-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحاجة إلى التَّكَيف.. قبل فوات الأوان

محمد سليم قلالة
  • 2522
  • 11
الحاجة إلى التَّكَيف.. قبل فوات الأوان

لو استفتيت كل الجزائريين اليوم: هل تلجأون إلى العنف حتى وإن استلم السلطة من لم يَحْتَكِم إلى الصندوق؟ لأجابوا جميعا: لا.. لن نستخدم العنف حتى وإن حدث ذلك؟ ولكنك إذا سألتهم لماذا تختلفون في مسألة علاقة الدين بالسياسة؟ ويصر بعضكم على التشكيك في صحة مبدأ التداول على الحكم؟ ولماذا يرفض بعضكم الاحتكام إلى القانون؟ ويتردد آخرون في إصلاح منظومة التربية والتعليم؟ ولا يعطي فريق آخر أية مكانة للعلم والكفاءة والعمل في تبوّء المناصب أو القيام بالمهام؟… لعرفت بأن المسألة لها علاقة بمدى الدروس التي يتعلمها الأفراد وتتعلمها الشعوب، وبمدى قدرتهم وسرعتهم على التكيف مع الوقائع والمستجدات والأهم من ذلك بمدى إدراكهم لأهمية مُعامل الزمن في التغيير..

لقد ذكر بعض الباحثين الاستراتيجيين أن درجة استقرار الدول إنما تحكمها معادلة بسيطة تتمثل في الآتي: كلما كانت لهذه الدول قدرة عالية للتكيف في زمن قصير كلما كانت درجة استقرارها عالية، وكلما كان العكس كانت منخفضة إلى درجة التهديد بالاضطراب. ولقد بَيّنت التجربة السابقة التي عشناها في بداية التسعينيات صحة هذه النظرية حيث كان تَكيُّفَنا مع مستجدات الوضع بطيئا إلى درجة أن كِدنا نفقد مقومات الدولة ومعها نفقد أنفسنا… ولولا تمكننا بعد ثلاث سنوات من التعنت أن ندخل ضمن منطق التكيف ومغالبة الزمن، لما اهتدينا إلى مسارات الوئام ثم المصالحة الوطنية ولما وصلنا إلى القناعة التي أصبحت عامة اليوم لدى الجميع بأن طريق العنف ليس هو الطريق المؤدي إلى حل أي نزاع وأنه لا بديل عن إيجاد حلول سلمية، ولا بديل عن تقديم تنازلات، ولا بديل عن القيام بذلك بسرعة وقبل فوات الأوان…

ولذلك نحن اليوم إذ كُنُّا نأسف على أننا لم نتكيف بسرعة وبفعالية وضمن زمن قصير مع الأزمة التي عرفتها بلادنا في بداية التسعينيات، وإذا كنا نتساءل لماذا تأخرنا في الاتفاق على حل نحقن به الدماء، علينا أن لا نكرر التجربة مرة أخرى، مع مسائل لها علاقة بمستقبلنا ومستقبل أبنائنا. علينا ألا نترك الزمن يَغْلِب قدرتنا على التكيف ويمنعنا من تجاوز صعوباتنا في وقت قياسي مثل كل الشعوب المتقدمة التي رفعت من جاهزيتها للتكيف إلى درجة عالية حتى أصبحت تستبق المشكلات قبل وقوعها وتجد لها الحلول من خلال تحكمها الكبير في قواعد الاستشراف والقدرة على الاستباق.

إننا بلا شك نعيش في المدة الأخيرة تحدّيات رئيسية تتعلق بمسائل، سَتَحْكُم قدرتنا على التكيف معها، مستقبلنا ومستقبل بلدنا. وعلى رأس هذه التحديات الفهم الصحيح للدين، والعدل بين الناس واحترام القانون والتداول على السلطة وقبول الآخر وإعادة الاعتبار للعلم والعمل كوسيلتين أساسيتين للتفاضل بين الناس…  ولذلك تجدنا نتردد في الفصل بين هذه المسائل، بل ونطيل النقاش أحيانا ونزيد من التردد أحيانا أخرى إلى درجة نكاد نرهن فيها قدرتنا على التكيّف ويكاد يتجاوزنا الزمن إلى ما لا تُحمد عقباه،  وكأنه على وشك أن يقول لنا: إذا لم تتعلموا من الدروس الماضية فسأعلمكم من خلال الاضطراب والفوضى العارمة مرة أخرى…

تبدو لي المسألة بهذا الشكل ونحن نتأخر اليوم في البت في مسائل تتعلق بالفهم الصحيح لعلاقة ديننا الحنيف بالسياسة والأسرة والمجتمع، وبضرورة التداول على السلطة أو إقامة دولة العدل والقانون، أو إعادة الاعتبار للكفاءة والعلم. نتأخر في البت في مثل هذه المسائل وكأننا في راحة من أمرنا وليس هناك سيف الزمن مسلط على رقابنا.. إذا لم نستبقه، تجاوزنا وغَلَبَنا وأصبحنا نأسف على أنه فات…

وإذا كنت أتفهم أننا قد نأخذ وقتا طويلا لإيجاد مخرج للمسائل المرتبطة بالفهم الصحيح للدين وعلاقته بشؤون الدنيا لِتداخل عدة متغيرات في الموضوع، فإني لا أفهم لماذا نتردد في حسم مسألة التداول على السلطة واحترام الرأي الآخر؟ ولا أفهم لماذا نتردد في عدم الاتفاق على أولوية الاعتناء بالمنظومة التربوية والمعلم والأستاذ على أساس أنهما أساس الإصلاح في أي مستوى نريد، ولماذا نتأخر في الاتفاق على القواعد التي يمكنها أن تحكم ارتقاء أي منا اجتماعيا أو مهنيا دون المساس بحقوق الآخرين.

أعرف أن الوصول إلى هذه الدرجة من الوعي ليس سهلا، ولكن ذلك ينبغي ألا يجعلنا نعيد تكرار الخطأ الذي ارتكبناه أكثر من مرة عندما تأخرنا في التكيف مع المستجدات ومنعنا أنفسنا من استباق التغيير.

ما الذي يجعلنا نتردد في الجزم بأن التداول على الحكم مبدأ ينبغي عدم المساس به من أي كان؟ كل التجارب التي عشناها، والتي عاشها جيراننا وعرفها العالم قديما وحديثا تؤكد أن مساوئ البقاء في الحكم أو في أي مرتبة من مراتب المسؤوليات مدة طويلة أكبر بكثير مما يمكن أن يحققه ذلك من مزايا. لماذا لا نصر نحن على عدم اعتماد هذا المبدأ رغم صلاحيته الواضحة في أي شأن من شؤوننا الخاصة فما بالك العامة؟ أم ينبغي أن ننتظر حتى ينفد الوقت ويتجاوزنا الزمن وبدل أن نتكيف مع حالة الاستمرار في الحكم في الوقت المطلوب نُدخل أنفسنا في حالة الاستعجال التي غالبا ما يصح فيها قول “تاليران” الشهير: إذا كان الأمر مستعجلا فقد فات الأوان.

وقس على ذلك الأولوية التي ينبغي أن نعطيها لإصلاح منظومة التعليم، والعدالة ناهيك عن قطاعات أخرى كالصحة والسكن التي ما غالَبَنَا فيها الزمن مرة إلا غَلَبَنا، وتأخرنا من جديد.

هل ينبغي أن ننتظر حتى تعرف البلاد اضطرابات سياسية خطيرة لنحل مشكلة التداول على السلطة؟ هل ننتظر حتى تعرف المدرسة انفجارا داخليا حتى نحل مشكلة المعلم والتعليم؟ هل ننتظر حتى ينفجر الناس من ظلم الظالمين حتى ننظر بعين الاعتبار لقطاع العدالة ونقوم بإصلاحه إصلاحا جذريا؟ هل ننتظر تمرد أهل الكفاءة والخبرة على أهل الجهل و الجهالة حتى نعيد الاعتبار للعلم والعلماء في قيادة البلاد؟

المنطق السليم يرفض أن نكرر الخطأ مرة ثانية، كما حدث في الشأن السياسي عند استبدل الاحتكام إلى الصندوق بالاحتكام إلى العنف..  إلى أن تبين لنا، بعد كمّ من الخسائر ذلك الخطأ الجسيم الذي ارتكبناه.

  هل محكوم علينا أن نبقى غير قادرين على الرفع من قدرتنا على التكيف، وعلى استباق الزمن قبل أن يتحول إلى أحداث جارفة تغمرنا؟ إني أتساءل هل لدينا عقول تمنعنا من تجنّب المخاطر والانزلاقات أم أننا سنكرر ذات الخطأ ونظلم أنفسنا مرة أخرى لا قدر الله؟ 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • مليح مصطلح الدولة

    ساعدونى .. نحب مصطلح الدولة ونحب نتبحر ونطير فيه تعرفوه مصطلح شامل واسع شاسع يتعدى حدود الزمان والمكان

    انا الحمد لله تمكنت من كامل دوائره على رئسها الدائرة الثقافية طبعا .. "الدائرة اللب" بقاتلى دائرة واحدة والله العضيم حاب نعرفها ولا ما عرفتهاش ما عشتش الدنيا

    "الدائرة النواة" دائرة الاشتعلامات والامن والتقرعيج" هي الدائرة الوحيدة الى من خلالها ترى الفسحة وتدرك ترابط الدوائر الاخرى وزيد مزية هاته الدائرة فيها كلش الى يحتاجه المهبول العاقل القبيح الخطر الضحك الجد ههههههه

  • حنصالي

    وفى الحقيقة الدراسة فوقية لاكن الفاعلية تبدء من لب المصطلح حتى يكون بناء مهيكل قاعديا حيث المسار اللولبى للمصطلح يكون متصل ومرتبط ومكمل من تحت الى فوق

    كلمة اقتصاد مفهوم شامل تراتبى يشمل كل المراحل اقتصاد الانسان اقتصاد فى جهد الانسان اقتصاد فى خلق الفكرة اقتصاد انتاج الفكرة وتجسيدها اقتصاد فى طريقة التعريف والتوزيع اقتصاد فى الاستهلاك وبهذا المصطلح بمفهومه الشامل يهو يجسد كل المراحل والمصطلح بحد ذاته هو النواة فعندما نردد كلمة اقتصاد يجب ان نعى حقا كلمة اقتصاد ما شى 99 بالمئة استراد

  • حنصالي

    تعجبنى التراتبية تلك

    يا جماعة النقطة الى ذكرتها مهمة جدا فى سلم الادراك خاصة فى ما يخص المسار الملولب للمصطلح ومهية النضرة والفاعلية حتى ندرك اننا مجتمع معتوه "عتاة "

    فى البنية الاقتصادية ..عادة يكون الانسان لبنةو خالق للفكرة ثم تجسيد الفكرة فى الواقع ثم انتاجها من بعد عملية العرض من بعد التوريد من بعد الاستهلاك

    عند المعاتيه .. الانسان لبنة فى الاستهلاك ثم خلق فكرة استهلاك ثم تجسيد فكرة الاستهلاك ثم استيراد الاستهلاك وبعد استهلاك الانسان

    الا يوجد الا الهلاك فى دوائر المصطلح

  • بدون اسم

    يجب أن يعلم هؤلاء الذين يحكمون اليوم أو الذين يطمحون إليه أن أعظم الأوقات في التاريخ إجلالا هي تلك التي تتوحد فيها الجهود و تخمد فيها النزاعات لأجل مصلحة البلاد و العباد من أجل الأخذ بالسفينة المهددة بالغرق نحو بر الأمان...و يجب أن لا نعطي الفرصة للذين يريدون خرق السفينة فتغرق هي و من فيها...

  • حنصالي

    قضية فقدان القيم شبهها مالك بن نبي كالطفل الذى يحمل خاتم ثمين فى يده ويؤتى شخص يستبدله له بحبة حلوى هنا الاشكالية والمقارنة انعدم الوعى لدى الطفل ومصلحته هى الحلوى والرجل يملك وعيه ويعى قيمة الخاتم ومصلحته فى الحصول عليه

    كم من اناس فقدوا قيمة العمل وقيمة الثروة وقيمة الجهد وقيمة الوطن وقيمة الزمن وقيمة الامن وقيمة الطمئنينة فى غفلة انعدام المسؤولية والوعي

    وماهى الطريقة المناسبة لاسترجاع الوعي لدى الامة حفاضا على مكتسبات الامة وحفاضا لعنصر الانسان وهو اغلى قيمة ولا تراق قطرة دم

  • حنصالى

    وهذا القليل تذهب للاقتصاد ايضا كارثة العيش مع القشور والاستهلاك لا تتكلم ارقام الصحة وفاتورة الدواء تكفى

    ونقول كما يقول الفلاسفة الحل فى مكان ما نحن من نبحث عنه لا يؤتينا هو ..نحن ندرك ان كل شيئ من خير وشر فشل ونجاح نماء وخراب سعادة وشقاء وغيرها هي مسطلحات موجود بيننا وفى متناول عقولنا وقلوبنا لنا الاختيار نحن من نقرر ونجسد الحياة المستقبلية

    اما الاسطوانة البائسة التى نرددها هي تجسد و نتاج عقولنا البائسة الانسان الواعى حتى هاته الحياة البائسة يعتبرها تحدى ولننضر اليابانيين والالما

  • حنصالى

    مثال بسيط لندرك حجم المؤسات
    خذ مصطلح "الحب" القدماء قدسوه والعلماء المعاصرين ذهلوا من الطاقة العضيمة الذى يبذلها اضعاف مضاعفة ساعات عمل لا تصدق المحب يستطيع ان يعمل بدون كلل 16 ساعة المحب يسموا الى مستوى ادراك ساحر لا يتخيله عاقل المحب يتمتع بصحة نفسية وبدنية لا تقاوم الحب مراتب اعلاه حب الله والوطن وهلم جر حب المهنة حب الخير وكثير المزايا التى نستفيد منها

    فلماذا نحصرها فى علاقة شاذة بين شاب وفتاة هرسونا ريسانا بها الايام السابقة

    واذهب الى الدين امور تافهة قشور ولا ننال من لبه

  • حنصالى

    فى ضنى ليس تكيف ..لان التكيف هو العيش واقع لا نملك ادنى سيطرة عليه ..اما ما تود ان تقصده هو التعايش او الاندماج لاننا نملك شروط ضمان التعايش الثلاث فى خضم حضارة وهي الانسان والتراب والزمان

    ولذى هي ازمة ضربتنا فى العمق فى كينونة الانسان "فقدان القيم" فخذ اي مصطلح ايا شئت دين علم اقتصاد سياسة اي مصطلح ستجد امهر المثقفين لا يستطيع ان يصل الى العمق اي الى لب الوحدة الى نواة المصطلح وبالتالى لا يمكن ان نستخلص عصارة ما يمكن ان يقدمه لنا اي مصطلح وبالتالى نعيش الاطراف والقشور وهذا الغثاء

  • الزهرة البرية

    كلاما يحمل الكثير من الحكمة والإتزان ،لكن يا دكتور عقلية التكيف التي تحدثت عنها تكون لما تسود مباديء حب الوطن التضحية والإيثار "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" أما وقد سادت عقلية "أنا ومن بعدي الطوفان" بقي أن يتكيف الشعب مع هذه المستجدات ويوطن نفسه لحدوث أي شيء حتى نستطيع التعامل معه التعامل الصحيح.

  • الجزائرية

    تابع: اليوم مكونات الهوية ليست للنقاش .نعم علينا المرور إلى ثوابت أكثر رسما للمشهد المستقبلي و إعادة صياغتها وهي التالي: التداول السلمي على الحكم.الحرية و الديمقراطية .استقلالية القضاء .دولة الحق و القانون..إن تكريس ثوابت الأمة بهذا الشكل يجعلنا حريصين على استباق الزمن بدل الضائع عوض مهاترات تبقيينا سنوات ضوئية في نقطة الإنتظار و لا يتم معها أبدا الإقلاع.إنه المشروع الحضاري الذي يجب أن نتفق عليه و تبقى منظومة الإعلام مسؤولة بالشكل الأدبي على تبنيه مع ساسة و مثقفي الأمة.عجلة الزمن سريعة و لا ترحم

  • الجزائرية

    أنت تطرح أزمة تفكير حادة و تكاد تكون مزمنة و هي ما يعرف بالوعي القومي .و مدى توظيفه لطاقات الأمة المهدورة.لقد عرفت مسيرتنا في هذا المجال مستويات عديدة ،فالكل يتذكر أيام التسعينات و بعد الإنفتاح السياسي كيف كانت تحدد "ثوابت الأمة"لمكونات الهوية و هي:الإسلام و العربية و الأمازيغيةو اليوم لا أحد يقبل طرح هذه المكونات للنقاش لأن التاريخ قد صهرها و لمدة قرون أما الذين يريدون إثبات عكس ذلك ،فأغراضهم مشبوهة وهم من منتمي الطرح الإستعماري لأن القضية لم تطرح أبدا بالصيغة الحالية في كل مراحل تاريخنا القديم