-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

آه لو كان لي أهل يا عيد..

التهامي مجوري
  • 3879
  • 4
آه لو كان لي أهل يا عيد..

إي والله.. لو كان لي أهل ما كنت على هذه الحال..، أسرتي ممزقة شر ممزق، وقومي مشتتون فرقا واحزابا ومصالح، كل يغني على ليلاه، وأمتي طوائف ومذاهب وفرقا يكفر بعضها بعضا ويقتل بعضها بعضا ويأكل بعضها بعضا..، أما البشرية فقد ودعت قيمها عندما شرعت لنفسها أسواقا تباع فيها وأشياؤها، أفرادا ومجموعات وأوطان وممتلكات، كما تباع جميع المقتنيات، فالإنسان إنسان إذا ما ولد في محور واشنطن – موسكو على تعبير بن نبي رحمه الله، أما إذا كان خارج هذا المحور فلا حظ له في شيء من متع الحياة..، وغن فبفضل المتفضلين عليه..

إي والله يا عيد.. أنت على السعداء سعيد، وعلى الأشقياء لا قيمة لك، لا عند السادة ولا عند العبيد، ولولا ارتباطك بعبادتي الصوم والحج، وبعض العادات التي ألفناها عبر الزمان، لما رحب بك أحد..، ولما شعر بمجيئك ولا برواحك أحد..؛ لأن العادة أن أهلي هم الذين يشعرون بك ويستقبلونك ويودعونك؛ لأنك عيدهم الذي يفرحون به طاعة لله، ويشعرون بالمعصية عندما لا يحتفون بك وبمجيئك إليهم..، وما دام أهلي غير موجودين.. فلا أحد يشعر بك ولا بمزيتك عليه…؛ بل أنت زائر مزعج؛ لأنك تذكر القوم بقيم يريدون نسيانها..  

أما أنا –أيها العيد الذي كان سعيدا- فلا أجد ما استقبلك به إلا نتف من هجاء المتنبي لرجل السلطة بمصر في عصره المدعو “كافور”، في قصيدة طويلة اقتطع منها أبيات مجزوءة من سياقها وهي قوله:   

عيدٌ  بِأَيَّةِ  حالٍ   عُدتَ   يا   عيدُ   ***   بِما  مَضى  أَم  بِأَمرٍ  فيكَ  تَجديدُ

لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا  كَبِدي   ***   شَيئًا   تُتَيِّمُهُ   عَينٌ    وَلا    جِيدُ

ماذا  لَقيتُ  مِنَ  الدُنيا   وَأَعجَبُهُا   ***   أَنّي  بِما  أَنا  باكٍ  مِنهُ   مَحسودُ 

جودُ الرِجالِ  مِنَ  الأَيدي  وَجودُهُمُ   ***   مِنَ  اللِسانِ  فَلا  كانوا  وَلا  الجودُ

ما يَقبِضُ المَوتُ نَفسًا مِن نُفوسِهِمُ   ***   إِلّا  وَفي  يَدِهِ   مِن   نَتنِها   عودُ

صارَ  الخَصِيُّ  إِمامَ  الآبِقينَ  بِها   ***   فَالحُرُّ   مُستَعبَدٌ   وَالعَبدُ    مَعبودُ

لا  تَشتَرِ  العَبدَ  إِلّا  وَالعَصا  مَعَهُ   ***   إِنَّ    العَبيدَ    لَأَنجاسٌ    مَناكيدُ

 

ما كُنتُ  أَحسَبُني  أبقى  إِلى  زَمَنٍ   ***   يُسيءُ بي فيهِ  كَلبٌ  وَهوَ  مَحمودُ

ذلك أني لا أجدني بين أهلي، ولا بين أبناء قومي، ولا بين أبناء ديني؛ بل ولا بين أفراد من بني جنسي البشري الذي كرمه الله وفضله على كثير من الخلق…

معذرة أيها العيد.. لم أجد من بقايا أهلي وقومي وديني وجنسي من يرحب بك أو يفكر في استقبالك؛ لأنني لم أعد أملك أهلا افتخر بهم، ولا قوما احتمي بهم وبأعمالهم الصالحة، ولا دين يبعث على الطمأنينة رحمة للعالمين، ولا بشيء من الإنسان يشرفني الانتماء إليه.. انا أيها العيد مقطوع من شجرة لم يبق لي في هذه الدنيا أهلا ولا قوما ولا دينا وجنسا..، يمكن أن أفخر به لك فتشعر بفخر وشرف استقباله لك..، فانا مثل “حي بن يقظان”، الذي ظل يتلمس روح أمه الغزالة عندما ماتت..، ومن ثم أنا بين أحياء كالأحياء أشكال وأجسام بلا أرواح..

لقد كان أهلي –يوم كانوا-، يبشرون بك قبل قدموك، ويتهيِؤون لاستقبلك كما يسقبل العرسان بعضهم بعضا، فيشترون الألبسة ويتخيرونها من بين آلاف القطع والأشكال والأنواع، ليتزينوا بها، وعندما تصل إليهم يستقبلونك بالأحضان، كما يستقبل القريب غريبه، فيتزاورون احتفاء بك، وتعميما للشعور بالفرح والمرح؛ بل ينتقلون بالتزاور من الأحياء إلى الأموات بالمقابر، ويتسامح المتنازعون فيعفو المظلوم ويندم الظالم إكراما لك وإعلاء لشأنك..، كما كان لقومي مظهر بهجة وسرور وفرح يتفاخر فيه الناس ويتسابقون إلى إظهار الفرح والابتهاج لأنك عيد والعيد سعيد بطبعه..، وكذلك كان قومي  يجتهدون في التواصل بين الأهالي جمعا للكلمة ورصا للصف، ابتداء من فجر أول أيامك، فيتسابقون إلى المساجد لأداء الصلاة.. فيلتقي الجيران بالمساجد وأهل البلدة الواحدة، قبل لقائهم بأهاليهم في بيوتهم.. فتبدو وكأنك هيئة تدعو إلى تجمع بشري يلتقي فيه الناس على الفرح والابتهاج، يستوي في ذلك الكبير والصغير والغني والفقير والعزيز والحقير، وكذلك الرجال والنساء والأتقياء والأشقياء..، الجميع منساق إلى دائرة الفرح بالعيد.. إن هذه الفرحة تنتقل إلى أبناء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، طاعة لله وإظهارا لقيم هذا اليوم الذي جاء إثر عبادتي الصوم في الفطر والحج في الأضحى..

اما اليوم فويح اليوم من اليوم، إذ لم يبق من ذلك شيء، فأنا بلا أهل –يا عيد- لا أشعر بعلاقة رحم مع أحد ولو مع أقرب المقربين مني، وكأنني لقيط لا رابط نسب بيني وبين أسر الخؤولة والعمومة والمصاهرة، التي ادعي أنني منها أو أنها مني؛ لأن دائرة الأسرة المبنية على التواد والتعاطف والتراحم مفقودة كفقدان الكبريت الأحمر كما يقال، فأهملت الأصول الفروع واعتدت الفروع على الأصول وتمزقت كل الروابط الطبيعية التي تمثل البذور الأولى لبناء المجتمعات؛ بل إن قومي أضحوا يتندرون بكل ما هو “قبلي عشائري” لأن ذلك من بقايا العصور الغابرة.. وأنا وفقدان الأهل يفقد بالضرورة الإنتماء القومي، فانا بلا قوم أيضا فلا يربط بيني وبين أبناء قومي إلا الرقعة الجغرافية التي نلتقي عليها، فلم يبق من القيم القومية الوطنية إلا قشورها، فلا وزن لثورة العشرين ولا للثورة المصرية على النظام الملكي ولا قيمة للثورة الجزائرية التي تمر هذه الأيام ذكرى ثمارها الطيبة –ذكرى الاستقلال 5 جويلية 1962-، ولا مكانة لعمر المختار ولا الأمير عبد القادر ولا عبد الكريم الخطابي ولا المهدي السوداني ولا ابن عبد الوهاب الخليجي.. كل ذلك ذهب ادراج الرياح ولم يعد يتشرف بذكر ذلك احد ممن أسميهم قومي..

أما أمتي فهي أمم في شكل أمة، بحيث لا يربطها برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أشكال قيم..، وكان الذي بينها وبين هذه الرسالة هو أن يظهروا أشكال مسلمين.. وعندما لا يكون لي أهل، ولا موالاة حقيقية بيني وبين أبناء قومي ووطني، فلا أكون على الإنسانية إلا عبأ ثقيلا ولا يسع العالم يومها إلا العمل على التخلص مني، وحق له ذلك لأن قانون الله في الوجود “من يهن يسهل الهوان عليه”.

آه لو كان لي أهل يا عيد..، لما رضيت بما يقع في الفلوجة من سحق للروح البشرية على الهوية وعلى الاختلاف في المذهب –الذي ذهب ولم يبق-، ولا كان من بني قومي وامتي من تقضى به الحوائج ويرمى كما ترمى الخرقة بعدما تمسح بها القذورات ثم تلقى غير مأسوف عليها.. كذلك وقع لبعض مرتزقة الحشد الشعبي بالعراق، بعدما قتلوا وشردوا إخوانهم في الفلوجة.. اكتشفوا أنهم مسخرون في خدمة أجندة غير وطنية..، ولكنه الغباء الذي يجعل من طوني بلير يتكلم بذلك الارتياح التام حول خطأ ارتكبه في احتلال العراق’عندما كان في الحكم..، ولو علم أنه معرض للحساب ما تكلم بذلك الارتياح، ولكن بما انه يعلم ألا أحد يحاسبه حينئذ قالها بكل بساطة أخطأنا ونتحمل مسؤوليتنا..، ومسؤوليته بطبيعة الحال لا تطالبه بـ14 سنة من معاناة الشعب العراقي، جوعا وعريا وتهجيرا وقتلا وسرقة لخيراته.

ولكن مع ذلك لا يسعني رغم العار والمرار والغربة عن الدار.. عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.. اما العيد فليعذرني؛ لأنني لم أذق طعمه.

العيد، 5 جويلية 

توني بلير

الحشد الشعبي والانشقاقات

ادعي ـنني من أمة محمد

أنا لقيط.. لا أـهل لي..

انتمي الى محمد بعقد الولاء

وانتمي الي العروبة بالتبني

ثورة العشرين.. يونيو 52.. ثورة الجزائر  54

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا ..
    صح عيدكم وكا عام وأنتم بخير
    ... يبشرون بك قبل قدومك، ويتهيؤون لاستقبالك،
    هذا قبل ظهور الثورة المعلوماتية -التكنولوجيا - أو " اللَهـــــــــــــايَة والنَسـَــــــــايَا"
    التي فككت الأسرة ، مزقت المجتمع،
    وحولت الأنظار - تشتيت الانتباه - عن قضايا الأمة المصيرية والهامة !
    مخاطرها أكثر من فوائدها ؟
    شكرا

  • بدون اسم

    لا تقنطوا من رحمة الله,, نحن اهلك يا فاقد العيد
    الشاوي

  • مواطن

    كلما ضاقت بي السبل تذكرت ما تعلمت في الجامع"لا تقنطوا من رحمة الله"(ص)وإن لم تمح من تربيتي يوم استقلال بلدنا عن حكم الاستعماريين إذ أظهر هذا الشعب تماسكه بدينه وبتلاحم مكوناته لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.لكن من شاركوا بأرواحهم وأعز ما يملكون غرهم"وسخ الدنيا"وانهالوا على ما رزقهم الغني العلي فعادت إلينا ما نعرف عن الجاهلية وتحزبت النحل وتكتلت الفرق واستعيد حنين القبلية والعنصرية التي فشل طغيان الكفر في إحيائها ورجع نظام الدوار واختفت المدنية لتعوض بالتغطية على المصلحة الخاصة فماتت الوطنية.

  • بدون اسم

    أي و الله يا أستاذ..."فبأي حال عدت يا عيد*** عدت و لم يعد بك الانسان سعيد
    عدت و عاد السادة و عاد العبيد*** عدت و عاد جشع القريب و البعيد"...