-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الثورة الفعل ورد الفعل

الثورة الفعل ورد الفعل

من يقرأ مذكرات الفيلسوف مالك بن نبي قبل الثورة ويومياته أثناءها يكتشف شخصيتين مختلفتين، الأولى أكثر اهتماما بالفكر والسياسة، والثانية أكثر انشغالا بمشاكل الحياة اليومية، فلماذا كان فكر الثورة غائبا عند بن نبي وحاضرا في كتابات فرانس فانون.

  • ولماذا تغيب الثورات العربية عن الخطاب الأدبي والسياسي الجزائري وتحضر بقوة لدى المثقفين الأشقاء العرب؟.
  • خطاب التشكيك والتردد
  • المتتبع للشأن الجزائري الثقافي والسياسي يجده مبتعدا عن الواقع المعيش جزائريا وعربيا، ويوعز البعض هذا الابتعاد إلى تبعية الخطاب الثقافي والأدبي للخطاب السياسي للسلطة في الجزائر.
  • إن الثورة الجزائرية، بالرغم من عظمتها، وتأثر فلاسفة العالم بها، إلا أنها لم تحرك فكريا فلاسفتنا، وحتى المذكرات التي كتبت حولها حملت في طياتها انشغالات أصحابها بحياتهم اليومية خلال الثورة أكثر من تعمقهم في فكر الثورة والاختلافات الإيديولوجية بين أعضائها، فمالك بن نبي في مذكراته يتعرض إلى فكر بن جلول معتبرا إياه نابعا من فكر فرحات عباس (فرنسا هي أنا) وذلك في الجزء الأول من المذكرات (العفن – ص 126) أما حين يتحدث في يومياته عن زعماء الثورة فإنه يتعامل معهم كأخبار وسلوك وشخصيات يريد تصفية الحساب معها.
  • ففي يومياته ليوم 31 مارس 1962م أثناء نزول زعماء الثورة بالقاهرة، وكان هو من بين مستقبليهم، يقول إنه انتقل بدافع الفضول، وأن خيضر وبيطاط عاديان، وبن بلة وآيت أحمد بروتوكولويان.
  • لا نعثر في يومياته على مضامين الثورة أو دور المفكر في تأصيلها بقدر ما نجد ردود أفعال سلبية أو أخبارا عن مشاكل مالية وطباعية ورقابية، بحيث انه لا يختلف في كتابته اليومية عما كتبه فتحي الديب في تقاريره الأمنية عن الثورة الجزائرية ورجالاتها (انظر كتاب عبد الناصر والثورة الجزائرية).
  • ولا أبالغ إذا قلت إن الكتابات الجزائرية عن الثورات العربية الراهنة التي تنشر في الصحافة من حين لآخر تكاد تشكك في أهمية الشعب العربي للقيام بها، أو تحاول أن تتعامل بحذر مراعية الموقف الغامض للسلطة الجزائرية منها، وحتى الكتابات العربية لا تخلو من التناقض ما بين موقف السلطة التي تنتمي إليها والموقف من الثورة.
  • والسبب في تقديري هو أن خطاب الثورات العربية متجاوز لإيديولوجيات المثقفين العرب التي ورثوها عن جيل محمد عبه والكواكبي والإبراهيمي وابن باديس أو جيل عبد الناصر وبومدين.
  • إنه كان بإمكاننا أن نسمي الشعوب العربية قبل الثورة التونسية والمصرية واليمنية والليبية (غاشيا) على حد تعبير احد رؤساء أحزاب الجزائر الذي تحول إلى تاجر في لبنان، وأن نتحدث عن جيل شباب ما قبل الثورة بأنه فاقد للحرية والهوية، أما الجيل الحالي للثورة فهو نموذج آخر يصعب الحكم عليه من خارج الثورة، والجيل الذي لم يقم بالثورة لحد الآن يبقى الحكم عليه معلقا. 
  • لم تقدم وسائل الإعلام السمعية البصرية في الجزائر أي رد فعل إزاء الثورات التي وقعت وانتصرت في الوطن العربي، أو تلك التي في طريقها إلى الانتصار، بل ما تزال تشكك في الثورات التي انتصرت وتحاول أن تجد مبررات للتقليل من شأن البقية.
  • وحتى الكثير من الصحف الموسومة بالخاصة أو المسماة مستقلة لم تتضح مواقفها بعد، وخاصة من الثورة الليبية، بالرغم من اعتراف 40 دولة بما فيها جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي، فهل تريد أن تستخدم الثورة المضادة لتقتات منها مثلما كانت بالأمس القريب تقتات من سنوات الإرهاب؟.
  •  
  • الاستثناء والقاعدة
  • موقف الأحزاب الجزائرية من الثورات العربية لا يختلف كثيرا عن موقف السلطة، باستثناء بيانات محتشمة أو تصريحات مناسباتيه، وموقف أحزاب المعارضة ليس استثناء بل هو خطاب سياسي قريب من أحزاب السلطة.
  • وإذا استثنينا خطاب التيار الإسلامي الذي يتزعمه أبو جرة سلطاني، فإن خطاب التيار الوطني أو التيار اللائكي يلتقيان في التزام الصمت إزاء هذه الثورات، وتبقى مواقف الشخصيات الوطنية ممثلة في عبد الحميد مهري والشيخ جاب الله وأحمد بن بيتور هي الأكثر تعبيرا عن الشارع الجزائري.
  • صحيح أن أبا جرة سلطاني أصدر كتابا عن الثورة التونسية، ولكنه تأخر في تهنئة الثورة الليبية ملتزما بخطاب الحكومة، وإن كان في مبادرته لإنقاذ السلطة من أي ثورة قادمة يتقاطع في الموقف مع الكثير من الأحزاب، ولكنه يعتبر من الأوائل الذين استثنوا العامل الخارجي أو ما يسمى بالمؤامرة الخارجية في الثورات القادمة، وهو هنا يلتقي مع موسى تواتي الذي تبنى خيار الثورة في أول تجمع له في قاعة الأطلس بباب الواد؟.
  • والاستثناء والقاعدة في الثورات هي الثورة الليبية التي بدأت سلمية ودفعتها الكتائب إلى تسليح نفسها ومواجهة خطر الإبادة والاستنجاد بالجامعة العربية والأمم المتحدة لتكلل بالانتصار.
  • كان الرهان المشترك بين الأنظمة العربية والمثقفين العرب هو قيام حرب أهلية في ليبيا وانقسامها إلى دولتين وسقوطها في أيدي المحتلين الأجانب، وتحولها إلى قاعدة للإرهاب، غير أنه تبين أن هذا الطرح لا يعكس سوى تطلع أصحابه إلى قمع الثورات.
  • وأصبحت الثورة الليبية خيارا جديدا للثورات العربية في اللجوء إلى حمل السلاح في حال فشل الحلول السلمية، ولا يستبعد أن تكون سوريا نموذجا آخر في المزاوجة ما بين المقاومة المسلحة والاحتجاج السلمي
  • ستكون الحكومة الانتقالية الليبية مختلفة عن حكومتي تونس ومصر، لأنها ستلجأ إلى تأسيس جيش جديد من الشباب الثوار ممثلا لجميع القبائل الليبية، كما ستكون الحكومة مجسدة لمن شاركوا في الثورة من الداخل أو الخارج بحيث أن الانتخابات القادمة سيكون سلاحها هو الأفكار والإيديولوجيات وميدانها هو الشعب الليبي.
  • والتخوف الوحيد هو أن يستغل التيار الإسلامي المتطرف أو التيار اللائكي المتطرف طيبة الشعب الليبي لخدمة أغراض خارجية، وبالتالي يتمكن الطابور الخامس من التسلل لإثارة الفتنة بين الثوار.
  • وإذا كانت ليبيا قد أمّنت حدودها مع مصر وتونس فإن بقية الحدود مع جيرانها تبقى مرهونة بعدة عوامل، وأولها كيفية بناء علاقات جديدة تسمح بمراقبة الحدود وحماية المصالح المشتركة، وإن كان هناك من يرى بأن تداعيات الثورة الليبية ستكون خيرا على دول الجوار.
  • لكل فعل رد فعل حسب قانون الطبيعة، والثورة الليبية هي الفعل الذي كانت ردود الأفعال عليه أكثر من المشاركة فيه أو التنبؤ بمستقبله، فهل سيكون رد الفعل الجزائري من الحكومة الليبية المرتقبة متجاوزا للاعتراف بها بدعوة رئيسها إلى زيارة الجزائر وإقامة شراكة وطي ملف التلاسن بين الطرفين.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!