-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

الحلقة (21): موقف القرآن الكريم والسنة المطهرة من الكهانة

خير الدين هني
  • 189
  • 0
الحلقة (21): موقف القرآن الكريم والسنة المطهرة من الكهانة

في تلك الظروف الجاهلية، التي سيطر فيها الكهّان على عقول الناس، بسجعهم الغامض في المعنى والمتكلف في الصنعة والتأليف، وتبعهم البلغاء والفصحاء من الشعراء والخطباء والحكماء وأصحاب الحصافة في الرأي والمشورة، نزل القرآن الكريم بسمو كلامه وسحر بيانه، فبزّ كل ما دونه من شعر ونثر، وحرّم الكهانة والعَرافَة والطيّرة والفأل السيئ والتشاؤم والادعاء بعلم الغيب.

كما حرمت السنة المشرفة الذهاب إلى الكهان والتصديق بأقوالهم، روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، قال: “من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما”، وعن أبي هريرة عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد” (رواه أبو داود)، وللأربعة والحاكم قال: صحيح على شرطهما، عن أبي هريرة“من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد”.

افتراء المرجفين على القرآن المسجوع

المرجفون واحده مُرجِف، وهم الذين ينشرون الأكاذيب والأخبار الباطلة، التي تُخِلّ بوحدة المسلمين وتوقع بينهم الخصومة والاضطراب، على نحو من يتحدثون عن قوة الكفار وتفوقهم مقابل ضعف المسلمين وبلادتهم وهوانهم، بغية التشويش عليهم والتوهين من قوتهم ومضاء عزائمهم، أو للتشكيك في عقائدهم وموروثاتهم الدينية والثقافية والتاريخية والحضارية، مثلما دأب عليه الشُكاّك من زنادقة العصور ومارقيهم من الفوضويين والمشاغبين وزارعي الفتن، وخاضوا بالحديث المدلّس في كل أمر من أمور المسلمين، وقد امتدت أبصارهم إلى القرآن الكريم الذي نزل في مكة بخاصة، فنقدوه واعتبروه كلاما بشريا من إنتاج محمد -صلى الله عليه وسلم-، مما اعتاده الناس في أسجاعهم، لاسيما أن القرآن الذي نزل في مكة غلب عليه فنّ السجع، فكانت فواصله منتهية بجرس ما يشبه أسجاعهم، (السجع هو توافق الفاصلتين في الحرف الأخير، وأحسنه ما توافقت فيه الفواصل في الحروف).

ولما كانت العرب -كما تقدم الكلام ببيانه- مولعين بالسجع وواقعين تحت تأثير نغمه وجرسه وموسيقاه، وكانت الرغبة في ذلك تُلِحّ عليهم بالتفنّن في تدبيج الكلام به في خطبهم ومواعظهم وحكمهم، وحبّهم المفرط لسماعه من خطبائهم وحكمائهم، وكانوا يخالون أنهم بما اشتهروا به من الكلام المسجوع قد بلغوا الغاية في حسن التأليف وجودة التنظيم، ولا يوجد كلام في لغة العرب أبلغ منه وأكثره وقعا على النفوس، أو يكافئ ما أتوا به من أسجاع أو يناظره أو يعلوه في الرفعة والسمو، فلما بلغت العرب ما بلغت من الذروة في الفصاحة والبلاغة، نزل القرآن الكريم بنسق من الكلام الغريب مؤلف على غير ما ألفوه وخبروه وسمعوه، فهو نسيج من الكلام المركب تركيبا غير مسبوق ولا مطروق من الكلام البديع، والغاية الكبرى من ذلك السمو القرآني هو إعجاز العرب وغير العرب من اليهود والنصارى الناطقين بالعربية، ممن عاشوا قرونا مديدة بين العرب أو كانت أصولهم عربية، وعرفوا جذور العربية وأصولها وحذقوا فنونها البيانية والبلاغية، وتحكموا في أساليبها الفنية نطقا ومشافهة وكتابة، وتذوقوا بديع شعرها ورونق نثرها وبلاغة حكمِها وحكمَتها، وأسرار بنيانها وتراكيبها الفنية والنسقية. ونزل القرآن الكريم بصيغ تركيبية بترانيم غاية في الرقة والعذوبة واللذاقة والإيقاع، وهو التركيب الذي لا يقدر على تقليده المقلدون ولا يحاكيه المحاكون، في حسن تأليفه وبراعة تنظيمه وهو من جنس ما يعرفون من الكلام ويبرعون في حذق إنشائه وتأليفه، وقد تمرّسوا على تطويع اللغة والتحكم في ناصيتها والسيطرة على ألفاظها وكلماتها وأساليبها والوقوف على مواردها وشواردها وغريبها وشعرها ونثرها، وقد أجادوا في توليد الكلام المنظوم والمنثور، وأساليب البلاغة في المعاني والبيان والبديع، ولم يبق لهم لون من ألوان  الكلام إلا وطرقوه وعرفوه وأتقنوه، وحين بلغوا تلك الغاية فاجأهم القرآن الكريم بما لم يكونوا يخالونه أو يحسبون له حسابا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!