-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إخفاقاتنا سببها النظام أم المسؤول فيه؟

التهامي مجوري
  • 2265
  • 0
إخفاقاتنا سببها النظام أم المسؤول فيه؟

رسالة الجنرال محمد مدين المدعو توفيق، التي تناولتها وسائل الإعلام بالمدح والذم الأسبوع الماضي، رغم أن فحواها محاكمة للنظام برمته، وذلك في تبرئتها للجنرال حسان باعتباره كان يؤدي مهامه في إطار الحفاظ على الدولة، وهي في الحقيقة وحدها تحتاج إلى وقفة جادة؛ لأنها تعبر لأول مرة على لسان رجل في هذا الموقع الحساس عن التفكير في الفصل بين تصرفات المسؤولين وتصرفات النظام أو الوصل بينهما، قلت ذكرتني هذا الرسالة بثابت من ثوابت الحياة السياسية والاجتماعية المزعجة في بلادنا، وهي أن الفشل فشل أشخاص، وليس فساد قيم متبناة من قبل النظام السياسي وعصبه ومفاصله العسكرية والأمنية، منذ أيام الثورة وإلى اليوم.

فمنذ عرفت القراءة والكتابة، و أنا أتابع محاكمة القيم السياسية ومطاردتها بمحاكمة الأسماء ومطاردتها، فتربط القيم الفاسدة بالأشخاص أكثر من النظر في الفعل الذي هو السبب الحقيقي، فعُبِّر عن فساد المخابرات بفساد بوصوف ومرباح…، وعبر عن فساد النظام السياسي بفساد بن بلة وبومدين والشاذلي…، ولكن ذهاب هؤلاء الذين لعنهم الناس خفية وجهرة لكونهم السبب في فساد النظام، لم تذهب المفاسد بذهابهم، مما يعني أن هذه تلك السباب والمحاكمات والمطاردات، ليست هي كل الحقائق التي يبحث عنها المواطن والقارئ ويريدان معرفتها، وإنما هي بعض الحقائق تضاف إليها الحسابات المشخصة، سواء فيما يتعلق بالمُطَارِد أو بالمُطَارَد، فقد ربطنا فشل النظام الاشتراكي بالرئيس بومدين، ولكنه لما توفي واستقبلنا من نعلق عليه الفشل، أضحينا لا نذكر من بومدين إلا ما هو إيجابي؛ لأن الفشل لم يذهب معه، وإنما ورثه الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي علقنا عليه كل ما كان يوصف به سلفه، بل وعلقنا عليه كل مصائب الجزائر ووصفنا مرحلته بالعشرية السوداء، ولكن بمجرد الانقلاب عليه، توزعت دماء الجزائريين خلال سبع سنوات، على مظلومين وظالمين غير معينين، على غير العادة، إذ في الوقت الذي احتجنا فيه إلى التشخيص بالشخصنة، تعطلت آلته حتى أن الإعلام استعان يومها بمصطلح “من يقتل من؟”، ليدق ناقوس الخطر، ومع ذلك وُجِد من يوهمنا أن الأمور واضحة ولكن أعداء الجزائر يريدون التلبيس على الناس !!، وفي سنة 1999 جاء الرئيس بوتفليقة، وعدنا من جديد إلى شخصنة الأمور واعتبر الرئيس الجديد هو المهدي المخلص للبلاد؛ بل إن بعض الإيجابيات، كجنوح الناس إلى السلم وحقن الدماء التي هي طبيعة مرحلة جاءت بعدما يئس الجميع، من سياسة العصا الغليظة، ومن العنف المدمر، سلطة ومعارضين ووسطاء وليس بفضل جهد مجتهد، ورغم كل ذلك، نسب الفضل للرئيس الجديد، رغم أن الحقيقة هي أن ذلك نتيجة وليس مقدمة، ومع ذلك فإن منطق الشخصنة فرض “علمه اللدني” بأن الرئيس الجديد هو الذي “جاب السلم وهو الذي جاب المصالحة…”، ولكن لم يمض وقت طويل حتى انقلبت عليه الأمور، فأضحى هو الرجل الذي جلب كل المصائب على الجزائر، لا سيما في العهدتين الثالثة والرابعة وإلى اليوم.

وما ألفناه من ربط الفشل بالأشخاص، يعود هذه الأيام بنفس المنطق في تناول القضايا السياسية سواء في تقاذف تهم وأمور مشخصة في زيد أو عمرو، وذكر أسماء بالعشرات من بقايا العشرية الحمراء، أمثال “الجانفيون” نزار وقنايزية وتوفيق وطرطاق وحسان والعماري وغيرهم وغيرهم من الذين ذهبوا أو الذين لا يزالون في مفاصل الدولة، ليزيد في التعمية والتضليل والابتعاد عن المشكلات الحقيقية التي تعاني منها الجزائر.

إن كل الحقائق التي يمكن ان نكشفها عن المتخاصمين هذه الأيام، لا يمكن ان ترتقي إلى ما تحتاجه الجزائر في قفزاتها المنتظرة، وليست هي التي ستحل مشكلات الجزائر، وإنما ستبقى القاعدة المظللة هي أن الأسماء هي التي تعلق عليها إخفاقاتنا، ويصفي الناس حساباتهم على ظهر الجزائر ونبقى في الوحل إلى أن يشاء الله.

ليكون الجميع مطمئنا، أن الجميع سيذهبون إلى مواعيدهم الحتمية، سيذهب الرئيس بوتفليقة وسعداني ولويزة حنون والجنرال توفيق، وطرطاق وحسان ونزار كلهم سيذهبون.. وستبقى القيم السياسية التي كانت سببا في فساد البلاد والعباد، هي التي ستواصل المسيرة العفنة التي نتجرع مرارتها، والتي خضع لها جميع الذين حملوا أوزار الفشل وأدينوا بجرائر قد لا يتحملون مسؤوليتها وحدهم؛ بل ربما مدحوا بذكر فضائهم كما مدح أسلافهم؛ لأن المعيار الصحيح في محاكمة الفشل غائب ولا يسمح له بالظهور. كما ان القيم التي كانت صالحة فيها ستبقى، تقاوم الفساد وتكشف مواطن الخلل ومناهج التحليل والحكم على القضايا، وتصبر على الأذى.

وما دام الأمر هكذا وبهذه الثوابت المزعجة، فإن كل من ذهب  فاشل ولكنه –سيمدح بعد حين- عندما يحل محله مذنب آخر يواصل مهمته مذنبا إلى أن يحال على  التقاعد أو يبعد في إطار ما، ليذكر بعد ذلك بفضائله التي فيه وربما يذكر بما ليس فيه من الفضائل، فقد قيل عن إسماعيل العماري الكثير مما يقال اليوم عن الجنرال توفيق، ولكنه ما إن مات حتى أصبح الحاج اسماعيل الرجل الصالح التقي… ولا ندري متى ننتقل من هذه المهازل التي أضعفت الجزائر فهزلت مكانتها في العالم، فقد كانت الجزائر أيام كانت في مستوى ثورتها ترتعد لها أبدان النظم والشخصيات المأثرة في العالم –على حد تعبير الأستاذ العربي دماغ العتروس- فلم يكن الجزائري يحتاج إلى جواز سفر دبلوماسي حتى يحترم، وإنما كان اخضرار جوازه الجزائري وحده تسجد له جباه المحترمين تقديرا وإكبارا، أما اليوم فقد أصبح الجزائري معرة بين الناس. روت الأخت خديجة بن قنة أنها تعرضت لمضايقة من قبل أمن المطار في زيارة لها لأمريكا، بسبب أنها جزائرية، إذ سمعتهم يتقاذفون لفظة “إنها جزائرية”.

ومع ذلك نتمنى أن ما يثار من مبشرات من خلال هذه الصراعات بتناول الأسماء والمسميات، أن تكون مبشرات صحيحة وليست أضغاث أحلام، كتمدين الحياة السياسية وتحجيم الأجهزة الأمنية إلى مواقعها الطبيعية العادية وتوسيع دائرة الحريات، أو على الأقل يتحقق غير المراد من واقع أريد له أن يكون بصفة أخرى.

لا شك ان ما يقال عن المسؤولين فيه بعض الحق وليس كله؛ بل إن كل مسؤول عن قطاع عليه من المسؤولية بقدر منزلته فيه، ولكن ذلك لا ينبغي أن يعرض للإدانة السياسية أو التزكية، لأن مكانه الحقيقي واللائق به هو المحاكم وليس الجرائد وتصريحات الخصوم السياسيين…، فبدلا من أن تكون صفحات الجرائد هي المحاكم لقضايا دولة ومحاكمة مسؤولين فيها، ينبغي أن نرتقي بمستوى تحضرنا إلى عرض القضايا والتهم والمتهمين بها في أطرها الصحيحة وهي المحاكم، حتى لا نحولها إلى محاكمة دولة من قبل مسؤوليها، وإذا كان ولا بد من أن تصل الأمور إلى محاكمة نظام والحكم عليه فليكن.. حتى نتخلص منه وتتم نهايته التي أعلن عنها الرئيس الشاذلي بن جديد في خطاب سبتمبر 1988، الذي أعقبته أحداث أكتوبر 1988، عندما قال رحمه الله “القضية قضية سيستام يا جماعة”، ولكن هذا السيستام بكل أسف لم يقتنع بأنه انتهى وعليه أن يسلم المشعل لجيل آخر لا يشبهه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • ابرهيم

    يا استاذ كل الاسماء الذي ذكرتهم هل اختارهم الشعب بالطبع لا كلهم كانوا يطبقوا اوامر اسيادهم من الداخل و الخارج و هل عدم ذكر الرئيس زروال حفظه الله عن قصد ام لا

  • mimoun

    توقف الزمان وانحدرت عقارب الساعة الى الاسفل 6 جامدة لا تتحرك وهنا ,اغلب الدول المتقدمة تكرس قوة العقل لوجستكيا للوصول الى الاهداف بكل واقعية بعيدة عن تسويق الاحلام لشعوبها اذا فشلوا في مختطاتهم يكون مواطنوها حكما لا تاخذه الشفقة والرحمة يعاقب بعقلانية اشد قوة من قوة استعراض الجيش عضلاته ,لا كما يفعل حكامنا في كل مرة يفشلون في كل شيء اول ما يقومون به اخراج الجيوش من الثكنات على شكل تحذير ووعيد كاشارة انهم سيوقفون كل واحد عند حده , ان الشعوب لا تريد اكثر من العيش الكريم والسمو كسائر الشعوب

  • شوشناق

    ياخى لمذا الخوف??.

    فى بريطانية توجد قنات BBC Parliament تدير يوميا 24 على 24 والمواطن البريطانى يستطيع ان يشاهد و يسمع البرلمانيين على المباشر فى كل صغيرة وكبيرة!! هل تريدونا ان نعيش زمن عصر الفحم. لى ما فى كرشو التبن مايخاف من النار. ارحمنا الله يرحمك هل عندنا عدالة مستقيلة مثل بقية الامم!!

  • احمد بوعلال

    مصيبة الدول العربية انها اختصرت الدولة فى النظام والنظام السياسى الحاكم فى شخص وقد اشتهرت هذه الدول بمصطلحات تستعمل كثيرا فى الخطب الرنانة ومنها: الزعيم ـ القائد الضرورة ـ القائد المهم . وغيرها من الغزعبلات فلوكانت لنا عقلية تسيير تعتمد على المؤسسات لا الاشخاص لما اصبحت الدول العربية اكبر مصدر للمشاكل . ولقد اتيحت للجزائر فرصة ثمينة فى ربيع الديمقراطية الذى شجع الرئيس الشاذلى بن جديد على تكريسه حتى تخرج الجزائر من عنق الزجاجة و منح الحرية للاحزاب حتى لا تلجأ للعمل السرى ويكون كل شىء فى شفافية