-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أي مستقبل غامض ينتظر العلوم الإسلامية في الجزائر؟!

أي مستقبل غامض ينتظر العلوم الإسلامية في الجزائر؟!

يكاد يُعدُّ شرف الانتماء إلى المدرسة الدينية عزا وسؤددا لا يساوقه شأوٌ في الدنيا والآخرة بأسرها (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، نظرا للمكانة العالية التي أولاها المولى تبارك وتعالى لطلب العلم ومكانته في القرآن الكريم، إذ ورد مصطلح (العقل والعلم والفكر والهدى والرشاد والفهم والاستقامة والتفكير والنظر والاعتبار والاستبصار والتوسم والبصر..) أكثر من ألف وسبعمائة مرة في أكثر من ألفي آية من آيات الذكر الحكيم.. أي ما يعادل ثلث القرآن الكريم (انظر: المؤلف، المدخل الوجيز إلى قضايا الفكر الإسلامي، ص 26..44). كما نال المكانة نفسها في السنة النبوية المطهرة.. والأحاديث النبوية في ذلك تترى لتعظيم مكانة العلم وأهمية طلبه وعظمة المشتغل به من العلماء.. (انظر: المؤلف، المجتمع الإنساني في القرآن والسنة، ص 14..66).

وقد كان للعلم ولأهله ولطلبته ولكتبه ولتحصيله ولأمكنته.. في بلاد المغرب الأوسط (الجزائر) مكانة عظيمة جدا، والمطلع على رفوف المكتبة العربية الإسلامية سيجد عشراتِ الآلاف من أسماء العلماء والألقاب والمصنفات والتآليف والمدارس والكتب.. ما يحتاج درسه وقراءته ومتابعته والاطلاع عليه إلى عشرات السنين.. وقد عمل الاستعمار الفرنسي الصليبي منذ أن وطئت قدماه أرض الجزائر على تدمير المكتبات وتدنيس المساجد وقتل العلماء وطلبة العلم وتدمير الكتاتيب والزوايا وحرق المكتبات ونهب الكتب.

والمطّلع على تاريخ الاستعمار الفرنسي البشع جدا في الجزائر يعرف حالة الشعب الجزائري العلمية والدينية قبل وبعد الاستعمار الوحشي.. غير أن الله قيّض لهذا الشعب المسكين الكثير من العلماء والدعاة والأئمة من يحفظ له أمر دينه ولغته خلال الفترة الاستعمارية البشعة، حتى أطلّت شمسُ الحرية والاستقلال الذي أسفر عن فراغ علمي كبير في مجال الحفاظ على لغة ومعارف الوحي المقدسة، الذي بقي محصورا في ما تبقى من المساجد والزوايا والكتاتيب والمدارس التي نجت من آلة الدمار الهمجية.

ولذا، فقد حاولت الحكومات المتتالية منذ الاستقلال إعادة وبعث الحياة والروح في هذه المؤسسات الدينية المتبقية، وإرساء حجر الأساس لمؤسسات دينية فاعلة ومؤثرة كمعاهد التعليم الأصلي لتخريج الأئمة وثانويات التعليم الأصلي التي تم إغلاقها سنة 1977م وجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة التي تم تدشيها شهر أكتوبر 1984م من قبل الرئيس الراحل (الشاذلي بن جديد ت 2012م)، بعد أن ضمن ووفر لها –يرحمه الله ويسكنه فسيح جنته- طاقما علميا وإداريا رفيعا جدا في العلوم الشرعية برئاسة الشيخ الداعية الرباني المخلص (محمد الغزالي ت 1996م) وتحت إدارة المفكر والفيلسوف والكاتب المفسر الأستاذ الدكتور (عمار طالبي حي 2022م) يحفظه الله ويرعاه.

وكان الانتساب إلى جامعة الأمير عبد القادر شرفا لا يدانيه شرفٌ لجيل الصحوة الإسلامية الذي كان يتحرّق شوقا لمتابعة دراسته الجامعية الإسلامية، التي بدأها في الكتاتيب القرآنية التي أهلته لحفظ القرآن الكريم وأخذ مبادئ اللغة العربية ونمّاها في حلقات المساجد وعند المشايخ والعلماء داخل الجزائر وخارجها، إذْ لم يكن الانتساب إلى جامعة الأمير عبد القادر متاحا للجميع، فقد كانت عملية انتقاء الطلبة تتم عبر مصافي وقنوات دقيقة وواضحة يُراعى فيها حفظ القرآن الكريم أو بعض أجزائه، وحفظ الكتب والمؤلفات ومعرفة اللغة العربية والإلمام بالعلوم العربية والدينية والتاريخية فضلا عن استواء واكتمال الشخصية وتوازنها ووسطيتها، وقد ضمنت هذه الاختبارات انتقاء أفضل الطلبة لمتابعة دراستهم في الجامعة الإسلامية، إذْ انتسب إليها خيرة أبناء الجزائر كلها، حتى كان الأساتذة العرب والمسلمون يتعجّبون من أن تضم الجزائر أمثال هذه المئات من الطلبة الدعاة المحبين للشريعة الإسلامية ولغتها.

وإن كان هذا الانتقاء والاختبار بالنسبة لمن ينتمون إلى الأقسام الصفية فقط، الذين تخرجت دفعتهم الأولى شهر جوان 1988م  بحضورالرئيس الراحل (الشاذلي بن جديد)، والتي تعد أفضل وأحسن دفعة تخرّجت منها، فإن الأمر كان أكثر صعوبة منه فيمن سيُختارون لمتابعة دراستهم في قسم الدراسات العليا وتحضير رسالة الماجستير.. إذ يجتاز المترشح الاختبار الكتابي، ثم يُعلَن عن نجاحه في جريدة “النصر”، فيتقدّم المئات لينجح منهم عشرة بالمائة، ثم يجتازون الامتحانين الشفهيين أحدهما في معارف الوحي وحفظه وعلومه، وثانيهما في اللغة العربية وعلومها، ليُعلَن عن النتيجة في جريدة “النصر” أيضا، ويعدّ ذلك بمثابة الاستدعاء لمزاولة التسجيل والدراسة، وكان لا يدخل إلى الجامعة إلاّ الأفاضل والأكابر والكتّاب والدعاة والباحثون والمفكرون.. وهكذا انتمى جيلي إلى تلك الجامعة الإسلامية.

واستمر الأمر كذلك حتى تداعى أمر الجزائر كلها بعد أحداث 05 أكتوبر 1988م، ومعها تداعت سائر مؤسسات وهيئات وهياكل الأمة الجزائرية تحت ضربات الإرهاب الأعمى.. ولم تعد الجامعة ولا الكليات ولا المعاهد الإسلامية تسير وفق ذلك النمط والانضباط والرسالية.. إلى أن انهارت كلية ولم تعد تملك من رسالتها ووظيفتها الرسالية سوى الاسم أو تلك اللافتة المكتوبة على مبناها فقط.. فما هي أسباب تداعيها وانهيارها يا ترى؟ تلك هي المشكلة الكبرى التي أود أن أوجزها بحكم معاصرتي لها إلى اليوم في العناصر التالية:

1– العدول عن عملية الانتقاء والاصطفاء الكتابي والشفهي بالمقابلة لمن يودون دراسة العلوم الإسلامية، حتى دخلها الفسقة والفجرة والمدخنون والشمامون والذين لا يؤدون حتى فريضة الصلاة.. والفوضويون من أتباع المنظمات الطلابية المفسِدة في الأرض، والذين يرسبون بالسنين ولا ينالون نجاحهم إلاّ بالطرق التي باتت مكشوفة في الوسط الجامعي.

تمّ الهبوط بأدنى معدل لقبول الانتساب إلى كلية العلوم الإسلامية؛ فقد مُنحت أهلية التسجيل في الكلية لمن نالوا معدل (09،65)، وعدا بضعة أفراد ممن يحفظون القرآن الذين يمكن تأصيلهم لمزاولة الدروس في الكلية، فإنّ الباقي هم الهمّل والسقَّط من دفعة الباكلورية، والقصد بات مفضوحا من الجهات الوصية لجعل كلية العلوم الإسلامية مفرغة لأصحاب المعدلات الوضيعة. وللأسف الشديد فقد نجحوا في جعلها مفرغة للفاشلين والغشاشين.

2– فتح المجال لكل من يريد التسجيل في العلوم الإسلامية دون مراعاة ضوابط ومؤهِّلات وأخلاق وتوجُّهات المنتسِب، ولاسيما غالبية الفتيات الفاقدات لأدنى سلوك أو أخلاق شرعي إسلامي.. ممن تمتلأ بهن الجامعات والكليات الإسلامية ممن يرتدين الألبسة الفاضحة الكاشفة كما جاء في الحديث النبوي (الكاسيات العاريات..)، ويضعن الزينة والمكياج والعطور.

3– الهبوط بأدنى معدل لقبول الانتساب إلى كلية العلوم الإسلامية؛ فقد مُنحت أهلية التسجيل في الكلية لمن نالوا معدل (09،65)، وعدا بضعة أفراد ممن يحفظون القرآن الذين يمكن تأصيلهم لمزاولة الدروس في الكلية، فإنّ الباقي هم الهمّل والسقَّط من دفعة الباكلورية، والقصد بات مفضوحا من الجهات الوصية لجعل كلية العلوم الإسلامية مفرغة لأصحاب المعدلات الوضيعة. وللأسف الشديد فقد نجحوا في جعلها مفرغة للفاشلين والغشاشين.

4- إلغاء تخصُّص العلوم الشرعية في المرحلة الثانوية منذ أن ألغاه النظام البائد استجابة للضغوط الخارجية سنة 2005م، وبالتالي صارت العلومُ الإسلامية تستقبل كل التخصصات التقنية والرياضية والعلمية والأدبية والفلسفية الذين لا يعرفون الدين أصلا، ولم يسبق لهم أن قرأوا كتابا في السيرة أو التاريخ الإسلامي أو الفقه أو الأخلاق والأدب والثقافة الإسلامية.. وعند سؤالهم يجيبك الغالبية بأنهم “جاؤوا لتعلّم دينهم”، وبهم غدت هذه الجامعة والكليات الإسلامية مجرد مؤسسات لمحاربة الأمية الدينية.

5– زحف التيار السلفي المدخلي ودفعه لفلوله للتسجيل في الكليات والجامعة الإسلامية، بهدف التشويش وتعطيل السير الحسن لطلب العلم الشرعي، والطعن في هيئة التدريس، وافتعال المشاكل والأزمات باعتبارهم أنهم أهل الحق لوحدهم، والناس كلهم على الباطل بمن في الجامعات والمعاهد والكليات الإسلامية من علماء وأساتذة ومشايخ فضلاء.

6- ظهور طبقة وفئة جديدة من الأساتذة ضعاف التكوين العلمي، ومن صنف الوصوليين وغير المتمكنين علميا ومعرفيا ونفسيا وتربويا ورساليا.. للهيمنة على المشهد التدريسي والتعليمي، إذ لو تجولتَ في الأقسام والمدرَّجات لوجدت هذا الصنف من المعلمين في واد، والطلبة والطالبات يعبثون ويعبثن بالهواتف المحمولة.. ثم يمتحنون في أوراق رثةٍ وينجحون أيضا!

7- دخول نوعية من الطالبات والطلبة لا يحفظون من القرآن شيئا، عدا بعض السور المطلوبة في امتحان شهادة التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، أي أقلّ من نصف حزب من القرآن.. عدا فئة من الطلبة الذين درسوا وحفظوا القرآن في الزوايا قبل دخولهم للكلية.

8- استواء معايير التقييم، وانعدام ضوابط التمييز والكفاءة والانتاج العلمي والمعرفي، وتساوي الكسول والمنحرف والمخادع والمتهاون مع العامل المخلص النشيط، فيكفي أن يكون أي أستاذ ضمن جماعة (لوبي) ضاغطة تضم العديد من الأساتذة الفاشلين والمنظمات الطلابية وحزب السلفية.. حتى يخشاك العميد بل رئيس الجامعة ويحسب لك ألف حساب، وتصنع ما تشاء.

والنتيجة هي الأسوأ..  والأرذل هو: تخرّج الآلاف من الخريجين الفارغين والفاشلين الخالين من العلم الشرعي تماما، والذين لا يمكنهم أن يقفوا على المنبر ليتكلّموا عشر دقائق، ولا يستطيعون تقديم إجابة عن فتوى.. فأي مستقبل غامض ومصير مظلم ينتظر العلوم الإسلامية في بلادي الجريحة؟ المهم عندي: أللهم اشهد أني بلغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!