-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأمة‮ ‬الشاهدة

الأمة‮ ‬الشاهدة

إن الله – عز وجل – هو الذي حدد موقع هذه الأمة فجعلها أمة وسطا، حيث يقول سبحانه وتعالى: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا”. ومن تقديراته -عز وجل – وكل شيء عنده بقدر- أن هذه الآية الكريمة تحمل رقم 143 من سورة البقرة، وهو منتصفها بالضبط، مما يدل دلالة كبيرة على وسطية هذا الدين الحنيف، الذي أكمله الله – عز وجل – وأتم به نعمته الشاملة، ورضيه لمن كان له قلب، وألقى السمع، ولم يخرَّ عليه أصمَّ أعمى، ولم يصد عن سبيل الله، الذي هو الأصدق قيلا، والأهدى سبيلا، ودليلا.

  • وقد‮ ‬جاء‭ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الآية‮ ‬نفسها‮ ‬قول‮ ‬ربنا‮ – ‬سبحانه‮ ‬وتعالى‮:‬‭ ‬‮»‬لتكونوا‮ ‬شهداء‮ ‬على‭ ‬الناس،‮ ‬ويكون‮ ‬الرسول‮ ‬عليكم‮ ‬شهيدا‮”‬،‮ ‬فالموقع‮ ‬الوسط‮ ‬يسمح‮ ‬بأداء‭ ‬هذا‮ ‬الدور،‮ ‬والقيام‮ ‬بهذه‮ ‬المهمة،‮ ‬لأنه‮ ‬يتوسط‮ ‬طرفين‮.‬
    إن‮ ‬الأمة‮ ‬الإسلامية‮ ‬هي‮ ‬الأمة‮ ‬الوحيدة‮ ‬المؤهلة‮ ‬للشهادة‮ ‬على‭ ‬غيرها‮ ‬من‮ ‬الأمم،‮ ‬لأنها‮ ‬تملك‮ ‬المنهاج‮ ‬الأقوم،‮ ‬والنظام‮ ‬الأكمل،‮ ‬والأشمل،‮ ‬والأمثل‮.. ‬ولا‮ ‬أعني‮ ‬بـ‮ “‬المثالية‮”‬
    ما يعنيه الكائدون للإسلام، المتربصون به من أنه غير واقعي، أي غير صالح للتطبيق، “كبرت كلمة تخرج من أفواههم”، لأنهم بكلمتهم تلك يصفون الله – سبحانه وتعالى – بـ”العبثية”، إذ أنزل دينا غير صالح، وغير قادر على معالجة قضايا الناس وحلها حلا ناجعا..
    ونحن – المؤمنين بدين الله الحنيف – مقتنعون اقتناعا عقليا بأنه دين واقعي يعالج واقع الناس بما يؤدي – عند تطبيقه – إلى قيام مجتمع مثالي.. ويحسن أن أذكر هنا بما جاء في المصادر الإسلامية من أن الخليفة أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – عين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قاضيا في المدينة المنورة، وبعد فترة من الزمن استعفى عمر أبا بكر، أي طلب منه إعفاءه من هذه الوظيفة، فسأله أبو بكر عن سبب هذا الاستعفاء، فأجابه بما معناه بأن كل فرد عرف واجبه فأداهُ، وعرف حقه فأخذه..
    إن الصفة الأساسية في الشاهد هي اليقظة الدائمة والحضور المستمر، فلا يمكن لغائب غيابا ماديا أو معنويا، أو لنائم أن يؤدي الشهادة، ولا يقظان حقيقي ولا حضور واع، غير المسلمين الحقيقيين، فهم “يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا‮ ‬ما‮ ‬خلقت‮ ‬هذا‮ ‬باطلا‮…”‬
    إن الشاهد هو الأمة الإسلامية كلها.. “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا”، ولكن هذه الأمة قد يُفَرط أكثرها فيما أوجبه الله، فيخل بهذه الرسالة، أو هذه المسئولية أو يخونها – بالتعبير القرآني –  “يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون”، وعند ذلك يكون الشاهد طائفة من هذه الأمة ترابط على مبادئ الإسلام، وتعتصم بحبل الله، وتصبر على ما قد يصيبها من سوء بسبب محافظتها على الأمانة، وأدائها للشهادة، فإن لم تكن هذه الطائفة الظاهرة على الحق، القائمة بأمر الله، فقد يكون الشاهد عبدا من عباد الله، يربط الله على قلبه، ويؤتيه رشده، ويثبت قدمه.. فإن لم يكن ذلك فقد يأتي أمر الله – عز وجل – وهو : »وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”، ونعوذ بالله من ذلك…
    إن الشاهد بمعنى الأمة كلها غير موجود منذ مدة ليست بالقليلة، ولكن هذا الشاهد موجود في صورة “طوائف” و”أفراد” على طول الرقعة الإسلامية، وفي خارجها أيضا .. وهذه “الطوائف” و”الأفراد” يجاهدون جهادا كبيرا على جبهتين:
    ‭*‬‮) ‬جبهة‮ ‬داخلية‮ ‬بِهزّ‮ ‬هذه‮ ‬الأمة‮ “‬فَلَربما‮ ‬حَيِيَ‮ ‬الخشب‮” ‬لإعادتها‮ ‬سيرتها‮ ‬الأولى،‮ ‬مؤمنة‮ ‬بالله،‮ ‬عابدة‮ ‬له،‮ ‬مُحكمة‮ ‬ومتحاكمة‮ ‬لشرعه‮ ‬لا‮ ‬تبغي‮ ‬به‮ ‬بديلا،‮ ‬ولا‮ ‬تريد‮ ‬عنه‮ ‬حولا‮…‬
    *) جبهة خارجية، بتبليغ دين الله للناس كافة، ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، خاصة أنها تسمع استغاثات تنبعث من الغرب لإنقاذ الإنسانية من أخطار يراها أصحاب تلك الاستغاثات قريبة، ويراها السفهاء من الغربيين ومن “المسلمين” مستحيلة أو بعيدة.. ومن هذه الاستغاثات،‮ ‬استغاثة‮ ‬هوفمان‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ “‬الإسلام‮ ‬كبديل‮”‬،‮ ‬واستغاثة‮ ‬رجاء‭ ‬غارودي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ “‬وعود‮ ‬الإسلام‮”‬،‮ ‬واستغاثة‮ ‬الراهب‮ ‬السويسري‮ ‬هانس‮ ‬كونج‮ ‬في‮ ‬كتابه‮  “‬الإسلام،‮ ‬رمز‮ ‬الأمل‮”‬‭ ‬وغيرهم‮…‬
    إن ما يجري في العالم الإسلامي – مشرقا ومغربا – يبشر بأن هذه الأمة قد بدأت تستيقن أنها ضلت حينا من الدهر عن سواء السبيل، وأنها عازمة على التطهر من “الأصنام” البشرية التي أضلتها، ومن الأنظمة الفاسدة التي فُرضت عليها، وأنها عازمة على العودة إلى ربها عابدة، وبشريعته‮ ‬ملتزمة،‮ ‬وعلى‭ ‬الإنسانية‮ ‬شاهدة‮.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • محمد ، ق . غرداية

    بارك الله فيك ـ أستاذناـ الفاضل على هذا الأسلوب اللبق والرائع والممتع، ونشكرك على هذا الفكر والطرح الشيق للققضايا الهامة للأمة ، إنك دائما تدفع الأمة إلى أن تتبوأ مقاعدها للعمل بالإسلام وللإسلام ، هذا الدين الذي هو روح حياة هذه الأمة ، بدونه فهي لقمة سائغة لغيرها .
    ياليت قومي يعلمون ، ومن نومهم يستيقظون ، ومن سباتهم يفيقون ، ومن كبوتهم ينهضون ، وعن غيهم يرجعون ، ومكان هزلهم يجدون ، ياليت ... ياليت .......

  • أبو محمد

    إلى التعليق رقم 03 ياأخي مافعل هؤلاء هم أنهم مازالوا يهدون الأمة بأقلامهم وبعلم أسلافهم إلى الصراط المستقيم ، وسؤالك اطرحه على نفسك ماهو دورك أنت وماذا قدمت ، هل قدمت خيرا بهذا الرد الذي لايخلوا من التهجم وقلة اللباقة مع من نذروا حياتهم كلها لله ، ياليتنا نتعلم الأدب في نقد الآخر وأن نعف ألسنتنا من قالات السوء والهمز واللمزقال (ص): من كان يؤمن .....فليقل خيرا أو ليصمت )).

  • محمد

    بارك الله فيك وفي علمك يا شيخنا الجليل

  • وليد

    بارك الله فيك وفي علمك يا شيخ ونفعنا الله بك

  • محمد

    سيدي،إنك تدرك بأن الله يقيض لهذه الأمة رجالا يحيون موات الخشب، فاعذرني إذا سألتكم ماذا قدمتم لهؤولاء الرجال من سند وجهد من أجل إحياء الأمة؟ لقد أفضوا إلى ربهم، فماذا عنكم بعدهم؟
    لا تقل لي مثل هذه المقالات...

  • سمير الزعيم

    ولماذا لم تذكر الآية الكريمة التي تحرم الخروج عن ولي الامر***واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم***

  • korokoro

    شكرا لك على هذا اتقديم الرائع