-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أستاذي علي فضيل.. بشهادة الجزائر

أستاذي علي فضيل.. بشهادة الجزائر
ح.م
علي فضيل

ما كان، وما ينبغي لي ولا لغيري، أن نأتي على ذكر علي فضيل دون أن نكشف عن وقائع بعينها، تُبين دور الراحل لجهة التأثير في حياتنا المهنية، فقد كان أستاذاً بكل المقاييس على الأقلّ بالنسبة لي، وهو كذلك بالتأكيد لكثيرين غيري، في وطن لم يكن سهلا فيها القبول بشرعية العمل الجاد، وتفتّق عبقرية العطاء، وتجاوز المحن في ظل تكالب الكل على الكل.

هنا قريباً، وهناك بعيدا، كان يشكِّل بما رزقه الله من موهبة مدرسةً جزائرية جديدة في الإعلام، بدأت ورقيّة وانتهت إلى فضائية، على ما فيها من نقائص بدت في الواقع أنوارا، وهي مؤهَّلة للبقاء إلى وقت طويل للعمل في مناطق الضوء، وفي محاولة اختراق حُجب السياسية، والغوص في بحور الوطنية مدّاً وجزراً، ناهيك عن البحث المقصود ـوالهادف أحيانا كثيرةـ في دهاليز المحظور بكل أنواعه.

الحديث اليوم عن علي فضيل لا ينطلق ـ أو هكذا يجب ـ من المدح أو الاعتراف، أو حتى من الإعلان عن محاسن كانت تبدو للآخرين خاصة المنافسين له مساوئ، ذلك لأن التركيز ها هنا لا يناقش علي فضيل من زاوية أفعاله خارج أطر العمل الوظيفي، إنما يذكره ضمن التأسيس للإعلام الجزائري معايشة وتفاعلا، وتجربة ثريّة للدولة من خلال اختياراتها الكبرى للتغيير، حين نجحت من خلال علي فضيل وأمثاله في تحقيق تغيير كمي ونوعي في المجال الإعلامي، رغم النقائص، وفشلت فشلاً ذريعا حين ضجرت من أقلام وصحف، فصنَّفتها ضمن خانة المُعَادين للمشروع الوطني فأوقفتها بقوة السلطة، وأقصد هنا ما يعرف بصحف “المُعلّقات العشر”.. لقد نكثت السلطة عهودها، وأخرست أصواتا كانت ستساهم ـ بلا ريب ـ في إحداث توازن داخل المجتمع.

تُرى ما الذي سأرويه، عن علي فضيل؟ ودمع العين يسبقني لإعلان محبة له تفوق الوصف، ما أعلنتها له ولا لغيره قبل اليوم، أأقول مثلا: بفضل أستاذيّتَه عن قرب حين كنت تحت إمرته عندما عيّنني رئيس تحرير أسبوعية “الشروق العربي”، أصبحت ما أنا عليه اليوم في الصحافة العربية؟.. أم أتحدث عن ذلك الاحتواء العاطفي من عائلته الصغرى إلى الكبرى، حيث التمتع باللقاء مع المجاهد “مسعود فيضل”، أو ذلك الحب الدافق من أخيه “أحمد”، ناهيك عن المعايشة عن قرب لإخوته: رشيد، ويسن، وابن أخيه وابني أيضا توفيق.. حيث غياب الفصل بين ما هو خاص وعام؟ أم أذكره في ذلك العمق العربي دروسا محفورة في الذاكرة من خلال حضور النضال والمواقف والأسماء كما هو الأمر في اختيار أسماء أبنائه: بثينة، سلسبيل، مناف؟

قد يبدو للقارئ أنني أغرق في بعض من تفاصيل العلاقة مع علي فضيل بعيداً عن الجانب المهني، والحقيقة غير هذا، فعملية الفصل صعبة، إن لم تكن مستحيلة، وأحسب أنني كنت من القلائل الذين ربطتهم بالراحل علاقاتٌ على المستوى الأسري، وكذلك إخوته، ذلك أن بداية العلاقة معه في جاذبيتها المهنية، فرضتها بعد النص المكتوب ظروفٌ إنسانية، صحيحٌ هي نتاج العمل الصحفي، ولكنها تبقى اختياراً يتعلق بتآلف الأرواح، وبثقة غالية طوقتني بجميل لم ولن أنساه ما حييت.. أتعرفون سادتي معنى أنك كنت في بعض من سنوات الدماء تعمل تحت إمرة ومسؤولية وإشراف علي فضيل رئيساً للتحرير؟.

لقد تعلمتُ منه دورسا في الصبر، والمواجهة، والجرأة، والنظرة إلى العمل من خلال أسباب الرزق، ودعم الوطن من منظور وحدوي ـ شعبا وثقافة ـ وللعرب والمسلمين ـ امتداداً وهويُة وانتماء ـ وللدين يقينا ما حيينا، ولا أعلم إن كنتُ قد رعيتُ تلك الدروس حق رعايتها، لكنني حاولت أن أجعلها سندا لي في الحياة، مثلما وأنا إلى جانب فضيل في العمل.

لقد رزق الله سبحانه وتعالى علي فضيل بموهبة في العمل الصحفي، وبقدرة كبيرة على التوقع، وعلى تجاوز المخاطر، بل وعدم المبالاة بها، ناهيك عن الإبداع في طرح الأفكار الجريئة، وفي كل ذلك تحركت عبر ثلاثة مسارات رئيسة:

أولها: حركة الزمان الإعلامي، سواء تعلق الأمر بالداخل من حيث منظومة القوانين، وكيفية الاستفادة منها، أو الوسائل المادية، والأكثر من هذا توظيف العنصر البشري ودفع الشباب نحو مستقبل يكرس وجودهم المهني، ويغنيهم بالتجربة، أو على الأقل يلهيهم عن انشغالات كانت أقرب للضياع.

ثانيهما: صناعة التاريخ الوطني، بتناوله أحداثه والتكيف معها، مع عدم التخلي عن قناعاته من جهة، وجعل “الشروق” بكل مؤسساتها جزائر صغرى جامعة للمواطنين من كل الجهات، والآراء، والتوجُّهات، وتلك كانت من بين الأسباب الرئيسة لنجاحه، وباختصار فمع علي فضيل، ودون أن يأمرك، لا تملك إلا أن تكون جزائريا حتى النخاع، ولذلك حين توفي ودَّعته الجزائر كلها حضورا وغيابا، لأنها تدرك قيمة ابنها البارّ.

ثالثها: التواجد على المستوى العالمي، خاصة العربي منه؛ فبفضل رؤيته الصائبة ومواقفه الثابتة، جعل لوقائع الجزائر وأحداثها حيزا في الصحافة الدولية، وعلى المستوى العربي، دفع المشرقَ إلى قراءة ما ينتجه المغربُ العربي خاصة الجزائر، في سابقةٍ لم تحدث قبلها في التاريخ العربي منذ سقوط الأندلس.

أعرفتهم لماذا اعتبره أستاذي؟.. وهو أيضا أستاذٌ للكثيرين سواء اعترفوا أو أنكروا.. رحم الله أبا مناف.. لقد أثرنا حياتنا حيّاً وميّتاً.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!