-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إغاثة الفقراء أولى من الاحتفال بـ”الكريسماس” ورأس السّنة

سلطان بركاني
  • 616
  • 3
إغاثة الفقراء أولى من الاحتفال بـ”الكريسماس” ورأس السّنة

تختلف التقديرات حول معدّل ما ينفقه بعض الجزائريين سنويا في احتفالات “الكريسماس” ورأس السّنة الميلادية، بين من يقول إنّه في حدود 500 مليار سنتيم، وبين من يوصله إلى 5000 مليار سنتيم، ومهما أخذنا بأقلّ التقديرات، فإنّ الأمر يتعلّق بمبلغ طائل يُهدر في احتفالات لا علاقة لها بدين الجزائريين ولا بعاداتهم وتقاليدهم، ولا يجني منها المحتفلون قليلا ولا كثيرا، بل إنّها تحرق أموالهم وتخدش دينهم، لأنّها تتضمّن الإقرار بعقيدة النّصارى الباطلة في نبيّ الله عيسى عليه السّلام.

على المستوى العربيّ، تشير الإحصاءات إلى أنّ العرب ينفقون، سنويا، ما يبلغ 2 مليار دولار أي ما يعادل 26 ألف مليار سنتيم، يهدر معظمها في السهرات والخمور وشجيرات “لابيش” والحلوى والهدايا! وبعملية حسابية بسيطة، نجد أنّ هذا المبلغ لو قسّم على العائلات والأسر الفقيرة، لأمكن 13 مليون عائلة عربية، الاستفادة من مبلغ قدره 2 مليون سنتيم، تكفي لتغطية مصاريف التدفئة خلال فصل الشّتاء. وهنا سؤال يطلّ برأسه ويطرح نفسه: لماذا لا نسمع العلمانيين في البلدان العربيّة قبيل موعد “الكريسماس” ورأس السّنة يرفعون شعارات من قبيل: “بطون الجياع أولى”، “الطّواف حول بيوت الفقراء أولى من الطّواف حول شجرة الميلاد”! خاصّة في مثل ظروف هذا العام التي أفرزها انتشار وباء كورونا، حيث توقفت مئات المشاريع، وسرح آلاف العمّال.. لماذا لا يرفع العلمانيون هذه الشّعارات، وهم الذين دأبوا على رفع عقائرهم كلّما اقترب موسم الحجّ من كلّ سنة، لينادوا بتوفير نفقات الحجّ والأضاحي لإنفاقها على الفقراء والجوعى، ويذهب من يذهب منهم بعيدا إلى حدّ الجزم بأنّ الإنفاق على الفقراء والمساكين أولى من بناء الجوامع، مستشهدا بعبارة منسوبة إلى الإمام عبد القادر الجيلالي رحمه الله، نصّها: “لقمة في فم جائع خير من بناء ألف جامع”، ومستأنسا بعبارة أخرى نصّها: “الطواف حول بيوت الفقراء خير من الطواف حول الكعبة”.

العبارة المنسوبة إلى الإمام عبد القادر الجيلاليّ، لو صحّت نسبتها إليه، فهي محكومة بالظّروف التي قيلت فيها، حيث كانت الأيام أيام فاقة ومجاعة، يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: “وقع في العراق غلاء شديد، حتى بِيع من الحرائر ما ثمنه عشرة دنانير بدرهم ولم يجد من يشتريه، وعمّت المجاعة أرجاء البلاد بهلاك الزرع والمواشي، فأكل الناس النخالة والحشيش، حتى إذا فنيت أكلوا جيف مواشيهم وما تطاله أيديهم من دوابّ الأرض، ودام الحال طويلا حتى تكشف المتجملون، وكثر الموت وهلك خلق كثير بالجوع والعطش، حتى كانت الجماعة تدفن في قبر واحد بلا صلاة ولا غسل، وبدأ الناس يأكلون الضعيف فيهم” (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)، والجيلاني نفسه كان يعيش تلك الأيام على الرشاد البرّي وعلى التقاط ورق الخس من نهر دجلة.

فمثل هذه الظّروف، يكون إطعام الجائع فيها مقدّما على بناء الجوامع، أمّا تفضيل إطعام الجائعين على بناء المساجد بإطلاق، فهذا لم يقل به عالم من العلماء، في الأحوال التي ترشّد فيها الأمّة إنفاق أموالها وتمتنع عن إنفاقها في المحرّمات والتفاهات، كيف لو كانت جُلّ أموال الأمّة تنفق في غير محلّها؟ كيف لو كان ما ينفقه بعض المسلمين في الحجّ وفي بناء المساجد لا يكاد يساوي شيئا أمام ما ينفق في بناء الملاعب والمسارح وعلى الفنانين واللاعبين والمغنين، ولا يبلغ ما ينفقه مسلمون آخرون في الخمور والسّجائر وحفلات الأعراس والرحلات السياحية وفي الاحتفال بأعياد النّصارى؟!

نعم. هناك بين المسلمين، من تابعوا بين الحجّ والعمرة، وتركوا أرحامهم وجيرانهم يكابدون الفاقة والفقر، وهناك جمعيات دينية بالغت في زخرفة المساجد إلى الحدّ الذي يكسر قلوب المصلين الذين يكافحون لأجل توفير لقمة العيش لأسرهم! وهؤلاء المبالغون ينبغي أن يعلّموا فقه الأولويات وواجب الوقت، لكن من جهة أخرى لا يصح أن ننادي بترك العمرة والحجّ والتخلي عن بناء المساجد، لأجل إطعام الفقراء، قبل أن نطالب المسؤولين بالكف عن إنفاق أموال الفقراء في التّفاهات، ونطالب الأغنياء والمترفين بالكفّ عن التخوّض في مال الله والكفّ عن إنفاقه في الحفلات والاحتفالات والسّفاهات.. المال هو مال الله والخوض فيه بغير حقّ محرم على من أعطي منه القليل وعلى من أعطي الكثير.. وكما نخاطب من يفكر في الحج والعمرة، ينبغي أن نخاطب، قبله، من يفكر في إحياء “الكريسماس” ورأس السنة الجديدة، ونخاطب من يفكر في إحياء سهرة عرس صاخبة، ومن يفكّر في جولة سياحية إلى حيث “الحرية المطلقة”!

هؤلاء الذين يرفعون شعار “لقمة في فم جائع خير من بناء ألف جامع”، يفترضون أنّ المحتفلين بـ”الكريسماس” ورأس السنة، والمنفقين أموالهم في حفلات الأعراس وفي السياحة، قد أدّوا واجبهم الإنسانيّ تجاه الفقراء، ولم يتخلّف سوى أولئك الذين يرقبون الحجّ والعمرة ويغدقون على المساجد! بينما حقيقة الأمر أنّ رواد المساجد والحجاج والمعتمرين، هم –في الغالب- أكثر النّاس إنفاقا على الفقراء والمساكين والجوعى، فلماذا تقلب الموازين؟!
الحقّ يقال إنّ العلمانيين الذين يرفعون الشعارات المنادية بالإنفاق على الجائعين وترك الحجّ والعمرة وبناء الجوامع، لا يهمّهم إغاثة الفقراء وإطعام الجوعى، بقدر ما يهمّهم تنفيس ضغائنهم على شعائر الدّين، بدليل أنّهم لا ينبسون ببنت شفة إذا ما تعلّق الأمر بالأموال الطائلة التي تنفق على الخمور سنويا، حيث ينقلون بكلّ فخر واعتزاز إحصائيات تفيد بأنّ الجزائريين يحتسون سنويا 200 مليون لتر من الخمور، أي ما تتعدّى قيمته 2000 مليار سنتيم! من دون أن يتذكّر هؤلاء المفاخرون بهذه الأرقام –على التسليم بصحتها!- بطون الجوعى، ولا بيوت الفقراء، مع أنّ هذا المبلغ وحده يتجاوز ما ينفقه الحجاج الجزائريون كلّ سنة!!!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • ثانينه

    المسيحيون لهم جمعيات مختصه في القيام بالاعمال الخيريه طول السنه وخاصه الدين ليس لهم ماوي هده تقاليد قديمه الاسلاميون هم من يامرون الغير بالصدقه وهم لايقومون بدالك لم اشاهد ابدا اماما يتصدق علي الفقراء ربما يوجد البعض ولكن اقليه انهم يقولون ولايفعلون

  • المتأمِّل من بلدي

    إذا تتبّعنا هذا المنطق ، فالفقراء أولى من العمرة والحج، الفقراء أولى من زخرفة المساجد، الفقراء أولى من مباريات الجلد المنفوخ، الفقراء أولى من فتح الملاهي، الفقراء أولى من المبالغة في الأبّهة في المنازل والقصور، الفقراء أولى من التسخيرات الأمنية ووسائل المواصلات المبالغ فيها أثناء زيارات الوزراء والولاة...

  • tadaz tabraz

    إغاثة الفقراء أولى من الاحتفال بـ”الكريسماس” ورأس السّنة .......... لنتعلم أن كل واحد منا يحق له أن يصرف أمواله فيما شاء . ثم هناك من هؤلاء الذين يسمون فقراء من يملكون هواتف نقالة سعرها 5 و6 .. ملايين سنتم لا يملكها حتى الأثرياء وهناك منهم من يرفضون عروض العمل ب 2000 دج يوميا أي 6 ملايين سنتم شهريا لدى المقاولين وهناك فقراء منحت لهم مساكن اجتماعية وبعد أن سلمت له مفاتيحها بأسبوع اشتروا سيارات فارهة بمئات الملايين وهناك منهم من أجروها ب 3 ملايين سنتم شهريا ... وما خفي أعظم