-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
(الجزء الأول)

الإمتاع في رحاب “الوافي في تاريخ بجاية الثقافي”

الإمتاع في رحاب “الوافي في تاريخ بجاية الثقافي”

صدر كتاب “الوافي في تاريخ بجاية الثقافي” سنة 2021م، عن دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، الكائن مقرّها في مدينة تيزي وزو، في حجم كبير، بلغ عدد صفحاته 545 صفحة، موزّعة على مقدمة، و12 فصلا مخصّصة لذكر العلماء، وخاتمة، وملاحق غنيّة بالخرائط وبصور العلماء ذات الأهمية التاريخية، ونماذج من صور المخطوطات، ثم قائمة المصادر والمراجع، والفهرس.

سُرِرتُ أيّما سرور بصدوره، لأنني أعرف جيدا مكانة مؤلفه العلمية الأستاذ الصادق وَعْلِي المُلمّ بتاريخ المنطقة إلماما واسعا، بفضل مكانته العلمية وبفضل المكتبة الخاصة التي ورثها عن أجداده، وهي ثرية بالمصادر المخطوطة والمكتوبة، وغنيّة بالمراجع العديدة التي تكدست عبر أجيال، وكذا بفضل تواصله العلمي مع رموز العلم والمعرفة في منطقة الزواوة (منطقة القبائل) بصفة خاصة والوطن بصفة عامة، لذلك فهو من صنف الرجال الذي يتنفّس الثقافة، ولا يجد سعادته إلاّ في المطالعة والكتابة. ولا عجب في ذلك، فهو ينتمي إلى عائلة بوادي الصومام (عمق بجاية) عريقة في التربية والتعليم وحفظ القرآن والمتون، والتأليف وجمع الكتب.

أهمية الكتاب العلمية

ليس من باب المبالغة ولا المجاملة إن وصفتُ الكتاب – رغم بعض النقائص – بالعمل الفكريّ الكبير، الذي ذكّرني بكتاب أبي العباس الغبريني الخاص بعلماء بجاية في القرن 13 الميلادي (عنوان الدراية). وما دام التأليف يعطي لصاحبه عمرا ثانيا خالدا، فقد فاز به الأستاذ الصادق وَعْلِي بفضل هذا الكتاب المفيد، الذي – ولا شك- سَيُثرُى بالتنقيح والتدقيق في الطبعات القادمة. هذا وقد شرّفني المؤلف بنسخة من كتابه القيّم، وجاء في كلمة الإهداء قوله المؤثر بعمق دلالته:«… أملي أن ينال منكم الرضا والقبول. فيه تسليط الضوء على رجال أفذاذ وعلماء أمجاد، غابت أجسادهم وبقيت مآثرهم العلمية تنير الطريق للأجيال اللاحقة.»

نبذة عن حياة المؤلف

ينتمي الأستاذ الصادق وَعْلِي إلى عائلة الشيخ وعماره أوموسى (1793- 1854م) مؤسس معمرة (زاوية) قريته “ثيملييوين” بوادي الصومام، وقد قضى حياته في التعليم، وفي محاربة البدع، وعقد جلسات الصلح بين الفرقاء والخصوم. أنجب ولدا (مُحند وَعْمَاره 1842- 1922م) في كهولته بعد تخطّيه سن الخمسين، وصار له شأنٌ كبير في العلم رغم يُتمه في طفولته، ونجح بفضل حنكة أمّه وتبصّرها إذ أرسلته صغيرا إلى أخواله بقرية أمالو، طلبا للعلم في معمرة (زاوية) أحمد أويحي. وصار في شبابه وكهولته من أقطاب التعليم في المنطقة، وتخرّج على يده الكثير من العلماء، منهم على سبيل المثال السعيد اليجري (عضو مؤسس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين). أما والد الأستاذ الصادق وَعْلِي (الشيخ محمد الطيب وَعْمارَه 1896- 1946م) فقد سار على نهج أسلافه في طلب العلم والدراسة والتدريس، وكانت له علاقة متينة مع علماء عصره (عبد الحميد بن باديس، محمد البشير الإبراهيمي، الشيخ الطيب العقبي، السعيد اليجري، أبو يعلى الزواوي، الشيخ أرزقي الشرفاوي، وغيرهم)، ساعدته في احتضان الفكر الإصلاحي، وفي اتساع أفقه ومداركه العلمية.

مصادر ومراجع الكتاب

بالنسبة للمناهل التي استقى منها المؤلف مادته العلمية، فقد شرحها في مقدمة الكتاب قائلا: «فقد اعتمدت بالدرجة الأولى على المصادر الأصلية مطبوعة أو مخطوطة، ولا أعود إلى المراجع إلاّ في الحالات التي يتعذّر الحصول على المصدر، وفي هذه الحالة أعود إلى المراجع الموثوقة مثل مؤلفات الأستاذ أبي القاسم سعد الله والشيخ عبد الرحمن الجيلالي والشيخ المهدي البوعبدلي ويحيى بوعزيز والكعاك من تونس وعبد الله كنون من المغرب وغيرهم، بالإضافة إلى المراسلات التي كانت بيني وبين بعض الأساتذة الباحثين كالأستاذ علي أمقران السحنوني ومحمد الحسن عليلي ومولود طيّاب وغيرهم.»، ويتجلّى من خلال هذا الشرح أنّ المؤلف كان في أريحية من أمره وهو يؤلف هذا الكتاب، بحكم إلمامه الواسع بالموضوع وبحكم إطلاعه العميق على مصادره المحلية. وفي الحقيقة فإن المراجع غنية أيضا حسب ما ورد في قائمتها.

ورغم أهمية المصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف، فإنّ ذلك لا يمنع من مطالعة المراجع الأجنبية المفيدة للموضوع المعالج، أذكر منها مقالات شارل فيرو Charles Feraud المنشورة في “المجلة الإفريقية  Revue Africaineخلال القرن19م، وكتابه المفيد (تاريخ بجاية Histoire de Bougie) الصادر سنة 1869م، ذكر فيه أنه تحصل على كتاب مخطوط ألفه إبراهيم المريني حول سقوط بجاية في أيدي الأسبان سنة 1510م. وهناك أيضا كتاب الضابط الفرنسي أوجين دوماس Eugene Daumas (عادات وتقاليد الجزائرMoeurs et coutumes de L´Algerie) الصادر سنة 1853م، أشار فيه إلى جوانب ثقافية هامّة في تاريخ بجاية، خاصة النكبة التي أصابت العلم جرّاء نهب المكتبات وحرقها أثناء الاحتلال الاسباني للمدينة سنة 1510م، كما تحدّث عن الكتب الأمازيغية المخطوطة التي كانت تزخر بها مكتبة معمرة (زاوية) سيدي بن علي الشريف في أقبو. والجديرُ بالذكر أن هؤلاء الكتاب الفرنسيين قد اطلعوا على مصادر محلية عديدة لم تصلنا وصارت مفقودة الآن. وهناك أيضا كتاب “جرجرة عبر التاريخ Le Djurdjura a travers l´histoire”، لمؤلفه Si amar Boulifa الصادر سنة 1925م، المفيد في الفترة العثمانية.

بجاية القطب الثقافي لبلاد القبائل

تجوّل المؤلف بقلمه عبر فصول الكتاب، يستقصي أخبار بجاية من النشأة الأولى على يد الفينيقيين الذين أطلقوا عليها اسم “صلداي”، مرورا بعهود الرومان والوندال والبيزنطيين والفتح الإسلامي، وصولا إلى النصف الأول من القرن العشرين، ذاكرا أنها صارت خلال العهد الإسلامي مركز إشعاع حضاري عالميّ. وتحدّث المؤلف بشيء من التفصيل عن ضفتي الصومام اللتين تشكلان عمق مدينة بجاية، وعن عناصر السكان الذين أعادهم إلى النسب الأمازيغي (صنهاجة وكتامة وعجيسة) في غالبيتهم، مع ذكره لعناصر سكانية أخرى وافدة كبني هلال، والأدارسة الأشراف، والأندلسيين.

تجوّل المؤلف بقلمه عبر فصول الكتاب، يستقصي أخبار بجاية من النشأة الأولى على يد الفينيقيين الذين أطلقوا عليها اسم “صلداي”، مرورا بعهود الرومان والوندال والبيزنطيين والفتح الإسلامي، وصولا إلى النصف الأول من القرن العشرين، ذاكرا أنها صارت خلال العهد الإسلامي مركز إشعاع حضاري عالميّ. وتحدّث عن ضفتي الصومام اللتين تشكلان عمق مدينة بجاية، وعن عناصر السكان الذين أعادهم إلى النسب الأمازيغي (صنهاجة وكتامة وعجيسة) في غالبيتهم.

وددتُ لو أوضح المؤلف في المقدمة وليس في الخاتمة، أن اسم بجاية له دلالتان: أ- بجاية المدينة وفحصها. ب- بجاية القطب الثقافي الناجم عن موروثها التاريخي العريق، الذي يشمل ما يسمى اليوم بمنطقة القبائل بقسميها (الكبرى والصغرى)، وهو النهج الذي سار عليه أبو العباس الغبريني في كتابه الشهير”عنوان الدراية”. ومن المعلوم أن الكثير من طلبة وعلماء بجاية هم من سكان الجبال، ومن أشهر المناطق التي كانت تغذي بجاية بالطلبة والعلماء، آث منڤلات (ولاية تيزي وزو حاليا)، إمشذالن (ولاية البويرة حاليا)، آث يعلى وآث ورتلان (ولاية سطيف حاليا)، جعافرة (ولاية برج بوعريرج حاليا) وغيرهم. والملاحظ أن المؤلف قد غلّب أحيانا مفهوم بجاية المدينة والفحص، في سرده للتاريخ على حساب مفهوم بجاية القطب الثقافي لمنطقة القبائل. ورجاؤنا أن يتدارك هذا الأمر في الطبعة القادمة، لما للموضوع من أهمية. هذا وقد أحسن الفنان القبائلي الراحل الشريف خدام حينما وصف بجاية بكونها “روح القبائل”، فهي فعلا قطب علميّ/ ثقافيّ، وعليه المدار.

 

ازدهار الثقافة في العهد الحمادي

اعتبر المؤلف العهدَ الحمادي هو العصر الذهبي لبجاية، إذ استقطبت العلماءَ من كل ربوع شمال افريقية والأندلس، وكانت معروفة بالتسامح الديني مع المسيحيين خاصة في عهد السلطان ناصر بن علناس، الذي تم في عهده تعيينُ ممثل البابا في بجاية. ومعروف أيضا أن الفيلسوف الاسباني “ريمون لول” قد أقام بمدينة بجاية، وكان يمارس حقه في التعبير عن قناعاته الفكرية دون مضايقة.

اعتبر المؤلف العهدَ الحمادي هو العصر الذهبي لبجاية، إذ استقطبت العلماءَ من كل ربوع شمال افريقية والأندلس، وكانت معروفة بالتسامح الديني مع المسيحيين خاصة في عهد السلطان ناصر بن علناس، الذي تم في عهده تعيينُ ممثل البابا في بجاية. ومعروف أيضا أن الفيلسوف الاسباني “ريمون لول” قد أقام بمدينة بجاية، وكان يمارس حقه في التعبير عن قناعاته الفكرية دون مضايقة.

هذا وقد ذكر المؤلف عددا من مساجد بجاية في العهد الحمادي، كانت تؤدي دور العبادة والتعليم والتدريس (المسجد الأعظم، مسجد القصبة، مسجد الريحانة الذي نزل به المهدي بن تومرت، مسجد المرجاني، مسجد أبي زكريا الزواوي)، وذكر أيضا عددا من العلماء الذين برزوا في العهد الحمادي في مجالات عدة (أبو الفضل التوزري القلعي، أبو القاسم الڤالمي، ابن الرمامة، أبو عبد الله محمد المازري، القلعي الأصمّ، أبو عبد الله بن دفرير، أبو الحسن علي البجائي، أبو العباس أحمد التدمري، أبو بكر بن اللبانة الأندلسي، يوسف بن المبارك عمر بن فلفل الذي تولى الكتابة في عهد السلطان يحي بن العزيز آخر ملوك بني حماد.).

الثقافة في العهد الموحّدي

ذكر المؤلف أنه رغم تميّز الموحدين بتقديم النقل على العقل والنص على الرأي حسب العقيدة المهدوية التي تعطي العصمة للإمام، فقد استمر الازدهار الثقافي في عهدهم لأسباب كثيرة لعل أهمها: أولا- أهمية الموروث الثقافي الحمادي. ثانيا- استمرار هجرة علماء الأندلس إلى بجاية، منهم أحمد بن خالد المالقي، محمد بن أحمد المرسي، ابن أندراس الذين برزوا في مجال الطب. ثالثا- حالة الاستقرار السياسي، وعلوّ كعب المهدي بن تومرت وكذا خليفته عبد المؤمن بن علي في مجال العلوم. هذا وقد برزت في هذا العهد أسماء عديدة في مجالي العلوم النقلية والعقلية كثيرة منها: أبو الحسن التجيبي، وأبو العباس الشاطبي، وابن عصفور في التفسير. أبو بكر اليعمري الإشبيلي، وأبو الحسن علي البجائي، وأبو زكريا يحي الزواوي في الحديث. وأبو علي المسيلي صاحب كتاب: النبراس في الرد عل منكر القياس، وأبو زكريا يحيى الهمذاني في الفقه. ويعقوب ين يوسف الزواوي، وأبو عبد الله محمد بن أبي القاسم السجلماسي، وأبو علي المرساوي في علم الكلام والتوحيد. وأبو زكريا يحي الزواوي، أبو مدين شعيب في التصوُّف.

أمّا في اللغة والأدب فقد ذكر المؤلف أسماء كثيرة أيضا منها ابن معطي الزواوي صاحب الألفية السابقة لألفية ابن مالك الأندلسي، أبو الحجاج يوسف الجزائري، أبو الخطاب عمر الكلبي. وبرز في الخطابة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الوغليسي. وبرز في الشعر أبو الخطاب عمر بن الحسن بن دحية البلنسي. وبرز في النثر أبو الطاهر عمارة بن يحي الشريف.

أمّا في اللغة والأدب فقد ذكر أسماء كثيرة أيضا منها ابن معطي الزواوي صاحب الألفية السابقة لألفية ابن مالك الأندلسي، أبو الحجاج يوسف الجزائري، أبو الخطاب عمر الكلبي. وبرز في الخطابة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الوغليسي. وبرز في الشعر أبو الخطاب عمر بن الحسن بن دحية البلنسي. وبرز في النثر أبو الطاهر عمارة بن يحي الشريف. ويرى المؤلف أن العهد الموحّدي هو العصر الذهبي للفلسفة في شمال افريقية، برز فيها تقي الدين الموصلي، وأبو جعفر بن أمية، أبو الحسن علي بن عمران الملياني. أما في مجال الطب فقد ذكر المؤلف أبا العباس أحمد الاشبيلي، وعلي بن أبي عتيق الأنصاري. وكانت علوم الرياضيات والهندسة والحساب من العلوم الراقية في بجاية، تُشدّ إليها الرحال حتى من أوروبا، وقد نهل العالم الايطالي ليوناردو فيبوناتشي من هذا المعين، ونقلها إلى أوروبا.

اهتمام الموحّدين باللغة الأمازيغية

بالنظر إلى قناعة محمد بن تومرت الذي كان يعتبر نفسه منقذا للأمة من الجهل والجاهلية “المهدي المنتظر”، فقد عمل على نشر أفكاره بلسان قومه، عملا بقوله تعالى: «وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبيّن لهم.». ومن ثمّ شرع في نشر كتبه بلغة قومه أي الأمازيغية، ثم ترجمت إلى اللغة العربية خاصة كتاب (المرشدة). واستشهد المؤلف بما قاله ابن أبي زرع في كتابه “الأنيس المطرب” في هذا السياق: «… وعلّمهم التوحيد باللسان البربري، وجعل لهم فيه الأعشار والأحزاب والسور، وقال لهم: من لا يحفظ هذا التوحيد فليس بموحِّد، وإنما هو كافر  لا تجوز إمامته ولا تؤكل ذبيحته، فصار هذا التوحيد عند قبائل المصامدة كالقرآن، لأنه وجدهم قوما جهلة لا يعرفون شيئا من أمر الدين.». هذا وقد اشترط سلطان الموحدين المهدي بن تومرت في تولّي الوظائف الدينية الإلمام باللغة الأمازيغية. واستمرّت هذه السياسة في عهد  السلطان عبد المؤمن بن علي الذي أرسل رسالة إلى أهل بجاية يلزمهم فيها بقراءة التوحيد باللغة الأمازيغية.

– يتبع-

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • mohamed

    Baraka ALLAH fika