-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أفي كل ولاية إمارةٌ وحاكم بأمره؟

جمال غول
  • 342
  • 0
أفي كل ولاية إمارةٌ وحاكم بأمره؟
ح.م

 في المثل العربي القديم (عادت لعِتْرِها لميس) ولميس هذه امرأة كانت لها عوائدُ شرّ تعتادها وأخلاق سوء تفارقها تارة ثم تحِنُّ إليها فتقارفها تارات، لغلبة الفساد فيها وصيرورته عترا وأصلا في طباعها. ولميسنا هي إدارتنا الجزائرية التي شبَّت وشابت على عِتْر هو الفساد والبيروقراطية والتعسف وقتل المعنويات.

عندما يركز مخطط عمل الحكومة على الحوار الاجتماعي، إذ جاء ذكره في الديباجة وفي الفصل الأول في الفصل الثالث منه مرتين، وتتواتر تصريحات كبار المسؤولين بأن تعليمات الرئاسة حريصة على تحقيق هذا الحوار مع الشركاء الاجتماعيين، ثم تجد بعض الإطارات يتفنّنون في عرقلته في أبسط أشكاله من خلال العودة إلى الممارسات السابقة كالتضييق أو منع الترخيص لاجتماعات هياكل النقابات لتتحاور وتتدارس شؤونها الداخلية مع منخرطيها ضمن مجالسها الوطنية، يغزوك شكٌّ رهيب بأن النية ليست صادقة في إنجاح هذا الحوار الذي هو أحد أوجه الجزائر الجديدة النابعة من عمق التطلعات الشعبية.

عندما تجد مديرا ولائيا يوجّه استفسارات للمنخرطين لمجرد أنهم اجتمعوا، بدعوى أن الاجتماع مخالفٌ للقانون بحجة عدم إعلامه وكذا إبعاد المسجد عن الصراعات النقابية! مع العلم أن الاجتماع لم يكن في المسجد رغم أن القانون ينص على أن العمل النقابي يمارَس في مكان العمل لو كان هذا المدير يعلم، فإن لم يكن يعلم فما عليه إلا أن يرفع معرّة الجهل وحُجُبَه عن عقله فذلك خيرٌ له من أن يرسل الاستفسارات ويضيّق على الأئمة. يأتي كل هذا ممن يُفترض فيهم تقديم كافة التسهيلات للشركاء الاجتماعيين كما ينص القانون وتطبيقا لبرنامج الحكومة.

عندما يمنع والي ولاية مستغانم الترخيص لاجتماع عمومي لنقابة معتمدة وبذلت من دم فؤادها حقوق قاعة الاجتماعات التي يُفترض أن توفَر لهم من قِبَلِ الوالي نفسه إن كان يؤمن بالحوار وسَلم من العقد النفسية التي تجعله يتهيّب اجتماع نقابة الأئمة فكيف لو كان احتجاجا؟

وعندما يكون سبب المنع واهيا جدا كخيط العنكبوت فعندئذ تطيش العقول ولا تجد إلا أن تُكبّر أربعا على بعض الإطارات التي يُفترض أن تُبدع في التسيير والإنجاز لا في التنمُّر والتعنُّت..

يقع هذا في الوقت الذي لا تزال آثار الحراك حديثة لا يغفل عنها إلا غافلٌ عن السنن الكونية التي لا تحابي أحدا، فكيف إذا طال الأمد وقست القلوب؟

يقع هذا العود إلى الممارسات غير الدستورية والعادات غير الشعبية التي كانت منتهجة زمن العصابة، ونحن على مقربة من إتمام المصادقة على برنامج الحكومة لتذكّرنا بما سجله التاريخ في صفحات سوداء من خزي وعار حينما تفنن ولاةٌ في منعنا من الاجتماع بحجج مضحكة كما وقع في ولاية شرقية، ومديرون راحوا يستعينون بالأمن لفض اجتماعنا من جهة وتنظيم ندوة من جهة أخرى لحشد الدعم للعهدة الخاسرة.. ومديرون كانوا في العهد القريب رؤساء مصالح يتوددون للنقابة فلما عُيِّنوا مديرين (والله أعلم كيف تم تعينهم في زمن العصابة) جعلوا النميمة وسيلة لتفريق المكتب الولائي!

حينها نتساءل على طريقة شيخنا الإبراهيمي عليه سحائب الرحمة والرضوان: أفي كل ولاية إمارةٌ وحاكمٌ بأمره؟ كأن في القطر الجزائري حكوماتٍ وليس حكومة واحدة بل كأن كل ولاية إمارة مستقلة، كأنها قطعة أجنبية لا ينقصها إلا العلمُ والعملة والحواجز الجمركية والحدود الدولية، وكأن القوانين التي يُساس بها هذا البلد ليست مسطرة في مواد دستورية موحدة بل في أهواءِ أدمغةٍ متفرقة.

ماذا يعني أن يمنع مدير أو والٍ اجتماعا عاديا لنقابة معتمدة رسميا إلا أن يكون اعتراضا على قوانين الجمهورية التي عيَّنته في ذلك المنصب الذي يدرُّ عليه جاها ومقاما وأموالا مقابل الإدارة الحسنة لشؤون ولايته أو قطاعه والمساهمة في التسيير الراشد للمجتمع المدني لا أن يكون متسببا في نشوء الفتنة بمخالفة القوانين كتماناً للحق أو إرضاء لأهوائه.

 ماذا يعني أن يتجسس مديرٌ ولائي بطريقة خسيسة لمعرفة من حضر في اجتماع النقابة؟ وماذا نوقِش فيه؟ مع كونه اجتماعا قانونيا تنظيميا، فماذا لو كان استثنائيا طارئا؟ أما كان الأجدر بك أيها المدير أن تبذل جهدك ووقتك في إدارة شؤؤن قطاعك وحل مشكلاته التي تعيق انطلاق المشاريع المعطلة في ولايتك؟

إن ما ذكرناه وغيره يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن كثيرا من المسؤولين غير مؤهَّلين لتسيير المرحلة الجديدة التي تتطلب تحرُّرا من قيود العبودية وتواضعا مُنجيا من الغطرسة وازدراء الناس والكبرياء المنازِع لربِّ الناس، فمن أَلِف العبودية وامتلك القابلية ليكون ظهرا يُركب في مقابل ضرع يُحلب لا يمكن أن يتحرر وهو في نفس المنصب، ومن داوم على إخفاء ضعفه أمام شهواته بالتكبُّر والتجبُّر على ضعاف الخلق لن يستطيع أن يرى أو يتبع الحق دون أن يأخذ الدق إلا من رحم الله الملك الحق.

إن الجزائر الجديدة لابد لها من عقلية جديدة ولذلك لا مناص من الاستغناء عن المسؤولين الذين لا قدرة لهم على تغيير عقلياتهم التي مردوا عليها ولا يأبون إلا الانبطاح الذي يتوهمون أنه طريق المحافظة على كراسيهم في مناصبهم ولا يستيقظون من غمرتهم هذه إلا وقد فاتهم تأمين سيرة ذاتية مشرِّفة لوالديهم وأبنائهم ووطنهم وأمتهم وآخرتهم وما أدراك ما الآخرة، وعندئذ يعضّون أنامل الندم حين لا ينفع الندم.

إن الحوار الاجتماعي يتطلب نزع سلاح التضييق على النقابات المستقلة من أيدي الولاة والمديرين المحليين الذين لا شغل لبعضهم إلا تكسير العمل المنظم والمباعدة بينه وبين المناضلين ترغيبا أو ترهيبا أو عرقلة، بتوفير الوسائل القانونية من مقرّات ملائمة وأماكن اجتماعات مناسِبة وتفريغ للقيادات الولائية لتسهيل التواصل وتفعيل العمل النقابي على مستوى الولايات.

إن الجزائر الجديدة لن تكون جديدة مادامت رخصة الاجتماع العمومي سيفا مُصْلتاً ومسلطاً على الاجتماعات النقابية إلا بعد اعتماد مبدأ التصريح بالاجتماع العمومي الذي لا يحتاج لا إلى ترخيص والٍ ولا موافقة مدير كما هو منصوص في برنامج الحكومة.

وإلى أن تتحق معالم الجزائر الجديدة وتُغيَّر -وفق مبدأ الكفاءة المنصوص عليه في برنامج الحكومة- تلك الوجوهُ الفاشلة القديمة التي حوّلت وجه الجزائر إلى أخاديد حزينة، يبقى الصدق في النضال والعزم على تحدي العقبات ولو كانت كالجبال هو الضامن بعد الله تعالى لإحداث القطيعة واجتناب الهزيمة لتبقى الجزائر خير وديعة تبعث في نفس الأجيال الطمأنينة والسكينة .

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!