-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأقلُّ سوءاً في سوريا

حسين لقرع
  • 2673
  • 3
الأقلُّ سوءاً في سوريا

أثناء زيارته للجرحى السوريين الذين يُعالجون في مستشفيات صهيونية ميدانية منصّبة في الجولان المحتلّة، حرص رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، على اصطحاب مختلف وسائل الإعلام العالمية المؤثّرة لنقل هذا “الحدث” للعالم، وإظهار كيانه بمظهر “إنساني” راق، ومحو ما علق في ذاكرة الشعوب من جرائمه الشنعاء بحق الفلسطينيين والعرب.

الزيارة أحرجت المعارضة العلمانية السورية، التي كانت تريد أن يبقى الأمرُ في طي الكتمان، فأصدرت بياناً “ندّدت” فيه باستغلال نتنياهو آلام جرحاها لـ”تبييض صورته أمام الشعوب العربية”، مع أنها هي التي منحته هذه الفرصة الذهبية لفعل ذلك، فلماذا أرسلت جرحاها إلى مستشفيات العدوّ الصهيوني، بدل أن تبعثهم إلى الدول العربية والإسلامية المجاورة، وفي مقدّمتها الأردن ولبنان وتركيا، إذا تعذّر عليها علاجُهم في الداخل؟

المجاهدون في الثورة التحريرية كانوا يقومون بــ”تهريب” جرحاهم من مستشفيات الاستعمار التي كان ينقلهم إليها للعلاج بعد الاشتباك معهم والقبض عليهم جرحى، وينقلونهم إلى الجبال لمواصلة علاجهم بإمكانات طبية بسيطة قد تعرِّض حياتهم للخطر، أما المعارضة العلمانية السورية، فهي لا ترى ضيراً في إرسال جرحاها إلى الجولان المحتل حيث نصّب العدوُّ الصهيوني ما أسماه “مستشفيات ميدانية” لعلاجهم، وغالباً ما يتمّ نقلُهم إلى فلسطين المحتلة بذريعة أن مستشفيات العدوّ هناك تتوفر على وسائل علاجية أكثر تطورا ونجاعة، وهي بذلك تمنحه فرصة نادرة لتبييض صورته القبيحة أمام العالم، ثم تصدر بياناً تتباكى فيه على إظهار صور الجرحى لوسائل الإعلام العالمية وتعاتب الصهاينة على عدم تكتمهم وتقول إن هذه الصور “توحي بأن هناك علاقة بينها وبين الحكومة الصهيونية” وكأنها تتبرأ من هذه العلاقة التي باتت معروفة لدى الجميع.

حينما سقطت “القصير” في يد الجيش السوري وحزب الله، تبيّن أن هناك أسلحة ومُعدّات قتالية صهيونية متطوّرة كانت بيد المعارضة، وعندما قام الطيرانُ الصهيوني بقصف مواقع للجيش السوري في دمشق، أبدت المعارضة العلمانية المسلحة ابتهاجها العميق بالعدوان، وأعلن أحدُهم لقناة صهيونية تأييده له، وها هي المعارضة تبعث الآن أكثر من 500 جريح للعلاج في الجولان وفلسطين المحتلتين تحت غطاء “الضرورة”، ثم تتبرأ بكل بساطة من أي علاقة بالصهاينة، أليس هذا ضحكاً على الذقون؟

الشعب السوري ثار على النظام الاستبدادي لانتزاع حقوقه في الحرِّية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وليس من أجل تطبيع العلاقات مع الصهاينة والتمهيد لتوقيع اتفاق كامب ديفيد، جديد معهم لاستعادة الجولان على طريقة سيناء والتخلي عن دعم المقاومة وبيع القضية الفلسطينية كما فعل السادات، ولذلك لا نعتقد بأن هذا الشعب سيرضى بأن تجرّه المعارضة العلمانية إلى هذا المسار إذا نجحت في الوصول إلى الحكم، أو يرضى باستقوائها حالياً بأمريكا والكيان الصهيوني، والدول الإقليمية المنبطِحة للوصول إلى الحكم بأيّ طريقة.

المعارضة العلمانية تمنح بسلوكاتها هذه حججاً قوية للنظام لتأكيد أطروحته بأن الصراع ليس بين نظام شمولي أحادي، ومعارضة تريد فرض الديمقراطية، بل هو بين نظام “ممانع” ينصر المقاومة ويقف في محور “الممانعة” مع حزب الله وإيران، وبين معارضةٍ عميلة للصهيونية ولأمريكا ولدول “الاعتدال” العربي المنبطِحة لهما.

في التسعينيات، دفع إمعانُ الجماعات الإسلامية المسلحة في التجاوزات والإسراف في سفك الدماء، الجزائريين إلى “الاحتماء” بالنظام الذي نبذوه قبل ذلك في الانتخابات، حفاظاً على أرواحهم، وكان ذلك عاملاً رئيساً في حسم الصراع لصالحه عسكرياً، والآن تقع المعارضة السورية في خطأ مشابهو ولا تتردَّد في التعامل مع العدوّ الصهيوني والاستقواء به، وبالغرب دون أدنى اكتراث بغضب الشعب السوري الذي قد يعود إلى تأييد النظام وهو له كاره، لأنه سيراه، برغم استبداده وجبروته، “الأقلّ سوءاً” من هذه المعارضة العميلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • أبو علي

    لماذا يا أستاذ حسين كلما ذكرت في مقالك كلمة "معارضة" إلا وأتبعتها بكلمة "علمانية" ؟ فعن أية معارضة علمانية تتحدث ؟ كأنك تريد تبرئة المعارضة المسماة "إسلامية" من هذه الخطيئة. لم يعد ممكنا تغطية الشمس بالغربال لأن العالم أصبح قرية صغيرة، والمواطن العربي يعرف جيدا أن لا وجود لما يسمى بالمعارضة العلمانية في سوريا، الجيش الغير حر إنتهى، والمسيطر على الساحة في المعارضة هم "داعش" و"جبهة النصرة" و "الجبهة الإسلامية". فأين هي المعارضة العلمانية ؟

  • الياس

    الحمد لله انك قلت المعارضة العلمانية ولم تقل الدولة الاسلامية في العراق والشام

  • العربي

    غريبة اين وجدت ان المعرضة ارسلت جرحها الي الكيان والناس هناك يعلمون انهم عبروا خط االتماس هربا من القصف والقتل . كل ما اوردته هو اعادة كلام الصحف الموالية لنظام السوري ....وهذا مراد النظام بعد 4 سنوات من الحرب علي الشعب ليقول في الاخير يا ترضون بي و بجبروتي او الاستمرار في الحرب و التدمير ......ولا واحد يتجرأ يقول يديك ملطختين بالدماء لا يمكن ان تحكم وهذ واحد من الحل هو ذهاب بشار