-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الامتحانُ “المحترم”

الامتحانُ “المحترم”

إلى زمن قريب، كنا إذا تحدثنا عن امتحان البكالوريا، نُصرّ على وصفه بآخر الامتحانات المحترَمة، الذي يقترب من التقديس بالنسبة للعائلات الجزائرية، والذي يكاد يتوقف الزمن لديه، عندما يحلّ موعده، أو موعد الإعلان عن نتائجه، ويشعر أساتذة الثانوي بالخصوص بالفخر، لكونهم أحد صنّاع هذا “المحترم” الذي يشكل الحدث في كل موسم، فتخفق القلوب له، ويحيطه الشعب والسلطة أيضا بكثير من الاهتمام، ويصبح المترشح للبكالوريا بطلا حتى ولو أخفق في النجاح.

تنطلق الأحد امتحانات البكالوريا بمشاركة زهاء نصف مليون طالب، مع عشرات الآلاف من الأحرار من المتشبثين بالنجاح، ويتبع هذا “الشعب”، الملايين من أفراد أسرتهم، و”جيشٌ” من الأساتذة والمؤطرين، ولكن للأسف، هناك انزلاقاتٌ تربوية خطيرة حدثت في السنوات الأخيرة، تلاعبت بالامتحان المحترم، وتمكنت من المساس بقدسيته، والمؤلم أنها طالته، من طرف أبناء قطاع التربية والتعليم، عندما تمكن بعض الأساتذة من إخراج البكالوريا من مكانها العمومي إلى زوايا أخرى خاصة ومظلمة، وبدلا من أن تتحرك السلطة والمقصود هنا وزارة التربية والتعليم، بقيت تتفرج لأكثر من عقدين، حتى صار أي طالب بكالوريا لن يبلغ مراده في تحقيق النجاح، إلا بعد أن يدفع والدُه الملايين، حتى صرنا نرى البكالوريا أشبه بالرهينة في أيدي من اختطفها، وتجارة مربحة كما يفعل بعض الجشعين مع المواد الاستهلاكية وبعض تجار السكوار مع العملة الصعبة والدينار.

الخطر ليس في الدروس الخصوصية، فهي موجودة في كل بلاد العالم، وبعضها استسلم لها وقام بتقنينها، وإنما يكمن في أن الطالب ووالديه وتحت قيادة الأستاذ، صاروا يختصرون التعليم في النجاح فقط، ويختصرون النجاح في التمكّن من الدروس التي منها الامتحان فقط، ويختصرون الامتحان في عتبة دروس، تمنحنا في الأخير طالبا جامعيا، لا يعرف سوى ما امتحنوه فيها، وما عدا ذلك فهو شبه أميّ لا يفقه سوى ما ناله من الدروس الخصوصية.

قوة الطالب الجزائري التي اشتهر بها منذ نصف قرن، تكمن في ثقافته العامّة الثرية، فقد تجد طبيبا يسبح في بحور الشعر، وتجد قاضيا يتلاعب بالنوتات الموسيقية، أو أديبا متمكنا من المتتاليات الهندسية واللوغاريتمات الهندسية، وهو ما منحنا رجالاتِ علم تمكّنوا من أن يفرضوا على العالم بأسره احترام المدرسة وأيضا الجامعة الجزائرية، ولم يكن حينها للدروس الخصوصية أيُّ أثر، ونأمل في أن يصل موعد إصلاح منظومتنا التربوية والجامعية في أقرب الآجال، فمن غير المعقول أن تصبّ الدولة ميزانية لقطاع التربية تساوي ميزانية دولة قائمة بذاتها، وتبني آلاف الثانويات، وتقدّم مقررات، وتضخ جيشا من المؤطرين، وتعلن عن مجانية التعليم لمساعدة العائلات الجزائرية جميعا، ليُهرِّب الأساتذة جموعَ الطلبة إلى المستودعات في عملية ابتزاز واستنزاف مع سبق الترصد والإلحاح، أدت إلى انهيار، جعل الجامعة الجزائرية تقبع في مراتب لا تليق بعلماء البلاد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • قارئ جزائري

    شكرا يا أستاذ على الموضوع القيّم . . .