-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إلى الفصائل الفلسطينية.. كلامٌ يجب أن تسمعوه

إلى الفصائل الفلسطينية.. كلامٌ يجب أن تسمعوه

هناك تيارٌ في عالمنا العربي والإسلامي بدأ يتشكل في مخيالنا الاجتماعي والنفسي، وهو ترك الأزمات تتفاقم وعدم السماح لأي كان بأن يخوض في هذه المواضيع، إما لحساسيتها أو لأن المستفيدين من مثل هذه الأزمات لا يريدون حلّها لأن مصالحهم ومواقعهم سوف تتأثر سلبا على حساب القضية والمبدأ.

مبررات هذا التيار الذي يريد أن يحتكر الرأيَ والموقف والتحليل والقرار ألخصها على النحو التالي:

أولا: احتكار قضايا الأمة من قبل طبقة متعجرفة لا تريد أن تشرك أي رأي ولا أن تستفيد من أي جيل، والقضية الفلسطينية خير دليل على ذلك، وللأسف الشديد هذه العقلية تعزّزت كثيرا في التنظيمات ذات التراتبية القيادية المبنية على الولاء وعادة ما يغيب الرأيُ الآخر فيها، لذلك نسمع بين الحين والحين انشقاقاتٍ لقيادات ومناضلين في هذه الفصائل والأحزاب والتنظيمات بسبب غياب الأفق الحر والتداول الديمقراطي لأهم القضايا الداخلية والخارجية، وهذا ليس طبعا في الفصائل الفلسطينية فقط وإنما في أغلب الأحزاب والتنظيمات في العالم العربي والإسلامي.

ما تزال الفصائل الفلسطينية، كما أغلب التنظيمات والأحزاب والجماعات في العالم العربي والإسلامي، تؤمن بثقافة الأتباع والمريدين القائمة على السَّمع والطاعة في المنشط والمكره وتنفيذ الأوامر دون محاولة لقبول النقد أو الرأي الآخر، وكل من يحاول أن يعارض هذه الثقافة المحتومة أو التقليد الديكتاتوري تحت مسميات زائفة فإن مصيره لجان الانضباط التي تفضي بإقصائه.

ثانيا: ممارسة الأبوية إلى حدّ التسلط والديكتاتورية والقمع من قبل الآباء الأوائل الذين حاربوا الصهاينة، شأنهم في ذلك شأن الحكام العرب الذين حرّروا بلدانهم من المستعمِر ثم حكموا شعوبهم بعد ذلك بمنطق الأبوية المقيتة كذلك، واستمرّ حكمُهم تحت راية الحزب الواحد والرأي الواحد والعائلة الواحدة والتوجُّه الواحد، فلا هم خدموا شعوبهم وبلدانهم ولا هم نصروا قضاياهم وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، والأمرُ ذاته ينسحب كذلك على الفصائل الفلسطينية والسلطة الحاكمة في رام الله التي لا تريد أن تتنازل عن الحكم أو السلطة بداعي الأبوية كذلك. والحقيقة أن هذه الذهنية المستكبرة أضرت كثيرا أكثر ممّا نفعت، صحيح أنّ هؤلاء قدّموا تضحيات كبيرة لقضاياهم الوطنية، لكنهم رفضوا الانسحاب وترك المشعل للأجيال المقبلة في أن تصنع قصص نضال ناجحة، على الأقل الأجيال الجديدة لها المقدرة على فهم لغة العصر وتحدياته وإكراهاته المعقدة والصعبة.

ثالثا: ما تزال الفصائل الفلسطينية، كما أغلب التنظيمات والأحزاب والجماعات في العالم العربي والإسلامي، تؤمن بثقافة الأتباع والمريدين القائمة على السَّمع والطاعة في المنشط والمكره وتنفيذ الأوامر دون محاولة لقبول النقد أو الرأي الآخر، وكل من يحاول أن يعارض هذه الثقافة المحتومة أو التقليد الديكتاتوري تحت مسميات زائفة فإن مصيره لجان الانضباط التي تفضي بإقصائه بحجة أنه خرج عن الصف الداخلي وحاول إثارة البلبلة وإفساد روح الوَحدة وأجواء الاستقرار داخل التنظيم. لا يمكن أبدا بناء ثقافة نضالية بهذا المنطق المتصلب والمتحجِّر، والنتيجة انقسامات وانشقاقات وتنابز أدى بالبعض إلى العمالة والعمل مع العدو كردة فعل عنيفة وغاضبة، صحيحٌ أنها خاطئة ولكن الذهنيات المؤسساتية والسلوكيات التنظيمية تتحمّل هذه النتائج الوخيمة على الأفراد والقضية على السواء.

رابعا: تغييب ثقافة الحوار الداخلي والخارجي على السواء وانغلاق كل فصيل على نفسه رأيا وأتباعا وتوجُّها، ولذلك نجد أن كل المبادرات في إطار تقريب وجهات النظر فشلت، ولا أعتقد أن أي مبادرة مستقبلية سوف تنجح في التقريب بين الفصائل الفلسطينية، لأن الذي يتخذ القرار هو النخب التنظيمية المهيمنة على الفصائل والأحزاب والتنظيمات، وهي التي تملك القرار النهائي والذي دائما ما يُتخذ بناء على مصالح الفصيل السياسي وليس دائما القضية أو الشعب للأسف الشديد، وإلّا ألَا يوجد رجلٌ رشيد داخل هذه الفصائل ممن يغلّب المصلحة العليا للبلد والوطن والشعب والقضية؟ لو كان الرأي يُتداوَل بطريقة حرة ونزيهة وشفافة وبمساحات واسعة وكبيرة ومكفولة لما وصلنا لهذه الأوضاع والنتائج والتداعيات البائسة.

خامسا: تغييب صاحب القضية الأهم وهو الشعب الفلسطيني، الغائب والمغيَّب الأكبر، عادة الشعوب تستشار ويؤخذ رأيها وموقفها في الانتخابات، هذه الأخيرة التي ما تزال نقطة خلاف كبيرة جدا وعميقة جدا بين الفصيلين الكبيرين فتح وحماس، وكأن البلد مستقلّ والديمقراطية فيه متأصلة حتى نختلف فيه على استحقاق انتخابي، إنه عبثٌ حقيقي وصراع سيدمر حتما القضية الفلسطينية، لا بسبب الاحتلال فقط ولكن بأيدي أبناء الوطن المتصارعين والمتقاتلين والمتناحرين على قضايا خلافية هي في أغلبها تافهة مقارنة بتحدي التحرير وحلم الاستقلال.

سأحاول أن أختم هذا النقد الجريء وهذا التوصيف لواقع الفصائل في الأراضي المحتلة بمجموعة من النصائح لعلها تجد آذانا صاغية لدى من تبقى من حكمائها ومعتدليها والمخلصين فيها:

أولا: تغليب المصلحة العليا للوطن وللقضية مهما كانت الضغوط أو الاكراهات أو الاغراءات حتى، فلا مبرر لأيِّ صراع أو خلاف أو احتراب تحت الاحتلال وسلب الأراضي وتهجير للسكان الأصليين، ناهيك عن ملفّ الأسرى والحروب والاعتداءات المتكرّرة لجيش الاحتلال من جهة وقطعان المستوطنين من جهة أخرى والتي ازدادت شراسة وتنظيما برعاية السلطات الإسرائيلية وحماية المحاكم القضائية التي أصدرت عديد الاحكام التي شرعنت للمستوطنين جميع تصرُّفاتهم الهمجية، أيُّ وطني فلسطيني يشاهد كل هذه الممارسات ثم ينخرط في الصراع الداخلي والخلاف الفلسطيني الفلسطيني؟

ثانيا: الاتفاق على خارطة طريق عاجلة ومُرضية للجميع تقصى فيها كل النقاط الخلافية تكون بمثابة عقدٍ اجتماعي وسياسي لجميع الفصائل الفلسطينية وملزِمة لها في الوقت ذاته، ولا أعتقد أن إيجاد هذه الأرضية صعب أو مستحيل، فيكفي الاحتلال وهدف تحرير الأراضي قاعدةَ توافق مشتركة وجب على الجميع الاستناد إليها للوصول إلى الهدف المنشود، وإلا فإن القضية الفلسطينية ستراوح مكانها.

ثالثا: شخصيا لا أرى أن ملف الانتخابات الذي استُنفدت فيه كل جهود التفاوض وقبله الصراع سيكون مدخلا للحل، وأطالب من خلال هذا الفضاء كل الفصائل الفلسطينية بعدم طرح هذا الموضوع كلية، لأن الصراع أصلا انطلق بسبب الانتخابات التي فازت بها حماس والتي كانت نزيهة وديمقراطية بشهادة الجميع ثم نشب الصراع بين الفائزين وبين السلطة الفلسطينية الرسمية ووقع الانسداد والانقسام بعد ذلك، ولا أعتقد أن الحديث مجددا على خارطة انتخابية كفيلٌ بتقريب وجهات النظر مهما توصل الطرفان إلى صيغ ستبدو مقنعة أو ناضجة.

رابعا: يجب أن يكون الحل فلسطينيا- فلسطينيا مدعما أو مشفوعا بالأشقاء والأصدقاء فقط الذين يناصرون ويدعمون القضية الفلسطينية، وهنا أقصد بعض الأنظمة والدول العربية والإسلامية التي لا تزال وفيّة لفلسطين المحتلة ولم تهرول إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا لن يكون إلا بأيدي الفلسطينيين وحدهم، فأمريكا مثلا أو روسيا أو الاتحاد الأوروبي أو الدول العربية المطبِّعة لن يكون تدخُّلها أبدا في صالح الوَحدة الفلسطينية أو الحل الفلسطيني أو تحرير الأرض، لأنها مرتبطة بحكم العقيدة السياسية بالكيان الصهيوني، والدول المطبِّعة كذلك ملتزمة بحكم اتفاقيات تم إمضاؤها مع الكيان الصهيوني وبالتالي تغيَّر موقفها كلية من الصراع العربي الإسرائيلي.

خامسا: إنهاء “التنسيق الأمني” مع الكيان الصهيوني والذي يعدّ واحدا من أهم حواجز التقارب بين السلطة الفلسطينية والفصائل المقاومة وفي مقدمتها حركة حماس؛ فمن غير المعقول أن ينجح التفاوض لصالح المشروع الوطني الفلسطيني و”التنسيقُ الأمني” على قدم وساق في اعتقال ومحاصرة الفلسطيني لأخيه الفلسطيني، إن استمرار هذا “التنسيق” سيفاقم حتما الخلاف والصراع والانشقاق لأنه يعدّ عمالة وخيانة لمشروع التحرير وليس له أي مبرر أو مشروعية على الاطلاق.

أختم بالقول إنني قدّمتُ هذا الواقع المزري للوضع الفلسطيني الداخلي بحُرقة وألم وصدق كذلك، ذلك لأنني أؤمن بأن التحرير يجب أن تسبقه وَحدةُ صف حقيقية وأن الخلافات لن تأتي إلا بالخراب وهذا ما أكدته شواهد تاريخية كثيرة ومتعددة، ولعل أبرزها قول الله تعالى في محكم تنزيله الخالد: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” وهي آية مدوِّية وخطيرة العواقب لمن يبتلى بالنزاع والفشل وذهاب الريح، فكروا رجاء ولا تعفّنوا الأوضاع أكثر ما هي متعفنة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!