-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ابتسامة‮ ‬يا‮ ‬محسنين

ابتسامة‮ ‬يا‮ ‬محسنين

أحد الحلول المقترحة – وربما التي لا مفرّ منها – لتفادي كارثة اقتصادية كبرى قد تهبّ على الجزائر في حالة نفاد النفط، هي السياحة، رغم أن أكثر المتفائلين في عالم السياحة، “متشائم”، بإمكانية النهوض بهذا القطاع، أو اللحاق بدول الجوار، ولا نقول دول السياحة الكبرى في العالم، التي صارت تجني ملايير الدولارات من الصناعة السياحية، والتشاؤم ليس وليد قنوط من تحسّن أداء السلطة التي عجزت عن تقديم فنادق محترمة، أو بنوك محترفة، كما هو حاصل في كل بلاد العالم، وإنما أيضا بسبب عدم تقبل الجزائري للآخر، وعدم تمكنه من تجاوز عقدة “العبوسة‮” ‬التي‮ ‬تلازمه‮ ‬حتى‮ ‬في‮ ‬أفراحه‮ ‬وأعياده،‮ ‬ليس‮ ‬مع‮ ‬الآخر‮ ‬ومع‮ ‬أقرب‮ ‬الناس‮ ‬إليه،‮ ‬وإنما‮ ‬أيضا‮ ‬مع‮ ‬نفسه‮.‬

في جولة قادتنا إلى أندونيسيا، هالنا توزيع الابتسامات بين المواطنين، وعلى زائريهم، فلما سألنا عن السبب، جاءتنا الإجابة بسؤال آخر، عن سرّ “العبوس” الذي يطبع الجزائري، حتى تخال أنه يعيش في مأتم مزمن، إلى درجة أن الكوميديين في الجزائر لا يبتسمون، وحتى العرسان تجدهم‮ ‬أقرب‮ ‬إلى‮ ‬الحزن‮ ‬منهم‮ ‬من‮ ‬الفرح‮.‬

وإذا كانت الأخبار التي تتهاطل على المواطن يوميا، تشل شهيته لإطلاق ابتسامة، وربما نسي ممارسة هذه الخصلة “النبوية” التي اعتبرها خاتم الأنبياء والمرسلين من الصدقات، فإن الأمل لا يمكن أن يكون من دون الابتسامة ورسمها على وجوه الأطفال على الأقل، بعد أن بلغ الكبار مرحلة العبوس المزمن الميؤوس من الشفاء منه، في دول عديدة إفريقية وآسيوية يواجه الناس الفقر والحرمان والمرض بالابتسامة، التي تمنحه وتمنح متلقيها الأمل في المستقبل، بينما يفرض المسؤولون الكبار على المواطنين عندنا جثثهم وعبوسهم على مدار عقود، حتى صار من الصعب أو من المستحيل التقاط صورة باسمة، ولا نقول ضاحكة لأي مسؤول جزائري، بالرغم من أنه يعيش ما يشبه التخمة المالية، وورث المواطنون هذه “العبوسة”، وصار من المستحيل أن تجد نادلا أو تاجرا أو عاملا في قطاع السياحة، أو مستقبلا في الفنادق، أو مضيفة طيران، أو حتى رجل‮ ‬فكاهة،‮ ‬يطلق‮ ‬ابتسامة‮ ‬ولو‮ ‬خافتة،‮ ‬ولن‮ ‬نتحدث‮ ‬عن‮ ‬بقية‮ ‬المواطنين‮ ‬الذين‮ ‬قرروا‮ ‬أن‮ ‬يعيشوا‮ ‬هذا‮ ‬الاحتباس‮ ‬الشعوري‮.‬

في أندونيسيا يوجد أكثر من ربع مليار نسمة، عاشوا فقرا مدقعا في زمن تواجدهم ضمن البلدان المصدّرة للنفط، ومع ذلك كان عنوان حياتهم أن يواجهوا مشاكلهم بالابتسامة الدائمة المرسومة على شفاه كل الاندونيسيين بدون استثناء، ويعيشون الآن رخاء بعد ثورتهم الصناعية، رغم نفاد النفط الذي حوّلهم إلى بلاد مستوردة للنفط، وبقي عنوان حياتهم هذه الابتسامة التي ترتسم على محياهم وهم يدخلون نحو عالم الكبار العشرة في العالم، ولا نظن أننا ونحن نتمرغ في حقل النفط بهذا العبوس قادرون ـ على مشارف نفاد النفط ـ أن نرسم هذه الابتسامة التي صارت‮ ‬عنوانا‮ ‬في‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬بلاد‮ ‬العالم‮.‬

قديما‮ ‬سأل‮ ‬أحد‮ ‬التلاميذ‮ ‬القائدَ‮ ‬المسلم‮ ‬صلاح‮ ‬الدين‮ ‬الأيوبي،‮ ‬عن‮ ‬سبب‮ ‬عبوسه‮ ‬الدائم‮: “‬لماذا‮ ‬لا‮ ‬تبتسم‮ ‬سيدي‮”‬؟‮ ‬فرد‮ ‬صلاح‮ ‬الدين‮ ‬الأيوبي‮: “‬‭ ‬أأضحك‮ ‬والقدس‮ ‬في‮ ‬أيدي‮ ‬النصارى‮” .. ‬فما‮ ‬جواب‮ ‬الجزائريين؟‮   ‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • بدون اسم

    لكل هم أو حزن أوكرب أوألم نفسي أواحساسي ظهور بدرجات متفاوتة مرةشهدنا عروس تتصدر وهي كاتمة على نفسها ولا تظهر منها ابتسامة فقلنا لا بد ان يكون هناك سبب عرس بدون ابتسامة العروس ناقص وبعد زمن غير بعيد عرفنا ان جدة العريس توفيت في ذلك اليوم وكتمو ا الخبر حتى ينتهي العرس

  • بدون اسم

    كان عندي شعور صفر في المائة واقول واناابتسم انا في حيرة من امري

  • موسطاشة

    لماذا دائما الجزائري هو من يتفنن في "تعبيس" الجزائري بينما الأجنبي و بلكل عنفوان و صدق يكرم أخلاقه ؟

    لما لا تتكلم عن الإبتسامة الحقيقية التي ينفرد بها شعبك يا عبدالناصر ألا و هي ابتسامة القلوب ؟؟؟؟

    أنا لم أفهم بعد هذا الفن الذي ينفرد به بعضنا على بعض و هو الإنقاص دائما من شأننا ؟ مع ترجيحي أن هذا الأمر ناتج عن تربية الجدود لنا حين ربونا على اجتناب عين الحسود حتى أصبحنا نتوجس من العين لدرجة إخفاء و حتى جلد الذات مقابل إبعاد أعين الحساد عنا.

  • بدون اسم

    لا اقول ان الجزائري انسان مجمد الاحساس مجلد من النقد السلبي يحسن جلد الذات لا يعرف للرومانسية الا انها كتاب لفيكتور ايقو الذي جعل من البؤس احلى موضوع وارق حالة يمكن وصفها باجمل بيان لغوي لان الادب فيه جمال لا يراه الا فنان يحب الرسم والايقاع الحسي الذي لا يستطيع ان يبيع شيئا منه ويتقاسم الابتسامة بينه وبين من علمه الهدوء وعدم السخرية والضحك من قلة الادب فالاديب يبتسم ليصنع البؤساء وانت تفتخر وانا منهم

  • بدون اسم

    الم تحس انك احسنت لي ليبارك الله فينا لخير كله

  • عبد الجليل

    سي عبد الناصر قد سبق المولود إلى الملاحظة فهل تجد لنا مستقبلا صورة للابتسامة في ألبومك القديم أم عليك أن تأخذ صورة جديدة؛طبعا لتكون صاحب السنة الفعلية والقولية ولا تخالف اقوالك أفعالك كعادة كثير من الصحفيين .

  • mouloud

    شكرا عبد الناصر على نصحك لنا بالابتسامة فهي من نصح نبينا عليه الصلاة والسلام كما ذكرت .....لكن انصحك ايضا بالابتسامة في صورتك, فانك عبوس جدا !!!! صورتك لا تلائم حيويتك في النقد البناء على صفحات الشروق, فعليك استبدالها.

  • علي

    نفس الجواب.

  • سيف

    قسمتني بهذه الكلمات، و جعلتني ابتسم في نفس الوقت طوال قراءتي لها، فعلا ذاك واقعنا و هو نابع من ترسبات فكرية كثيرة و فقر ديني و كل ذلك متوارث عبر التربية الأسرية، نسأل الله أن يغير ما بأنفسنا.

  • بدون اسم

    أحيانا أكتئب دون سبب ظاهر أو ربما لأن الأسباب المزمنة أصبحت تتعايش معي دون ان تظهر، حتى يخيل إلي أنني هربت من رواية "فيكتور هيقو" << البؤساء >> .
    وأحيانا أخرى أحس من شدة سعادتي أنها لو قسمت على من في الأرض جميعا لوسعتهم ... أتدرون ما مصدر هذه السعادة ؟ عندما أؤمن بقدر الله وأوقن أنه لو اجتمع أهل السماوات والأرض على أن يضروني بشيء لم يكتبه الله لي ما استطاعوا شيئا .. عندما تسمو هذه الروح عن عالم السفليات وتسبح في كون خالقها الفسيح ترى أن هذه الدنيا بما فيها لا تساوي جناح بعوضة.