-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يسألونك عن الحصانة البرلمانية في الجزائر 4/4

موسى بودهان
  • 1897
  • 0
يسألونك عن الحصانة البرلمانية في الجزائر 4/4

أنواع الحصانات:

تنقسم الحصانات إلى عدة أصناف منها: الحصانة الدستورية والسياسية، الرئاسية والحكومية، الدبلوماسية والقنصلية، القضائية والإدارية، بالإضافة لبعض الحصانات “الامتيازات” التي تكفلها القوانين والنظم الداخلية لبعض لرجال الدولة والإطارات والموظفين السامين كحصانة الدفاع مثلا. وكل ذلك إلى جانب الحصانة البرلمانية “الدائمة أو النهائية، الجزئية أو المؤقتة” إلى غيره مما سنسرده في ما يلي:

أ- الحصانة الدستورية (تخص أعضاء المحكمة الدستورية) وهي التي نص عليها الدستور الحالي في مادته 189 المقابلة للمادة 185 من دستور 2016 بقولها: “يتمتع أعضاء اﻟﻤحكمة الدستورية بالحصانة عن الأعمال المرتبطة بممارسة مهامهم. لا يمكن أن يكون عضو اﻟﻤحكمة الدستورية محل متابعة قضائية بسبب الأعمال غير المرتبطة بممارسة مهامه إلا بتنازل صريح منه عن الحصانة أو بإذن من اﻟﻤحكمة الدستورية”. وقد يُطرح هنا سؤالٌ بشأن الأعمال المرتبطة وغير المرتبطة بممارسة المهام البرلمانية.

ب- الحصانة القانونية (تخصّ القُضاة عموما وقضاة الحكم خصوصا كما تخص أيضا المحامين) وهي التي نص عليها الدستور الحالي “دستور 2020” في مواده 163، 172، 178، 180 وغيرها. كما نصّ عليها دستور 2016 في مواده 147، 148، 149 وغيرها، بالنسبة للقضاة. وفي مادته 176 وغيرها بالنسبة للمحامين، إذ تقضي هذه الأخيرة بأن “يستفيد المحامي من الضمانات القانونية التي تكفل له الحماية من كل أشكال الضغوط، وتمكِّنه من ممارسة مهنته بكل حرية في إطار القانون”.

ج- الحصانات الرئاسية والحكومية (تخص رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أو الوزير الأول، حسب الحالة)، إذ نجد أن رئيس الجمهورية لا يُسأل عن النشاطات أو الأعمال التي يقوم بها أثناء ممارسة عهدته إلا إذا وُصفت بأفعال الخيانة العظمى، ونجد كذلك رئيس الحكومة أو الوزير الأول، حسب الحالة، لا يُسأل أيضا إلا عن الجنايات والجنح التي يرتكبها بمناسبة تأدية مهامه. وتكون المحكمة العليا للدولة هي المختصة بالنظر في هذه المسألة “محاكمة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أو الوزير الأول، حسب الحالة”. وهذه الحصانة نص عليها الدستور الحالي في مادته 183 (54). علما بأن هذه المحكمة بقيت، منذ سنة 1996 تاريخ التنصيص عليها في دستور تلك السنة إلى حد الآن، مجرد حبر على ورق والسبب المباشر في ذلك هو عدم صدور القانون العضوي الخاص بتحديد تشكيلتها وتنظيمها وسيرها وكذلك الإجراءات المطبَّقة أمامها. ومن رأينا إما أن نسنّ هذا القانون المتعلق بها ونجعلها ميدانية “عملية” أو نلغيها تماما من الدستور في أول تعديل قد يطرأ عليه.

د- الحصانات الدبلوماسية والقنصلية (تخص أعضاء المنظمات الدولية وممثلو الدول الأجنبية حتى يتمكنوا من تأدية مهامهم بكل أمن واطمئنان ومن غير أي ضغوط أو عوائق تذكر). وهذه الحصانة تناولتها اتفاقية “فيينا” للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية المنعقدة في 18 أفريل 1961 والتي قضت بأن تُحظر أي متابعة قضائية ضد أي دبلوماسي أو ضد فرد من أفراد عائلته، أو ضد جزء من مستخدميه بالنسبة للمخالفات التي يرتكبونها في البلد الذي يمارسون فيه وظيفتهم الدبلوماسية والجزاء الوحيد الذي يمكن أن يُتَّخذ ضدهم في حالة ارتكابهم جرائم خطيرة هو استدعاؤهم وطردهم من البلد. وقد يُطرح هنا سؤال بشأن طبيعة هذه الجرائم الخطيرة؟

ه- الحصانة البرلمانية وهي التي نص عليها الدستور الحالي في مواده، 129، 130، 131 وحسب بعض المختصين فإنها تنقسم، من جهتها وبالنظر إلى مضمونها، إلى نوعين: -حصانة برلمانية وظيفية “موضوعية”، وحصانة برلمانية إجرائية، على أن نفصل فيهما بالشكل التالي:

الأولىموضوعية: وهي حصانةٌ موضوعية يتمتَّع بها البرلماني لكونها لصيقة معه بصفته هذه “برلماني”، تسمى بـ”انعدام المسؤولية Irresponsabilité”، وتقتضي عدم متابعته أو مقاضاته في كل ما يبديه من آراء وتصورات أو يقدِّمه من انتقادات واقتراحات داخل غرفتي البرلمان ولجانهما، فالحصانة الأولى هذه تطبَّق على الأفعال التي يقوم بها عضو البرلمان حماية له خلال تأدية مهامه وذلك بعدم جواز مؤاخذته أو متابعته جزائيا أو مدنيا “نسبيا” في أي وقت من الأوقات وفي أي مكان من الأماكن، عما يبديه من آراء أو أفكار بمناسبة قيامه بمهامه أو أعماله أو نشاطاته البرلمانية “التشريعية، الرقابية، الدبلوماسية والتمثيلية”. وترتبط هذه الحصانة، وجودا وعدما، بطبيعة النظام السياسي المنتهج في الدولة، والذي يشكل الإطار الدستوري لتحديد طبيعة الضمانات الممنوحة لأعضاء الهيئات البرلمانية بالنظر لكونها تنجم عن كل التصرفات والأفعال والنشاطات البرلمانية التي يقوم بها عضو البرلمان خلال مباشرة عمله البرلماني، فيمكن أن يتشاجر أو يتلفظ بكلام، أو يقوم بسلوك ما خلال مراقبته لعمل الحكومة أو هيئات أخرى تابعة لها، وهنا تقضي المادة 129 من الدستور الحالي (56) بأن “يتمتع عضو البرلمان بالحصانة فيما يخص الأعمال المرتبطة بممارسة مهامه كما هي محددة في الدستور”. وباستقراء هذا الدستور نجده قد حدد مهام عضو البرلمان في: التشريع، الرقابة، الدبلوماسية البرلمانية، تمثيل الشعب وتجسيد إرادته وسيادته.

الثانيةإجرائية: وهي حصانة يتمتع بها البرلماني لكونها مقرونة أيضا بشخصه، تسمى بـ”الحرمة البرلمانية Inviolabilitè parlementaire”، تطبَّق على الأفعال المنفصلة عن الوظيفة أو المهمة البرلمانية وتستوجب عدم جواز اتخاذ أي إجراء ضده في جميع ما يقترفه من أعمال أو يحصل منه من تصرفات برلمانية -باستثناء حالات التلبُّس- إلا بتنازل صريح منه أو إذن مسبق من المجلس الذي ينتمي إليه والذي يقرر رفع الحصانة عنه بأغلبية أعضائه بعد إجراءات طويلة ومعقدة (راجع المواد السالفة الذكر)؛ فالحصانة الثانية هذه تطبَّق على الأفعال المنفصلة عن الوظائف والمهام والنشاطات البرلمانية. وقد شرحها بعض المختصين… كما شرحها الدستور الحالي في المادة 131 بقوله: “في حالة تلبّس أحد النّوّاب أو أحد أعضاء مجلس الأمّة بجنحة أو جناية، يمكن توقيفه، ويخطر بذلك مكتب المجلس الشّعبيّ الوطنيّ، أو مكتب مجلس الأمّة، حسب الحالة فورا. ويمكن للمكتب المخطَر أن يطلب إيقاف المتابعة وإطلاق سراح النّائب أو عضو مجلس الأمّة، على أن يعمل فيما بعد بأحكام المادّة 130 أعلاه.” في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بخصوص السيناتور السابق “ماليك جوهري، المنتمي لحزب الأرندي والمنتخب في مجلس الأمة خلال العهدة الماضية عن ولاية تيبازة، والذي تم توقيفه ومتابعته بل وسجنه حتى قبل أن يتنازل عن حصانته أو يجرد منها أو ترفع عنه حسبها.

في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بخصوص السيناتور السابق “ماليك جوهري، المنتمي لحزب الأرندي والمنتخب في مجلس الأمة خلال العهدة الماضية عن ولاية تيبازة، والذي تم توقيفه ومتابعته بل وسجنه حتى قبل أن يتنازل عن حصانته أو يجرد منها أو ترفع عنه.

والعودة إلى مكتبي البرلمان، تعني تطبيق النظام الداخلي لكل من المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، الذي يحاول شرح مراحل وتفاصيل وحيثيات رفع الحصانة المنصوص عليها في الدستور، فعلاوة على الحصانة المضمونة والمكفولة بموجب المادة 129 من الدستور الحالي، فان إجراءات وتدابير رفعها والتنازل عنها توضحها المادتان 124 و125 من النظام الداخلي لمجلس الأمة والمادتان 72 و73 من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، إذ أن هذه المواد تنصُّ على أن إجراءات رفع الحصانة تكون بإخطار أو طلب من وزير العدل، الذي يودع هذا الطلب أو الإخطار لدى المكتب المعني لأحد مجلسي البرلمان، الذي يحوِّله بدوره إلى لجنة الشؤون القانونية، التي تدرسه بدورها وتستمع إلى المعني بالأمر، الذي يمكنه أن يستعين بأحد أعضاء المجلس الذي ينتمي إليه للمرافعة والدفاع عليه، وفي أجل شهرين من تاريخ الإحالة عليها، ترفع اللجنة المذكورة أعلاه تقريرها إلى مكتب المجلس المعني، الذي يقرر في جلسة مغلقة وبالاقتراع السري وبأغلبية أعضائه، رفع الحصانة من عدمها. والعملية كلها تتم في ظرف 3 أشهر من تاريخ الإحالة أو من تاريخ إيداع الطلب أو الإخطار من طرف وزير العدل. كما تفيد بعض المواد القانونية المشار إليها آنفا أنه في حالة التوقيف فإن المدة لا يمكن أن تتجاوز 48 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة. لذلك نجد أن هناك من القانونيين أو الحقوقيين والبرلمانيين من يعتبر أن الحصانة البرلمانية من النظام العام، وبالتالي لا يمكن المتابعة القضائية فيها دون العودة إلى مكتبي البرلمان. ونحن مع إقرارنا بصحة الجزء الأول مما قيل “الحصانة البرلمانية من النظام العام” إلا أنه ينبغي تأكيد نسبية الجزء الثاني من هذا القول.

6- إخطار المحكمة الدستورية بشأنها:

لقد كانت مسألة رفع الحصانة عن البرلمانيين في الدساتير الجزائرية السابقة، سواء بالتنازل عنها من طرفهم طواعية أو بإسقاطها عنهم أو تجريدهم منها أو إقصائهم برلمانيا بصفة نهائية، تتم فقط على مستوى البرلمان، ومكتب المجلس الذي ينتمون إليه، ثم اللجنة القانونية التابعة لهذا المجلس، ثم الجلسة لهذا الأخير التي تقرّر رفع الحصانة عنهم بأغلبيّة أعضائها بناء على طلب من وزير العدل، وينتهي الأمر. أما الآن، وبمقتضى الدستور الحالي، فإن للمحكمة الدستورية القول الفصل والكلمة الأخير بل والقرار الباتّ “النهائي” والملزم لجميع السلطات العمومية والقضائية والإدارية، بمعنى قرارها الذي لا يقبل أي طعن من أي جهة كانت على النحو الوارد في المادة 198 “الفقرة الأخيرة” من الدستور (59).. وذلك بإخطارها من جهات الإخطار وطلب إصدار قرار رفع هذه الحصانة من عدمه في حال عدم التنازل عنها طواعية طبقا لما نصت عليه المادة 130 “الفقرة الثانية” من الدستور (60). وكم تمنينا لو أن مشروع القانون العضوي المحدد لإجراءات وكيفيات الإخطار والإحالة أمام المحكمة الدستورية المعروض حاليا على البرلمان قد تم إثراؤه وتكييفه وتوسيع مجاله ليشمل كذلك الآليات والتدابير المتعلقة بإخطار المحكمة الدستورية إن في هذا الشأن “استصدار قرار رفع هذه الحصانة من عدمه”، أو في شأن إخطارها أيضا من قبل المعارضة البرلمانية كما تقول المادة 116 “الفقرة الخامسة” من الدستور (61)، وهذا على غرار الكيفيات والإجراءات الخاصة بالإخطارات الأخرى “الإخطار بشأن دستورية المعاهدات والاتفاقات والاتفاقيات والقوانين والأوامر والتنظيمات، الإخطار فيما يتعلق بتوافق القوانين والتنظيمات مع المعاهدات، الإخطار فيما يخص مطابقة القوانين العضوية للدستور، الإخطار بشأن مطابقة النظام الداخلي لكل من مجلسي البرلمان للدستور، الإخطار بخصوص الخلافات التي قد تحدث بين السلطات الدستورية، الإخطار حول تفسير حكم أو عدة أحكام دستورية، الإخطار من قبل المعارضة البرلمانية مجال الدفع بعدم الدستورية، الإخطار في مجال الدفع بعدم الدستورية… إلى غيره مما نصّت عليه المواد 130، 142، 190، 192، 193، 195، 196 و116 من الدستور. والسؤال المطروح: هل ستعمل الحكومة، صاحبة مشروع هذا القانون، بالتعاون والتنسيق مع البرلمان، على استدراك ما نسي من الإخطارات المذكورة أعلاه قبل فوات الأوان أم لا؟. والجواب طبعا لابد من ذلك.

الخاتمة
من خلال ما سبق عرضه يمكن القول إن الحصانة إذا كانت معترفا بها للبرلمانيين بقوة الدستور، فإنه ينبغي التذكير بأن هذه الحصانة ليست لا مطلقة ولا عامة بل تقتصر على الحيز المكاني “الموقع الذي يمارسون فيه مهامهم التشريعية والرقابية والتمثيلية والدبلوماسية” وكذا الزمني “طوال عهدتهم البرلمانية” المخصَّص لها، الأمر الذي يعني انتفاء حق التمتع بها في غير هذين الحيِّزين “المكان والزمان” ووفقا لنوعيها “الإجرائي والموضوعي”. كما ينبغي التذكير أيضا بمقترحاتنا السابقة الرامية إلى حصر الامتيازات والحصانات الدستورية والبرلمانية والدبلوماسية والقضائية والقانونية والإدارية في حدود معينة، حدود تتحقق معها غايتين وطنيتين نبيلتين هما: 1- تيسير متابعة كافة المتورطين، برلمانيين أو غيرهم، في الجرائم كلها- بما فيها الفساد- دون تمييز تحقيقا لمبادئ المساواة المنصوص عليها في الدستور الحالي سواء أمام القضاء (م 158د) أو الغير (م 35 و37د)، 2-حماية البرلمانيين وضمان استقلالهم ووقايتهم ضد كل أنواع التهديد والانتقام سواء من جانب السلطات الأخرى أو من جانب الأفراد.. وهو ما تتضمنه أحكام دساتير معظم دول العالم ومنها أحكام الدستور الجزائري الحالي، بحيث تكون لهم الطمأنينة التامة والثقة الكاملة عند مباشرة أعمالهم البرلمانية، وما تستوجبه الحصانة البرلمانية بنوعيها “الموضوعية والإجرائية”.

في أجل شهرين من تاريخ الإحالة عليها، ترفع اللجنة المذكورة أعلاه تقريرها إلى مكتب المجلس المعني، الذي يقرر في جلسة مغلقة وبالاقتراع السري وبأغلبية أعضائه، رفع الحصانة من عدمها. والعملية كلها تتم في ظرف 3 أشهر من تاريخ الإحالة أو من تاريخ إيداع الطلب أو الإخطار من طرف وزير العدل.

لذلك وغيره وجب اعتبار الحصانة حتمية يقتضيها الدستور، يستوجبها شرف المهنة وتمليها ضرورة ممارسة العهدة البرلمانية وتتطلبها مقتضيات الخدمة العموميها “خدمة المواطنين والاقتصاد والمجتمع بل والدولة برمتها” وليست مجرد امتياز شخصي دائم، مطلق وعامّ يرتبط بالبرلماني، يعفيه من المساءلة ويحميه من العقاب حتى وإن ارتكب جرائم!. كل ذلك إلى جانب ضرورة قيام الحكومة، صاحبة مشروع القانون العضوي المحدِّد لإجراءات وكيفيات الإخطار والإحالة أمام المحكمة الدستورية، بالتعاون والتنسيق مع البرلمان، على استدراك ما نسي من الإخطارات المذكورة أعلاه قبل فوات الأوان وذلك إما بحذف بعض المواد الواردة فيه أو زيادة وتكييف أخرى لتتطابق خاصة مع ما ورد في المواد الدستورية المذكورة أعلاه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!