-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أهمُّ مشروع في الجزائر!

أهمُّ مشروع في الجزائر!

إذا اكتملت المادة الجديدة، في مشروع قانون العقوبات، من خلال القضاء بالحبس والغرامة المالية، في حق من يتفوّه بالكلام الفاحش في الأماكن العمومية، فسنكون قد وضعنا لبنة أخلاقية طالب بها الشعب الجزائري منذ عدة عقود، وما أحد أوصلها إلى التطبيق.

هناك من يركّز على بعض الفتوحات الاقتصادية على أهميتها، من خلال محطّات تحلية مياه البحر ومناجم الحديد والفوسفات واستثمارات الزنك والغاز والطاقات البديلة… ويراها الثورة والثروة الأكبر والأهمّ، لكن في الحقيقة ما صار يظهر ما بين الحين والآخر من عقوبات صارمة، إلى درجة المؤبد للمتورِّط في حرق الغابات، أو الرمي في السجن لقليل الحياء الذي يُسمِع الناس بالقوة الكلام الخادش للمجتمع المحافظ والمُحرج للعائلات، هو أهم مشروع يمكن أن نبني عليه المجتمع الفاضل الذي يجب أن نكون عليه.

يضطرُّ التلفزيون الجزائري كثيرا، وهو ينقل مباراة كرة محلية، تجتمع من حولها العائلات، إلى قطع الصوت نهائيا، بسبب ما يتلفّظ به المناصرون من كلام فاحش، ويضطرُّ حراس المرمى في الجزائر، وهم يعيدون الكرة إلى الميدان، إلى قبول كلام مسيء لأمَّهاتهم ومنهن من غادرت الدار الدنيا، ويُقسم بعض الآباء بأنهم لم يخرجوا مع زوجاتهم ولا مع أبنائهم وخاصة بناتهم منذ سنوات طويلة، لأن الشارع يقذف الكلام السوقي المنحطّ، أكثر من متعة التسوّق والتفسّح.

لأجل ذلك لو أخرجت الدولة للاستفتاء هذه المادة الجديدة من قانون العقوبات التي تحبس لمدة ستة أشهر، وتغرِّم ماليًّا، الوقحَ الذي يخدش الحياء في الأماكن العمومية، لنالت المائة بالمائة، ليس تصويتا بنعم فقط، وإنما مشاركة أيضا في التصويت، ولما غاب عنه حتى الذي يشارك في خدش الحياء، مرة أو مرات.

يروي الجزائريون بكثير من الحسرة والتنهُّد، عن أخلاق آبائهم وأجدادهم الذين كانوا يحترمون الكبار والنساء والأطفال، فلا يرمون خبزة في القمامة، ولا ورقة مكتوبة باللغة العربية، ولا يتشاجرون ولا يتسابُّون ولا يتنابزون بالألقاب، ويستشهدون بآيات بيّنات من سورة الحجرات، لتأكيد أصالة هذه الأخلاق وتجذُّرها الإسلامي والنبوي، ولكنهم مع ذلك عجزوا عن توقيف النزيف الأخلاقي الذي أقام قاموسا موازيًا، من زلات الشارع ومفردات الابتذال والميوعة، وانتشر النزيف حتى طال كل فئات المجتمع من نساء وأطفال صغار. ولم يعد كل من دخل مدينة أو قرية، آمنا على سمعه ومعنوياته، أمام طوفان الكلام البذيء الذي يتلفّظ به بعض الشباب والكهول بمناسبة ومن غيرها، بل إن بعضهم حوّله إلى لغة خاصة به، ينطقها حتى وسط أهله.

هناك من يظن أن ضخّ هذه القوانين الردعية، لا طائل منها، ولن تغيّر من الواقع شيئا، ولكن الصرامة التي أعطت ثمارها مع حزام الأمان الإجباري على السّائقين، تبقى مثالا حيًّا على أن الردع يعطي ثماره سريعا. وسينتظر الجزائريون مزيدا من القوانين الردعية، ضد من يملأ الشوارع بالخبَث والنفايات، ويتجرّأ على أملاك الدولة والشعب، حتى تزهر هذه المشاريع خيرا وبركة.

لقد أسّس رائدُ النهضة الجزائرية ابن باديس مدارس التربية ثم التعليم، وشرح واقعنا وما يجب أن يكون عليه مستقبلنا عندما قال:

“لمَ لا نثق بنفوسنا، وقد أعطانا الله عقولا ندرك بها، وقد أعطانا من هذا الدين الإنساني، ومن هذا الدين العقلي والروحي ما يكمل عقولنا ويهذِّب أرواحنا، أعطانا منه ما لم يعط لغيرنا، لنكون قادة وسادة، وأعطانا وطنًا شاسعًا مثل ما لغيرنا، فنحن إذن شعبٌ عظيم يعتزُّ بدينه، يعتزُّ بلغته، يعتزُّ بوطنه، يستطيع أن يكون في الرُّقيِّ واحدًا من هذه الشعوب”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!