-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إسلاموفوبيا في بلاد المسلمين

عمار يزلي
  • 849
  • 2
إسلاموفوبيا في بلاد المسلمين

حين يتحدث الإعلام الغربي اليوم، والفرنسي خاصة عن “الاسلاميين” في الجزائر، ينطلق من منطلق إسقاطي، بناء على تجارب في دول عربية وإسلامية غير الجزائر، متهربين من تناول التربة الثقافية والفكرية والدينية التي تشرّب منها هؤلاء “الاسلاميون” بحسب تصورهم وفهمم، وكأن هؤلاء “الاسلاميين”  إنما غُرسوا في مخابر وليس في تربة أصيلة، كان تاريخها ينضح بالإسلام والعروبة الثقافية، التي تعني تشرُّب العادات والثقافات واللهجات والفن والتراث الأمازيغي، الذي لا يمكن بأي حال من الأحول فصله عن الإسلام وتربة هذا البلد منذ الفتح، مرورا بمختلف الأنظمة الإسلامية التي قادها وسيَّرها الجزائريون المسلمون الأمازيغ أصلا، بل أن المغرب العربي برمَّته قد شكَّل دولا إسلامية من تربة الانتماء إلى هذه التربة التي لم تُبن سوى على الانتماء إلى دين واحد موحد؛ فالاسلام في الجزائر -ومنه من يسمّون جورا وتفريقا وتخريبا وتفتنيا بـ”الإسلاميين”- إنما هو جزءٌ من هذه الطبخة لتقسيم المسلمين شِيَعا وفصائل واتجاهات وميول، هي في الأصل ممارسات للفكر السياسي الإسلامي الذي لا يمكن فصلُه كدين عن السياسية بالمطلق، لأنه دين مجتمع وأخلاق وتسيير ونمط عيش وحياة دنيوية وحياة الآخرة.

الاسلاميون في الجزائرين، إذا قبلنا باستعمال هذا التوصيف الإيديولوجي، يوحي وكأنَّ الاسلام إنما خُلق كنسيّا مثل المسيحية، لا يخرج عن دائرة الكنيسة وصلوات الأحد. الإسلاميون هم من تربة هذا الوطن المسلم، كلهم خرجوا من آخر عباءة وهي جميعة العلماء المسلمين التي كان برنامجُها التعليمي والتكويني للنشء مرتبطا باستعادة الهوية التي مسخها الاستعمار بدءا من اللغة العربية والدين عقيدةً وممارسات، كان الشيخ الابراهيمي قد كشفها كلها في جهاده ضد هذه السياسة التفريقية بين المسلمين ونعت جمعية العلماء بـ”الجمعية الوهابية”. هذا هو أول منطلق لنعت “الاسلاميين”، بتيار “الاسلام السياسي”، لدقِّ إسفين بين مسلمي الجزائر.

 رد فعل جمعية العلماء على الاستفزاز الاستعماري باحتفاله بالذكرى المائوية للاحتلال سنة 1930، ورفع شعار “الجزائر الفرنسية”، كان قويا ومدوّيا تحت شعار ابن باديس: العربية لغتنا، الإسلام ديننا، الجزائر وطننا. هذا هو شعار كل “الاسلاميين” اليوم في الجزائر. هذا هو سرّ الهوس الفرنسي اليوم وغدا وقبل اليوم.. بالاسلاميين والاسلاموفوبيا في الجزائر.. حتى قبل الاسلاموفوبيا في فرنسا.. عقر دارها العاقر.

الحركة الوطنية كلها، انطلقت من هذا الانتماء الحضاري التي كانت للحركة الثقافية النهضوية الذي  عرفته الجزائر منذ بداية القرن على يد أنتلجانسيا المدرسة الإسلامية، وكذلك المدرسة “الفرنكو مسلمة”، آثارٌ كبيرة في تكوين الوعي “الثقافي الديني السياسي”، نشَّطتها الصحفُ والنوادي الثقافية التي شكَّلت رحم النهضة الثقافية الجزائرية خلال هذا القرن. فقد برز إلى الوجود هذا التنظيم، بعد حالة تشبِّع فكري يسمح لها باستقبال الخطاب الإصلاحي التنويري الجديد الذي غذّته حركة الجامعة الإسلامية وإنجازات الحركة الوهابية في بلدان المشرق العربي وشبه الجزيرة العربية، والتي تحدَّث عنها الأمير خالد نفسه.

فرنسا اليوم مهووسة ومتوجسة بخوف الأمس من هذا التوجُّه الذي ليس هو إلا توجُّه الأمس القريب. لذا، فإن ضربهم على طبل “الإسلام السياسي” عندنا قبل اليوم ومحاولة استنفار القوى “العلمانية” ضد أي تحرر من التبعية لها، إنما هو “تزميرٌ” ورقص على وقع لحن الأمس.

الجزائر، من خلال بداية تجربة الخروج من فلك فرنسا الاستعمارية الفكرية، لن تعير أي اهتمام لنعيق ولهث من يلهث؛ فالقافلة تسير.. ودوائر الإعلام الاستعماري الذي تصدح.. لن تنجح.. حتى ولو بقيت قرنا.. تنبح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • حقيقة مرة لكنها حقيقة

    وماذا عن الهاويوفوبيا التي تعاني منها الأقليات في البلدان الاسلامية ومنذ قرون من الزمن ؟؟؟

  • عدنان

    ليست المشكلة أن يتحدث الإعلام الغربي ، والفرنسي منه بخاصة ، عن الشعب الجزائري باستخدام هذا المصطلح غير العلمي والمشحون إيديولوجيا ، فهذا الإعلام هو في النهاية في خدمة البلدان التي ينتمي إليها أصالة ويعبر عن مصالحها ؛ إنما الطامة الكبرى هي أن يستخدم هذا المصطلح بحمولة قدحية من قبل القلة القليلة من الجزائريين بما يوحيي بأن الإسلام-دينا وثقافة وحضارة - هو حدث طارئ على هذا الشعب ، تلك هي المشكلة كما أراها. شكرا لك أخي الأستاذ عمار يزلي على هذا العرض الطيب الذي قدمته.