-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنها لحظة تحوّل في مجال التعليم!

إنها لحظة تحوّل في مجال التعليم!
ح.م

ما عاشته المؤسَّسات التعليمية في معظم بلدان العالم، الفقيرة منها والغنية، خلال النصف الثاني من السنة الدراسية 2019-2020 يبيّن أننا دخلنا عهدا جديدا في حقل التعليم، فقد عكفت سلطات كل بلد على البحث عن أنجع الحلول حتى لا تنتهي السنة الدراسية بالإعلان عن “سنة بيضاء”. وكانت السُّبل المستغلة ترتكز على التعليم عن بُعد والدروس المتلفزة.

 الجائحة فاجأتنا!

لم تكن الإدارات التربوية، بمختلف مستوياتها، مستعدّة لهذا التحوّل، ولا المعلمون والأساتذة مُدَرّبين على أداء مهامّهم بهذا الأسلوب الجديد في التلقين والاتصال بتلاميذهم وطلابهم. كما أن هؤلاء التلاميذ وجدوا أنفسهم في وضع غير مألوف وأمام طرق تدريس لم يستوعبوها، فراحت كل فئة تجتهد لتتأقلم مع هذا الواقع الجديد، والكلّ يكتشف، ويتعلم من بروز هذه الظاهرة التي ما كانت لتؤثّر بهذا الشكل لولا طول مداها.

وهكذا تمّ تجنيد كل المتخصِّصين في تكنولوجيا المعلومات حول العالم لتسهيل أداء مهمة المدرِّس. كما ساهم القطاع الخاص في هذه العملية الفريدة من حيث الانتشار وطول المدة. ذلك ما ينبِّئ بثورةٍ على الأبواب في حقل التعليم رغم نقص البيانات التقييمية إلى حد كبير، لاسيما تلك التي تُعنى بمدى نجاح العملية. ومع ذلك يُلاحَظ في التقارير أن الدول الآسيوية -وعلى رأسها الصين- متفائلة.

أما في البلدان الغربية التي استأنفت الدراسة الحضورية فتميل إداراتها إلى القول إن ظروف الاستئناف جيدة، وأن السلطات هيّأت كل مستلزمات التعليم العادي. لكن ذلك ليس هو رأي الأسرة التربوية التي تتساءل حول مدى نجاعة الانتقال من مرحلة إلى أخرى (الحضوري/ البُعدي/ الحضوري…).

وماذا عن التقييم والدعائم التربوية والفروض المنزلية ومراقبة الحضور عن بُعد؟ وهل يتعيّن إرساء دوام عن بُعد للإجابة عن الأسئلة على مدار الساعة؟ تلك بعض التساؤلات التي لا زالت مطروحة.         لقد أصبح التعليم الرقمي اليوم من الأولويات في كثيرٍ من البلدان، وصار تطويرُه الشغل الشاغل للواقفين على مجال التربية. وظهرت الحاجة إلى تكثيف الإنتاج الرقمي وتحسين وسائله. وذلك لجعل المدرِّسين والتلاميذ يستغلونه أحسن استغلال.

وتجدر الإشارة إلى أن سلطات بعض البلدان ذهبت حتى إلى تمويل شراء الحواسيب واللوحات الإلكترونية لفائدة التلاميذ وتزويدها بالبرمجيات المناسِبة لتلقّي الدروس عن بُعد. لكن هذا الجانب المادي لا تقدر عليه كل الدول ذات الميزانيات المحدودة. والواقع أن هذه المسألة تهمّ أيضا المعلم الذي لا تتوفر لديه الإمكانات اللازمة لأداء مهمَّته عن بُعد في كثير من الدول. في فرنسا مثلا، بيّنت التحقيقات أن 47 % من المدرِّسين كانوا يستعملون أجهزة يتقاسمونها مع أبنائهم، وأن 42% منهم يتقاسمون تلك الأجهزة مع أزواجهم. وفضلا عن ذلك، فهناك الكثير من الأسر ليست مرتبطة بشبكة الإنترنت. وهذا الوضع نجده حتى في الدول الأوروبية.

متطلبات المستقبل

إذا كان الارتجال هو الذي ساد في بداية جائحة كورونا، فلا بدَّ اليوم من وضع المخططات البعيدة المدى وإدراج مناهج تعليمية ذات وجهيْن، حضورية وبُعْدية، تراعي أيضا تكوين المدرِّسين بكل مستوياتهم. فقد أظهرت التحقيقات بوجه خاص، أن عددا كبيرا من المعلمين اضطر إلى تعلُّم سبل التدريس عن بُعد خلال الحجر الصحي الذي فُرض في كثير من البلدان. وينبغي من الآن أن يتزود كل معلم في بيته بمستلزمات متطوِّرة للقيام بالتدريس الرقمي وكذا التدريس الهجين (حضوري/ بُعدي).

وما يلاحظه المتتبعون عبر العالم أن عدد المدرّسين الذين كانوا يتقنون قبل جائحة كورونا فنّ التعليم عن بُعد كان متواضعا؛ وعندما اضطرّ الجميع إلى الاهتمام بهذا الموضوع امتعضت منه الأغلبية، على الرغم من أن متخصّصي تكنولوجيا المعلومات وجدوا فرصتهم الذهبية لدعم مكانتهم الاجتماعية، ومدّ يد المساعدة لمن يطلبها!

ومن المتطلبات أيضا تدريب التلاميذ أثناء الدروس الحضورية على كيفيات تلقّي التعليم عن بُعد، واضعين في الحسبان أن خلال التلقّي البُعدي سيكون التلميذ مستقلا في تسيير جهازه والأدوات الرقمية التي توضع تحت تصرُّفه. كما يتوجّب تزويدُ المؤسسات التعليمية بالمستلزمات التقنية وتدريبها على تسييرها. وفي كل الأحوال، علينا أن نعي بأنّ من الشروط الأساسية لنجاح عملية التعليم عن بُعد ارتفاع تدفّق شبكة الأنترنت حتى تفي بحاجة الدروس المتوازية وكثافة عدد المتتبِّعين لتلك الدروس.

وعلى كل حال، فليس لدى الخبراء في الوقت الراهن سوى انطباعات أوّلية لا تمكّنهم من تحديد الكيفية التي سيكون عليها التعليم مستقبلا. ومع ذلك، فما يلاحظونه بشكل صارخ هو التفاوت في الإمكانات المتوفرة لدى التلاميذ من دولةٍ إلى أخرى، بل بين تلاميذ البلد الواحد حسب المكانة الاجتماعية للأولياء ومستواهم الثقافي، والمنطقة التي يقيمون فيها.

ولا شك أن الفوارق ستظل قائمة، كما هو الحال في التعليم الحضوري، لكن التقليص منها واجبٌ على كل السلطات. ثم إنه يتعيّن مراعاة خصوصيات كل أنواع التعليم: فالفروع التقنية والطبية في الجامعات تحتاج إلى مخابر وتداريب وإجراء تجارب، ولذا لا يمكن أن توضع مناهجها بنفس الكيفية التي تعمل بها الفروع الأدبية. كما أن خصوصيات التعليم الابتدائي ليست كتلك التي يتميّز بها التعليم الثانوي، إلخ.

وما يؤكده الأساتذة والمعلمون اليوم أن التدريس عن بُعد يتطلب مدة تحضير أطول من تلك التي يتم فيها التدريس الحضوري؛ وغالبا ما يفتقر هذا النوع من التعليم إلى تحسّن في التحصيل العلمي، ما يترتب عنه رضا محدود. ومع ذلك، ينبغي ألا نملّ من مواصلة تطوير الأساليب.

وفي هذا السياق، يرى المدافعون عن التعليم عن بُعد بأن تطور التعليم الرقمي لا بد أن يدعم جانب “تدويل المناهج”؛ فمن شأن ذلك، ظهور بدائل متنوعة للتلميذ والطالب، فضلا عن تخفيف أعباء الدراسة في الخارج للراغبين في التسجيل بجامعات بعيدة عن أماكن إقامتهم. غير أن كل هذه التطورات المرجوّة تستدعي تخطيطا استراتيجيا وتمويلا مناسبا حتى تتحقق الأهداف في آجال معقولة.

في الختام، يمكن القول إن الهدف الآن واضح، وهو تقديم رؤى تعليمية جديدة لتلاميذنا وطلابنا ومُدرِّسينا ولمؤسَّساتنا ومجتمعاتنا، ومن ثمّ دفع التعليم عن بُعد في كل مراحله لتتساوى مكانته، أو تفوق، مكانة التعليم الحضوري. والموضوع الذي يجتهد فيه الجميع هو: كيف يتمّ ذلك حتى تحدث الثورة التعليمية التي توقعها الخبراء قبل عقد من الزمن؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • Soumaya Belabbes

    للأسف التعليم في الجزائر يحتضر. المشكلة الأولى تكمن في إسناد المهام لغير أهلها. مشكلة التعليم عن بعد + الحضوري رغم المعيقات المادية ليست بالغة الصعوبة إن وجِدت نية صادقة تريد تحقيقها.

  • HECHAICHI

    شكرا على مقالاتك في هذه الجمهورية القديمة الجديدة (أو الجديدة القديمة)

  • maafi djamel

    قبل ان نتكلم على هذا النمط من التعليم علينا ان نتسائل هل ان الإطار التربوي مستعد لهذ النمط من خلال مسؤوليه واساتذته وغلأمكانات المتوفرة حيث قمت بهذه التجربة منذ سنة 2013 بثانوية بوسام محمد الشريف ببرج بوعرلايريج بإدخال التعليم الرقمي بشقيه الإقامي من خلال إنشاء الأقسام الرقمية او البعد من خلال إنشاء منصة للتعليم الإفتراضي لكن وجدت عراقيل من طرف مسؤولي القطاع مدراء التربية وحتى الوزارة ممثلة في الوزيرة بن غبريط رغم مراسلاتي لها لكنها لم تعر للعمليةاهمية

  • maafi djamel

    لقد قمت بتجربة إدخال الرقمي في الثانوية التي كنت اشرف عليها بثانوية بوسام محمد شريف ببرج الغدير كمدير بشقيه الإقامي من خلال إنشاء اقسام رفمية او إنجاز منصة للتعليم البعدي( التعليم الإفتراضي) سنة 2013
    لكن للاسف تعرضت لعراقيل كبيرةمن طرف مدراء التربية وحتى من وزارة التربية ممثلة في وزيرتها بن غبريط
    ففي غياب وعي حقيقي باهمية تطوير الية التعليم فلا اعتقد انه تحدث طفرة في هذا المجال في ظل تحجر المسؤولين عن قطاع التربية

  • محمد

    ملاحظاتك تهم الدول المتقدمة البعيدة عن مجالنا الفكري.ما شهدناه في بلدنا هو انعدام التواصل بين جهاز التعليم دون استثناء ومن كانوا يتلقون الدروس من التلاميذ.الأسباب المعلنة لانعدام التواصل تواجد وسائل الاتصال الرقمية لدى الطرفين بينما سخرت التلفزة والإذاعة كلها للترفيه المنحط وشرح وباء جائحة الكورونا ليل نهار حتى أصبح الجميع أطباء دون أن ننسى الحصص المركزة حول النشاطات السياسوية.هذا الاهتمام المنعدم بمستقبل أبنائنا وتربيتهم من طرف من أنيطت بهم هذه المهام يؤكد لمن يعنيه انقاذ المجتمع أننا في الواقع بعيدون جدا عن مواكبة الشعوب التي تهتم بمواطنيها.للإشارة فإن الطرق كانت زاخرة بالمتجولين مدة الحجر