدل كبير مع أستاذه المشرف بسبب عدم الاقتناع بعمل الطالب، فلا الأفكار حسبه متناسقة ولا العناوين متسلسلة، وهذا دون الحديث عن الأخطاء الإملائية، وحين خروجه من هذه المناقشة سأل زملاءه الأساتذة عن العلامات الممنوحة في الكلية فكانت الصدمة، حيث منحت حسب قوله علامات تتراوح بين 19 و19,5، حينها قلت: “الله يرحم أيام الكلاسيك”، حيث كانت تقام الأعراس وتقدم “الشخاشخ” وتذبح الكباش لما يتحصل الطالب على علامة 15 في الماجستير أو الدكتوراه.
ويتساءل الكثير عن جدوى القيمة العلمية، خاصة في ظل غياب آليات الرقابة للتقليل من ظاهرة السلخ والسرقات العلمية التي ساهمت في تمييع مرحلة الماستر، ما جعل أغلب المذكرات تصنف في خانة تسوية الوضعية، ليكون مصيرها التخزين أو الرمي في المزابل.

تمييع الماستر بسبب طغيان الكم على الكيف

ولم يتوان عديد الأساتذة في التحذير من انعكاسات السياسة الممارسة على مستوى الجامعة، في ظل السعي إلى إرضاء الجميع، والتركيز على الكم على حساب الكيف، ناهيك عن الغش ونوعية التأطير ومستوى التحصيل. وفي هذا الجانب يؤكد الدكتور يوسف بن يزة من قسم العلوم السياسية بجامعة باتنة 1، بأن الخلل يكمن في فتح الماستر للجميع، حيث يتم المرور إلى هذه المرحلة من التكوين العالي دون مسابقة ودون فرز جاد لملفات المترشحين، مضيفا بأنه في السنوات الأخيرة أصبح الطلبة يعتقدون أن شهادة الماستر ما هي إلا امتداد لشهادة الليسانس رغم كونهما مرحلتين تعليميتين منفصلتين، لذلك حسب محدثنا فتحت المعابر على مصراعيها، ما أدى إلى تدفق أعداد هائلة من الطلبة متواضعي المستوى على هذا الطور، فضلا عن عودة جحافل من حاملي شهادة الليسانس الكلاسيكية للدراسة بطرق مختلفة، ما ينعكس حسب الدكتور بن يزة على نوعية التكوين.
وقال محدثنا في هذا الجانب: “الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فنحن الأساتذة نتحمل المسؤولية أيضا بسبب غياب الضمير المهني عند البعض، والإدارة أيضا تتحمل جزءا كبيرا منها، فالأستاذ الذي تسند إليه عشر مذكرات للإشراف لا يمكنه أن يتابع ما ينجز ويتحقق من أصالة المذكرات في غياب الأدوات العلمية المؤهلة لكشف السرقات العلمية”. ووصل الدكتور يوسف بن يزة إلى قناعة بأن مرحلة الماستر تم تمييعها بسبب سياسة الكم على حساب النوع، ولا يمكنها حسب قوله بأي حال أن تكون مثل مرحلة الماجستير في النظام السابق إلا إذا أعيد الاعتبار لمعايير المرور إليها، ولم لا تنظيم مسابقة على أسس علمية وليس مجرد دراسة الملفات.
وفي ذات السياق، وصفت الدكتورة لويزة بن بوزة نظام “الألامدي” بالكارثي من حيث التطبيق في الجامعة الجزائرية، وترى أنه من المفروض أن يتشكل فوج التخصص من 20 طالبا على أقصى تقدير، فيما وصل حسب محدثتنا 60 طالبا في بعض الأحيان، متسائلة كيف يمكن مناقشة كل الرسائل بما في ذلك المنجزة فرديا، مؤكدة عدم جدوى مناقشة رسائل أساسها غير علمي، في ظل الاعتماد على الكم على حساب الكيف، ما يحول دون تقييمها بشكل دقيق، فضلا عن لجوء البعض للسرقة من رسائل ماجستير ودكتوراه، وقلما يتم اكتشافهم نظرا للعدد الكبير لرسائل ومذكرات التخرج.

الكرنفاليات تطغى على أجواء المناقشات

أجمع العارفون بالشأن الجامعي على طغيان الاحتفالات الكرنفالية خلال مناقشة الرسالة الجامعية الخاصة بنهاية المسيرة الدراسية، وهو الأمر الذي وقف عليه الكثير خلال الشهر الأخير من الموسم الجامعي، حيث إن غاية أغلب الطلبة هو القيام باحتفالات بعد الانتهاء من مناقشة مذكرة التخرج، سواء في بعض الحجرات التي يتم حجزها في الكلية أو في الإقامات الجامعية، ما يجعل هذه الحفلات والاحتفالات لا تقل شأنا عن الأعراس في الصخب والأجواء السائدة على وقع الأكلات والحلويات والمشروبات الغازية، لكن النقطة السلبية التي وقف عليها الكثير هو ترك الأوساخ بعد الانتهاء من حفلات التخرج، بشكل يسيء إلى الطالب الجامعي الذي كان من المفترض حسب البعض أن يكون قدوة في النظافة وحسن السلوك قبل أن يكون حائزا شهادة علمية جامعية، وهذا دون الحديث عن المآخذ الكثيرة التي تميز مسار شريحة هامة من الطلبة الذين يحرصون على النجاح بآليات الغش، وصولا إلى إنجاز مذكرات التخرج بسلاح السلخ والنسخ، بشكل يطرح الكثير من التساؤلات حول المغزى من إنجاز بحوث نهاية الدراسة الجامعية مادام أن الغش حاضر على المكشوف والناس تشوف، وهذا دون التقليل طبعا من جهود الطلبة الجادين الذين يعدون في نظر الأساتذة بمثابة مستقبل الجامعة الجزائرية.

دعوات إلى إنقاذ القيم العلمية ـ الأخلاقية

بعيدا عن مظاهر السرقات العلمية التي تحولت إلى ظاهرة عامة على وقع السلخ والنسخ، يسجل الدكتور نور الصباح عكنوش من عديد الملاحظات والنقاط التي وقف عليها خلال فترة شهر من مناقشة مذكرات الماستر بقسم العلوم السياسية لجامعة بسكرة، حيث قال في هذا الجانب: “يجب التأكيد على صفة التقرير في نهاية الدراسة أكثر من صفة مذكرة تخرج، حتى لا يطغى الكم على الكيف في المعروض من الأعمال التي تتجاوز 100 صفحة، كما يجب التركيز على الجانب الميداني أكثر من الجانب النظري الذي يحتل 70 بالمائة من العمل المقدم”.
وفي السياق ذاته، دعا الدكتور نور الصباح عكنوش إلى عدم التركيز على المواقع الإلكترونية في مواضيع تتوفر فيها المراجع الورقية الهامة، مع تجنب التسرع في إكمال المذكرة، ما يؤدي حسب قوله لحشوها بالأخطاء اللغوية والمطبعية، كما وقف الدكتور نور الصباح عكنوش على قلة المراجع باللغات الأجنبية وطغيان التحليل الكلي في إطار العناوين الكبرى والطويلة والعامة على حساب التحليل الجزئي المضبوط في المكان والزمان. ودعا في الوقت نفسه إلى توجيه الطلبة نحو الدراسات الكمية بشكل موضوعي ينفع التخصص في المستقبل، والتقليل من كثرة الأحكام القيمية على حساب الأحكام الواقعية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • البشير

    يقول مثل شعبي "كسيدي كي جوادو " في كثير من الاحيان الطلبة يسلكون مسلك اساتذتهم، كم من استاذ نهب اعمال غيره واصبح دكتورا , وكم من دكتور سطا على الانتاج العلمي لغيره ونسبها اليه ونال بها مرتبة "بروفيسور" الجامعة في الجزائر مسخرة ومهزلة وليس هناك مثيلا لها عبر العالم

  • ali

    هي مجرد حرب خفية بين كلاسيك و لمدى جديد. ضباطها الكلاسكيون وجنودها اللمديون. المجستار الذي ينظر إليه كقيمة هو مجرد الماستطر الحالي. يجب إضافة ماستر بحتي وماستر درسي.

  • سمير

    التزوير، الرشوة و السرقة بكل أنواعها سلوكيات أضحت تنخر المجتمع الجزائري للأسف....

  • أستاذ

    نحن اساتذة الجامعة في الندوة الوطنية لنظام LMD التي أقيمت السنة الماضية خرجنا بتوصيات عديدة أهمها إضافة سداسي أو سداسيين على مدة المذكرة الحالي والذي هو جد قصير (4أشهر) مما يمكن طالب الماستر من عمل بحثه في وقت متسع يمكنه من التمحص والتوثيق والتأكد و الإنهاء و إجراء التجارب في ظروف أنسب
    لكن الوزارة لم تطبق توصيات الندوة مما ترتب عنه هذه المشاكل : مذكرات كوبي/كولي لا قيمة لها لأنها انجزت في ظرف 4 أشهر ! في حين كانت مدة إنجاز الماجستير سابقا تفوق 4 سنوات !
    إذن رجاءا بركات من سياسة الكم والعدد على حساب النوعية التي ترتقي بجامعاتنا أعلى المراتب إقليميا على الأقل

  • علي أكرم

    طلبة ل م د أبناء نظام الفساد المدللين الغرض الأصلي من هذا تكثير المعروض من الدكاترة حتى يبوروا فلا يطالبوا بحقوقهم دكاترة في ل م د تخصص لغة لا يحسنون كتابة جملة من مبتدإ وخبر خالية من اللحن إنه الحلقة الثانية لفساد UFC