-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أين المثقف في الثورات العربية الأخيرة؟ )1/2(

محمد قيراط
  • 6405
  • 7
أين المثقف في الثورات العربية الأخيرة؟ )1/2(

في ظروف صعبة جدا واستثنائية يمر بها العالم العربي، يتساءل المرء عن المثقف والمنظر والمفكر العربي؟ أين هو؟ ما هو دوره في المجتمع؟ ما هو موقفه مما يحدث من حوله؟ ما هي اتجاهاته وآراؤه حول انهيار الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية، التي كانت تحظى بالتمجيد والتسبيح من قبل الكثير ممن كانوا يعتبرون أنفسهم كتابا وشعراء وأدباء وفنانين… الخ.

  • ما هو شعور المثقف العربي بعدما تحرك الشارع العربي -الشباب- وغيّر الأوضاع، وأرغم الطغاة على الهروب بعد سنوات من التسلط والتجبر والظلم والاستبداد والطغيان. ثورات كسّرت حاجز الخوف، وشباب ثار وانتفض وقرر تقرير مصيره ومستقبله بيده. أين هو المثقف العربي من الرداءة والتلوث الفكري والقيمي؟ أين هو مما يحدث من حواليه وهو الذي كان من المفروض أن ينظر للثورة وللتغيير وللانتفاضات والاحتجاجات والمسيرات وللمطالبة بحقوق الضعفاء والمساكين والأبرياء؟. أين هو من كل هذا وهو الذي كان من المفروض الكشف عن المستور وعن السرقات والنهب وإهدار المال العام؟ أين المثقف مما كان يحدث خلال عشرات السنين من ظلم وكذب ونفاق؟.
  • إشكالية المثقف ودوره وأزمته ومكانته في المجتمع تبقى من الإشكاليات المهمة والمعقدة والعويصة والرئيسية المطروحة على الساحة الفكرية والثقافية والسياسية في العالم العربي. هل من مكانة للمثقف في مجتمع يفتقد لمستلزمات التفكير والتعبير عن الرأي والحوار والمناقشة والحريات الفردية وحرية الصحافة وما إلى ذلك من مستلزمات وضرورات وشروط الإنتاج الفكري الناضج والملتزم والمسؤول، الذي يستطيع أن ينّظر ويؤّسس للتطورات والتحولات الهامة والمصيرية في المجتمع. التجارب التاريخية في العالم العربي تشير إلى داء الاغتراب والتهميش والإقصاء الذي عانى وما زال يعاني منه المثقف العربي عبر الأجيال والعصور، ففقدان الحرية والديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان كلها عوامل أدّت إلى اغتراب المثقف العربي وتهميشه سواء داخل وطنه حيث أصبح من الغرباء فيه لا يتعرف عليه ولا يتفاعل معه كما ينبغي لأنه إذا فعل ذلك مصيره يكون مجهولا، أو أننا نجده يلجأ إلى الهجرة طلبا للحرية ولمتنفس يجد فيه مجالا للتفكير والإبداع، لكن تبقى الغربة والعيش خارج المحيط الطبيعي للمثقف بمثابة الموت البطيء، فالمثقف مهما كانت الصعاب والمشاق والمشاكل والعراقيل والحواجز يبقى دائما مسؤولا إزاء مجتمعه لتحقيق الأهداف النبيلة التي يناضل من أجلها، وهي العدالة والمساواة والحرية والقيم الإنسانية النبيلة، ومن أهمها توفير الظروف المناسبة للفكر والابتكار والإبداع.
  • إشكال آخر مهم جدا ضمن سياق ظاهرة اغتراب المثقف، يتمثل في الرقابة الذاتية وممارسة الانسلاخ الإرادي والمباشر من المجتمع والعيش في ضفافه وقشوره، وهذا موت بطيء آخر يعاني منه المثقف العربي وهو نوع من الانتحار حيث لا يستطيع المثقف أن يجرؤ على التعبير عما بداخله، ولا يستطيع أن يضع أفكاره في خدمة المجتمع وفي خدمة المهمشين والمحرومين، ولا يستطيع أن يقول لا للظلم والطغيان والفساد والاستبداد. وهنا يجد المثقف نفسه في وضع معقد وصعب لا يحسد عليه، إما التقرب من السلطة، وهذا يعني بعبارة أخرى الإنسلاخ عن الجماهير وعن دوره المحوري والاستراتيجي في المجتمع، أو الانحياز للجماهير وللحق وللعدالة، وهذا يعني غضب السلطة على المثقف وإسكاته أو تهميشه بطرق مختلفة، البعض منها معلن والبعض الآخر سري وضمني. وفي كل هذا نجد أن المجتمع في نهاية المطاف هو الخاسر الكبير، لأن المجتمع الذي لا يملك نخبة من المثقفين العضويين ونخبة من المفكرين تنّظر وتنتقد وتقف عند سلبياته وهمومه ومشاكله وتناقضاته وإفرازاته المختلفة لا يستطيع أن يكون مجتمعا يتوفر على شروط النجاح والإبداع والحوار والنقاش البناء والجاد بين مختلف الفعاليات والشرائح الاجتماعية.
  •  وآليات الاتصال هنا داخل المجتمع مهمة جدا، فكلما كانت مرنة وسلسة ويسيرة نجم عنها التفاهم والوئام والوصول إلى الأفكار النيّرة. لكن كلما تعقدت آليات الاتصال والتواصل في المجتمع وكلما أصبحت عسيرة ومفتعلة ومتملقة ومنافقة زادت مشاكل المجتمع وتفاقمت، وكلما زاد سوء الفهم وغاب التفاهم والحوار واحترام الآخر. هذا ما يقودنا للكلام عن الثقافة التي أفرزتها القوى المختلفة في المجتمع، فهذه الثقافة هي بكل وضوح ثقافة التبرير والتملق والتخدير والتزييف والتستر عن الحقائق ونشر الأكاذيب والخرافات، وكأن الهدف في نهاية المطاف هو تجهيل الرأي العام وتخديره بدلا من توعيته والرقي به إلى مستوى الفعل والمشاركة في صناعة القرار وفي تحديد مصيره ومكانته بين الشعوب والأمم.
  • ما هو دور المثقف في المجتمع؟ وما هي علاقته بالسلطة؟ أسئلة تفرض نفسها في زمن سقوط الدكتاتوريين والمستبدين وفي عهد ثورات الشباب وفي عهد الإعلام الجديد والشبكات الاجتماعية. في البداية نتساءل عن مكانة المثقف في المجتمع وعن وضعيته وعن الدور الموّكل إليه. ولماذا نتكلم دائما في العالم العربي عن أزمة المثقف؟ لماذا مثلا لا نتكلم عن المثقف العضوي في المجتمع، المثقف الحقيقي الذي ينتقد ويقف عند هموم وشجون المجتمع، المثقف الذي يعمل على تغيير الواقع وليس تكريسه، المثقف الذي يساهم في صناعة الفكر والرأي العام، المثقف الذي يحضّر مجتمعه شعبا وقيادة لمواكبة التطور الإنساني والحضاري والتفاعل الإيجابي مع ما يحدث في العالم.        
  • تجدر الإشارة هنا إلى ضرورة النظر إلى المثقف كجزء فرعي من نظام كلي وهو المجتمع، ونتساءل هنا هل المثقف يُنتج المجتمع ويساهم في تحديد معالمه وقيمه ومبادئه، أم أنه جزء من المجتمع يذوب ويكرس تناقضاته وأخطائه وطرق إدارته وعمله. فالمثقف عادة ما يكون مرتبطا بواقعه وبمجتمعه يتفاعل معه، يؤثر ويتأثر به. لكن الإشكالية التي تطرح نفسها هنا تتمثل في ماهية وطبيعة العلاقات التي يقيمها المثقف مع الجهات المختلفة الفاعلة في المجتمع، وهنا نقف عند علاقة المثقف بالسلطة، هل هي علاقة تملق وخنوع وسجود وتبعية أم أنها علاقة تقوم على الاحترام المتبادل والنقد البناء والرقابة، وهذا ما يفرز مناخ الرأي والرأي الآخر والحوار والنقاش من أجل الوصول إلى الصالح العام، حيث يصبح المثقف هو بوصلة الحاكم وهو موّجه المجتمع في جو من الديمقراطية والشفافية والصراحة والقيم السمحة والنسيج القيمي والأخلاقي الذي يجب أن يفرضه المجتمع على الجميع، والذي يجب أن يحترمه الجميع، حاكما ومحكوما ورئيسا ومرؤوسا.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • شنفرى

    السلام عليكم أخي محمد قيراط ؟ أضنو أن كل الناس لديها ثقافة منها ثقافة تطبيقية - و الأخرى ثقافة نضرية - إذا كنت تقصد الثقافة النضرية فإنها تحتاج إلى تنشيط من الثقافة التطبيقية ، لماذا ؟ إذا أردنا أن نأخذ بي الحكمة سوف نجد أن سبب كل فكرة و كل سطر يكتب على ورق هو فعل تطبيقي حدث في الماضي قريب أو بعيد ، وهذا ما يحدث في السؤال اللذي طرحته في هاذا الموضوع جاء بعد الثورات العربية الأخيرة التطبيقية - و قلبي مع ضحايا هذه المجازر - منهم من فقد ولده ومنهم من فقد والديه ومنهم من فقد زوجته . يا أسفي عليهم .

  • فارس ابرا

    bravo sir

  • wassou48

    de quelle revolution parlez-vous?? comment se fait-il que seuls les arabes ont pris consciences que leur quotidien n'est que misere? savait vous que 80%des chinois ne trouvent pas quoi manger, et que les indiens meurent de faim, et que la misere est partout dans le monde
    nous vivons aujourd'hui un retour aux bonnes veilles methodes pour colloniser les plus faibles. savez-vous que l'etre humain est une boite vide prete a tout "gober

  • اكثر من راي

    هذا دليلكم يا مثقفين ان ثقافة زرع الفتن و البلبلة داخل المجتمعات سريعا ما تضمحل و يذهب ريحها و أما الزبد فيذهب جفاءا فانظر و اتمع لمثقفي المدرسة المحمدية من مشايخ و علماء كامثال طلعت الزهران و محمد رسلان و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض

  • ahmed

    عندما تظهر الفتنة يسكت العقلاء
    اللذين يتكلمون الان هم فارغين شغل يدمرون دولهم

  • خبير الذرة

    ان المثقفين و المفكرين العرب كلهم داخل اجاجة الثورات العربية استشهد من استشهد و بقي من بقي منهم لهذا انت لا ترى لهم اثر في جوارك يا متفرج.

  • أحمد وارث

    صحيح جدا ما تقول، لكن لا تنسى احتياطات السياسيين الديماغوجيين الفاشلين الذين يعجزون عن تقديم أو تسويق إجراءاتهم أو مشاريعهم ، لكثرة الأخطاء و التناقضات التي تعتورها، فيلجأون إلى تجريم كل الآراء المخالفة. لقد تمترسوا خلف منظومة قانونية، نسجت على المقاس، لا تفرق بين النقد الموجه لمشروع أو فكرة ( و هذا مطلوب و ضروري نحن في أمس الحاجة إليه) و بين التجريح الشخصي أو الإساءة للشخص في ذاته بعيدا عن مشروعه ( وهذا مرفوض). و يكفي فقط أن تنظر في القضايا المرفوعة في المحاكم ضد أصجاب الرأي .