-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الباب مفتوح.. وسعادتك وراءه

سلطان بركاني
  • 357
  • 0
الباب مفتوح.. وسعادتك وراءه

كثير هم أولئك الذين يتمنّون في مثل هذه الأيام قبل رمضان أن يسمعوا أو يقرؤوا كلمات تحرّك قلوبهم وتعينهم -بإذن الله- على أنفسهم، وتستحثّ هممهم وتشحن عزائمهم وتجعلهم يتخذون قرارهم الحاسم بالتوبة إلى الله من تقصيرهم وتفريطهم في جنب مولاهم الكريم، وبدء صفحة بيضاء جديدة من حياة جديدة يجدون فيها رقّة القلوب وأنس الأرواح، وتنكشف فيها عنهم هواجس الخوف من فجأة الموت ومن الورود على مآل غير مُرضٍ.

مهما بعد العبد المؤمن عن الله، ومهما قصّر في حقّ خالقه الكريم ومولاه، فإنّه يظلّ يجد في نفسه شعورا بالحاجة إلى التوبة والإصلاح والاستقامة على طاعة الله.. لا يمكن أن تجد عبدا مؤمنا صادقا يرضى عن نفسه وحاله وواقعه.. بل إنّ العبد المؤمن مهما كان محافظا على صلاته بعيدا عن ظلم النّاس وأخذ حقوقهم، فإنّه يرى تقصيره في حقّ خالق الأرض والسماوات أمرا عظيما، بل ويخاف الوقوف بين يدي الله للحساب. أحد الصّالحين كان يقول: “والله لو أنّي أخطأت في حقّ مخلوق لاستحييت من لقائه، كيف بلقاء الله”.

كم أسرفنا على أنفسنا بالمعاصي والذّنوب؟ كم لهثنا خلف الدّنيا وتنافسنا فيها وعادى بعضنا بعضا لأجلها؟ بين رمضان العام الماضي ورمضان هذا العام: كم صلاة ضيّعنا وكم صلاة لم نخشع فيها؟ كم مسلما اغتبنا وكم عبدا من عباد الله ظلمنا؟ كم من أعمال ضيّعنا وأجّلنا وكم من ملايين الحرام أكلنا؟ كم خطوة في سخط الله حثثنا وكم نظرة إلى الحرام استرقنا؟ … كلّ هذا ونحن نعلم أنّ مطّلع علينا يرانا ويعلم حالنا!

له الحمد -سبحانه- أنّه لطف بنا ولم يعاقبنا، بل ومدّ في أعمارنا حتى أدركنا هذه الأيام والسّاعات التي بدأت قلوبنا تتحرّك فيها وتنبض ترجو التوبة إلى الله.. كان من الممكن أن تكون الآن -أخي المؤمن- تحت التراب يضيّق عليك قبرك وتعذّب صباح مساء بسبب ذنوبك التي لم تتب منها، وبسبب تقصيرك في صلاتك وأذيتك لوالدتك وظلمك لجارك.. لكنّ الله أمهلك إلى هذه الساعات لتتّخذ أهمّ قرار في حياتك، بأن يكون رمضان هذا العام بداية حياة جديدة ومختلفة.

مولانا سبحانه ينادينا في كلّ وقت وكلّ ساعة: ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُون))، ويقول -سبحانه- كما في الحديث القدسي: “يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم.. يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم”.. ويقول -جلّ وعلا-: “يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي.. يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة”.

ربّنا الحنّان المنّان يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء الليل.. ويفتح أبواب السماء لعبده لعله يتوب ويؤوب ويرجع، فإن تاب فرح الله بتوبته، وغفر ذنوبه، وبدّل سيئاته حسنات: ((إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)).

هل رأيت -يا عبد الله- أكرم أو أرحم من الله؟ يعصيه مخلوق ضعيف من مخلوقاته لا يساوي شيئا في ملكه الفسيح، وقد كان -جلّ وعلا- قادرا على أن يهلكه، لكنّه -سبحانه- يراه فيتركه ويستره، ولو علم به العباد لفضحوه.. يتركه ويمهله، وربّما يتحبّب إليه بالنعم لعله يتوب، ثمّ يبتليه لعلّه يتذكّر ذنبه فيتوب، فإن تاب صادقا، قبِل الله توبته وتلقاه برحمته وعفوه.

يقول الحبيب المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم-: “للهُ أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح”.

فيا أخي المؤمن.. هل يصحّ وهل يليق أمام كلّ هذا الفضل العظيم أن تظلّ مصرا على الإعراض عن رحمة أرحم الراحمين، فارا من مولاك إلى نفسك وهواك؟ إنّك لن تجد في الوجود من يسترك كما يسترك الله، ولن تجد من يتلقّاك بالبشر والرّحمة والعفو كما يتلقّاك الله.. ثمّ إذا فررت من الله فإلى أين تتّجه؟ وأين تختبئ؟ ومن ذا سينصرك من الله؟ أيّ مخلوق إذا خفته فإنّك تفرّ منه، أمّا الخالق سبحانه، فإذا خفته فإنّك تفرّ إليه معترفا باكيا متذللا، فلا تجد منه إلا الستر والرحمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!