-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

آليات تسوية الوضعية القانونية للقنوات الخاصة

سليمان بخليلي
  • 342
  • 0
آليات تسوية الوضعية القانونية للقنوات الخاصة
ح.م

أفرَدَ مجلس الوزراء المنعقد مطلع هذا الأسبوع جانباً مهماًّ في أعماله لمناقشة وضعية الإعلام عموماً والنشاط السمعي البصري في الجزائر خصوصاً، وتوج بيانه الختامي بالدعوة إلى ضرورة الإسراع في تسوية الوضعية القانونية للقنوات التلفزيونية الخاصة.

وبصرف النظر عن ضرورة إدراج تسوية الوضعية القانونية للقنوات التلفزيونية العمومية أيضاً في هذا القرار باعتبارها تنشط منذ سنوات دون أي سند قانون يضبط نشاطها، فإن اهتمام السيد رئيس الجمهورية بقطاع الإعلام والاتصال منذ تنصيبه يعكس وفاءه لقطاع الإعلام الذي تقلد فيه منصب وزير للاتصال عام 1999 م، ولذلك لم يكن من الغريب أن يكون أول قرار اتخذه غداة التحاقه بقصر المرادية هو تعيين الوزير الأسبق للاتصال الأستاذ محند السعيد أوبلعيد وزيراً مستشاراً ناطقاً رسميا باسم الرئاسة، لتتلوه بعد ذلك قرارات عديدة ذات صلة بقطاع الإعلام من بينها:

• تعيين مدير وطاقم جديد للإعلام في الرئاسة.
• اعتماد تقليد إعلامي جديد يتمثل في إجراء لقاء صحفي دوري مع وسائل الإعلام.
• قرار ضبط وتنظيم الإعلام الإلكتروني الذي عقد بشأنه ملتقى رسمي قبل أسبوع جمع وزير القطاع ومستشاريه مع ممارسي هذا القطاع (من رجال المهنة ومن غيرهم) ممن تعج بهم المواقع الإلكترونية.
• ظهور الرئيس في عدة لقاءات صحفية مع وسائل إعلام أجنبية ذات وزن دولي (قناة روسيا اليوم ولوفيغارو).
• وأخيرا: دعوته من خلال مجلس الوزراء الأخير إلى إنشاء قناة برلمانية فوراً، والتفكير في إنشاء قناة للشباب، والعمل بشكل مستعجل على ضبط وتنظيم القنوات الخاصة وإخضاعها للقانون السمعي البصري ساري المفعول.
وفي هذا السياق، تأتي هذه الإضاءة التي تتناول الآليات الواجب اتباعها لتصحيح مسار قطاع السمعي البصري في الجزائر، وبالتالي تسوية الوضعية القانونية للقنوات الخاصة، وذلك من منطلق الاعتبارات الآتية:
• مشاركتي عام 2011 م بدعوة من الزميل الإعلامي البرلماني آنذاك الأستاذ إبراهيم قار علي في جلسات إثراء القانون العضوي المتعلق بالإعلام، التي انعقدت في مقر المجلس الشعبي الوطني، وتقديمي كغيري من الزملاء يومئذ ورقة عمل تضمنت رؤيتي لمحتوى قانون الإعلام المعروض للنقاش، وبالأخص في شقه المتعلق بالنشاط السمعي البصري الذي أقره هذا القانون لأول مرة في الجزائر بصورة أكثر وضوحا مما نص عليه قانون الإعلام لسنة 1990 م.
• مساهمتي عام 2013 م رفقة مجموعة من الخبراء في تحرير نص قانون السمعي البصري ساري المفعول حالياً، من موقعي كمدير مركزي لوسائل الإعلام أثناء تولّي الأستاذ محند السعيد أوبلعيد وزارة الاتصال، الذي جرت المصادقة عليه في السنة الموالية في عهد الوزير عبد القادر مساهل.
• تكليفي من طرف وزير الاتصال آنذاك محند السعيد أوبلعيد بالبحث عن مخرج قانوني لاعتماد بعض القنوات الخاصة (قبل صدور قانون السمعي البصري أصلاً)، وذلك بالبحث عن نص قانوني مناسب يمكن الاستناد إليه في توقيع اعتمادات مؤقتة إلى حين صدور قانون السمعي البصري، فاهتديت إلى مرسوم صادر عام 2004 موقع من طرف رئيس الحكومة آنذاك أحمد أويحيى يخص كيفيات اعتماد مكاتب وكالات الأنباء الأجنبية، وجرى الاستناد عليه لاعتماد مكاتب القنوات الخاصة على أنها قنوات خاضعة لقانون أجنبي لاعتبارين اثنين:
ــ أولا: عدم وجود قانون يخص ممارسة النشاط السمعي البصري في الجزائر.
ــ ثانيا: بث هذه القنوات برامجها من مكاتب في بلدان أجنبية (في الأردن والبحرين ولندن وباريس) بالاتفاق مع موزعي خدمات البث عبر الأقمار الصناعية في تلك البلدان، مما يجعل نشاطها مشابهاً لنشاطات مراسلي وكالات الأنباء الأجنبية في الجزائر، ومن ثم قمتُ بتحرير نص الاعتماد الذي وقعه الوزير محند السعيد آنذاك لثلاث قنوات (النهار، الشروق، الجزائرية)، ثم توسع القرار لاحقا في عهد مساهل ليشمل قنوات (دزاير تيفي والهقار ونوميديا)، وليتوسع مؤخراً حسب ما هو متداول إعلاميا ليشمل قناتي (الحياة وبورتيفي) .
• مشاركتي عام 2014 م في جلسات إثراء قانون السمعي البصري على مستوى البرلمان بدعوة من نائب رئيس المجلس آنذاك الأستاذ محمد الطاهر قدور بعد أن جرى تحويل القانون من الحكومة إلى المجلس بهدف دراسته والتمهيد للمصادقة عليه، وانتهت الجلسات قبيل المصادقة على القانون بعقد يوم برلماني ترأسه النائب المرحوم مولود شرفي شاركت فيه بمداخلة بعنوان (قراءة متأنية في قانون السمعي البصري) ونشرتها جريدة الشروق آنذاك.

وتشهد تسجيلات ذلك اليوم الدراسي في أرشيف البرلمان أنني دعوت آنذاك إلى سحب نص القانون السمعي البصري من المجلس وإعادته إلى وزارة الاتصال لمراجعته وإعادة النظر في محتواه الذي تشوبه كثير من التناقضات، خصوصا ما يتعلق بحصر القنوات في قالب (الموضوعاتية) وكذا ما يتعلق بتشكيلة سلطة الضبط، وهو ما تسبب في غضب منظمي اليوم البرلماني ومطالبتهم لي في نهاية الجلسات بسحب كلامي مخافة تأثيره على النواب أثناء مناقشته، وهو ما جعل وزير الاتصال آنذاك السيد عبد القادر مساهل يتدخل لدى الكتل البرلمانية لصرف النظر عما طالبتُ به والتعجيل بالمصادقة على القانون (امتثالا لتوجيهات عليا)، حيث جرى إقراره بعد يومين اثنين من ذلك اليوم الدراسي.

تلك إذن هي الاعتبارات التي تسمح لي اليوم بأن أقدم قراءة واقعية في قانون السمعي البصري تستعرض آليات تصحيح مسار القطاع بما ينتقل بقانون النشاط السمعي البصري من قانون تقييد إلى قانون تنظيم، ومن قانون مراقبة إلى قانون مرافقة، علماً بأن هذا القانون 14 /04 المتعلق بالنشاط السمعي البصري جرى تعطيله منذ صدوره بما نجم عنه تعطيل عمل سلطة ضبط السمعي البصري التي جرى تشكيلها وإنشاء هياكلها دون تفعيل ودون أي عمل في الميدان.

إن أولى الخطوات التي يجب أن ينطلق منها تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الذي دعا إلى الإسراع في تسوية الوضعية القانونية للقنوات الخاصة يبدأ من الإجابة عن سؤال ما إذا كان يتوجب تكييف عمل هذه القنوات مع القانون، أم تكييف القانون مع الأمر الواقع الذي فرضته هذه القنوات بما أن إنشاءها تم قبل صدور القانون؟

وفي كل الأحوال، فإن تسوية وضعية القنوات الخاصة يبدأ بتصحيح النص القانوني المتعلق بالسمعي البصري الذي لن يتم إلا بمراجعة القانون العضوي رقم 12/05 المتعلق بالإعلام الذي يستند إليه المشرع في تقنين النشاط السمعي البصري، حيث لا يمكن منطقيا صياغة قانون للسمعي البصري دون أن يشير قانون الإعلام إلى هذا القطاع ويقوم بالتعريف به، مع الأخذ بالاعتبار أن قانون الإعلام الحالي هو قانون عضوي وليس قانونا عاديا.

ومن الضروري هنا، التذكير بأن القانون (العضوي) يختلف عن العادي شكلا ومضمونا وإجراءات، ذلك أن القانون العضوي يخص السياسة طويلة الأمد لأي قطاع، وهو ما يجعله خاضعا لشروط هامة من بينها أن القانون العضوي يخضع للرقابة السابقة للدستور، وتتم المصادقة عليه من قبل ثلثي (أعضاء البرلمان)، وليس من ثلثي (الحاضرين في البرلمان)، بخلاف القانون العادي الذي يخضع فقط لأغلبية المصوتين وللرقابة اللاحقة للدستور، وهو ما يفيد بأن على الجهات المعنية بتنفيذ التعليمة الرئاسية في مجلس الوزراء الأخير الداعية إلى الإسراع في تنظيم النشاط السمعي البصري، الانتباهُ إلى أن إعادة النظر في القانون العضوي المتعلق بالإعلام يحتاج وقتاً وإجراءات ليست بسيطة، فضلاً عن كونه يتطلب اغتنام الفرصة لتحديث وتصويب أبواب وفصول أخرى واردة في القانون العضوي، وبالأخص الباب الخامس (وسائل الإعلام الإلكتروني) والباب السادس (آداب وأخلاقيات المهنة) والباب الثامن (المسؤولية) والباب التاسع (المخالفات المرتكبة) والباب العاشر (دعم الصحافة) والباب الحادي عشر (وكالات الاستشارة والاتصال) فضلا عن ضرورة تخصيص باب يمهد لقانون الإشهار.

والواقع أن القانون العضوي ساري المفعول رقم 12 /05 المتعلق بالإعلام هو الذي مهد لقانون السمعي البصري (المعطل العمل به حاليا)، وذلك من خلال الباب الرابع الموسوم بـ (النشاط السمعي البصري)، حيث يقدم في تسع مواد بدءا من المادة 58 تعريفا بـ (النشاط السمعي البصري) على أنه كل ما يوضع تحت تصرف الجمهور عن طريق البث أو الصور أو الأصوات أو الرسائل، رغم أن التعريف الأبسط أن يسمي القانون الأشياء بمسمياتها فيذكر بوضوح (البث الإذاعي والتلفزيوني)، ثم يعرف في المادة الموالية 59 (السمعي البصري) على أنه مهمة ذات خدمة عمومية ويحدد عن طريق التنظيم، ثم يقدم في المادة الموالية 60 تعريفا آخر بـ (خدمة السمعي البصري) على أنها: كل خدمة اتصال موجهة إلى الجمهور تحتوي على صور وأصوات، بما يتجنب استخدام العبارة الملائمة (الإذاعي والتلفزيوني)، ثم يتحدث عن الجهات التي يمكنها ممارسة النشاط السمعي البصري وهي: هيئات عمومية، مؤسسات وأجهزة القطاع العمومي، المؤسسات أو الشركات الخاضعة للقانون الجزائري، في حين يتوجب هنا تصحيح العبارة لتصبح: (الجهات التي يمكنها ممارسة النشاط السمعي البصري الخاضع لهذا القانون) لأن ممارسة هذا النشاط صارت في متناول كل الناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي غير المشمولة بهذا القانون والتي يستحيل التحكم فيها، وهذه كلها اختلالات يجب التصدي لها لدى مراجعة النص القانوني.

ويتحدث لاحقا في المادة 63 دون أي تمهيد عن كون (إنشاء كل خدمة موضوعاتية للاتصال السمعي البصري تخضع إلى ترخيص بموجب مرسوم)، وهو ما فرض علينا أثناء تحرير وإعداد قانون السمعي البصري عام 2013 قيداً لا مفر منه يتمثل في حصر قانون الإعلام ممارسة النشاط السمعي البصري في إنشاء قنوات (موضوعاتية) فقط دون السماح بإنشاء قنوات عامة، وهو ما يستوجب إعادة النظر في هذه المادة وتصحيحها بما لا يقيد النشاط ويحصره في القنوات الموضوعاتية فقط.

بعد هذه المادة يأتي الفصل الثاني الذي يتناول في المادتين 64 و65 كيفيات إنشاء سلطة ضبط السمعي البصري، وهذا الفصل يجب أن يلغى نهائيا من القانون المتعلق بالإعلام، ويُكتَفى بالإشارة إلى كيفياته وتفاصيله في نص قانون السمعي البصري، مع الأخذ بالاعتبار توسيع عضوية سلطة الضبط لتشمل صحفيين ينتخبهم مهنيو القطاع، أما المادة الأخيرة من هذا الفصل (المادة 66) التي تتحدث عن أمر لا صلة له بقانون السمعي البصري بقدر صلته بالإعلام الإلكتروني فيتوجب أن تزحزح إلى الباب الخامس الموالي.

وبعد الانتهاء من مراجعة وتصحيح وتحديث القانون العضوي المتعلق بالإعلام وإعادة النظر في الأبواب والفصول والمواد التي أشرنا إليها سابقاً، يتوجب التفرغ لإعادة النظر في القانون رقم 14/04، المتعلق بالنشاط السمعي البصري من خلال الخطوات الآتية التي لا يتسع المقام هنا للتفصيل فيها:

• العمل على محو الفوارق بين القطاع العمومي والقطاع الخاص التي يمتلئ بها القانون الحالي ووضع القطاعين على قدم المساواة، وذلك بعدم حصر تقديم الخدمة العمومية في القطاع العام فقط، وعدم تقييد القنوات الخاصة بشروط يتم إعفاء القطاع العمومي منها، وإخضاع القطاع العمومي لنفس مبدإ الرخصة الذي ينطبق على القطاع الخاص، مادام القطاع العمومي نفسه يحتكم في عمله بموجب القانون إلى سلطة الضبط، وهو ما يمحو الشرخ الحالي الموجود في النص، الذي لا يخدم المهنة ولا النص القانوني.
• إلغاء المادة 23 التي لا تسمح إلا بإنشاء قناة واحدة أو محطة إذاعة واحدة فقط.
• إلغاء المادة 39 التي تتيح للسلطة الدخول بصفة دائمة إلى محتوى البرامج التي تبث، مادام هناك فصل يحدد المخالفات والعقوبات.
• إلغاء المادة 45 أو إعادة النظر في تفاصيلها.
• إعادة النظر في المادة 57 التي تحدد تشكيلة سلطة الضبط، وذلك بجعل الأعضاء المنتخبين أكثر عددا من الأعضاء المعينين.
• إعادة النظر في التنظيم الذي أقرته سلطة الضبط عام 2017 المتضمن إيداع مبلغ عشرة ملايير سنتيم (100.000.000,00 دج) لدى الخزينة العمومية مقابل الحصول على ترخيص بالبث، مما دفع السلطات العليا آنذاك إلى إصدار قرار بتعطيل هذا الإجراءات وتأجيل تقديم القنوات الخاصة ملفات اعتمادها، لأن هذا المبلغ يرهق كاهل القنوات الخاصة ولا يعكس رغبة وتوجيهات السيد رئيس الجمهورية في دعم القطاع وتشجيعه.
• إلغاء المادة 112 نهائيا بما أن سلطة الضبط تم تشكيلها، وبالتالي الاكتفاء بإضافة أعضاء منتخبين إليها ثم تفعيل عملها.

• وبعد:
تلك هي أهم النقاط التي يمكن أن تكون منطلقاً لعمل جاد يعيد قطار الإعلام السمعي البصري إلى سكته الصحيحة بما يجعله قانون تنظيم لا تقييد، وقانون مرافقة لا مراقبة، ويتيح تنظيم الحقل السمعي البصري بما يقدم صورة احترافية للمهنة ومشهداً مشرّفاً عن الجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!