-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
كان من أعلام مدينة العلمة

الشيخ شعبان.. إمام لم يتخلف عن موعد صلاة طيلة مشواره

سمير مخربش
  • 717
  • 0
الشيخ شعبان.. إمام لم يتخلف عن موعد صلاة طيلة مشواره
أرشيف
الشيخ المرحوم شعبان بشير

يتذكر سكان مدينة العلمة بولاية سطيف، الشيخ المرحوم شعبان بشير الذي تميز بانضباطه الكبير، والتزامه بمواعيد الصلوات الخمس وصلاة التراويح طيلة مشواره الدعوي، فلم يعرف له غياب ولا تأخير. وكانت قُرّة عينه في الصلاة والدعوة والإرشاد، مقدما أفضل مثال عن إمامة الناس وتسيير مؤسسة المسجد بروح انضباطية عالية.
يشهد المترددون على مسجد “عبد الحميد بن باديس” المعروف باسم مسجد “زغار” بالعلمة، بأن الشيخ المرحوم شعبان بشير لم يكن إماما عاديا، فقد كان متفردا في كل شيء، ومروره بهذا المقام ظل خالدا إلى يومنا هذا. والناس لازالوا يذكرونه رغم مرور 7 سنوات على رحيله. فقد فارقنا بتاريخ 22 جانفي 2017 عن عمر ناهز 88 سنة، وهي سنوات سخرها منذ طفولته للعمل المسجدي والدعوي إلى أن اقترن اسمه بمسجد “زغار”، الذي عمل به مدة 25 سنة، فظلت كل لبنة فيه تشهد على مرور الشيخ بعلمه والتزامه وتفانيه في العمل والوعظ والإرشاد.
هو من أعلام مدينة العلمة وعلمائها الذين ارتبط اسمهم بالمنبر والمحراب. فالشيخ انفرد بمساره الدعوي الذي امتد لأكثر من 60 سنة، اشتهر خلالها بانضباطه منقطع النظير، فطيلة هذا المشوار، لم يتأخر عن وقت صلاة، ولم يفتقده المصلون في أي موعد، ولم يشغله أي أمر عن إقامة الصلاة وإمامة الناس. فلم يكن أحدا يتصور غياب هذا العلامة عن الصلوات الخمس من صبحها إلى عشائها، وكذلك صلاة التراويح التي أمَّ فيها الناس لسنوات، وهو الالتزام الذي يعجز عن تجسيده أغلب الأئمة في الوقت الحالي.
فقد ظل الشيخ أو “سيدي” كما يلقبه المقربون ملتزما بانضباط عسكري في التوقيت، وكان يتحمّل مسؤوليته بطريقة عجيبة، وكل شيء عنده مدقق بالثانية، والأكثر من ذلك، كان يتولى القيام بكل شيء بمفرده بدون الحاجة لأي مساعدة من شخص آخر. فهو الإمام الخطيب الذي يقدّم خطب الجمعة والدروس، ويؤذن في الناس ويأتي بالإقامة ويؤمّ المصلين في الصلوات الخمس، بل هو الذي يفتح باب المسجد ويغلقه، وهو الذي يحرص على نظامه العام ويتفقد بيت الوضوء، ويحرص على نظافة المسجد ويسهر على مراقبة تجهيزاته وعتاده، فكان الإمام الخطيب وإمام الصلوات الخمس والمؤذن والقيّم والمتابع لكل صغيرة وكبيرة داخل المسجد. ولم يغب عن صلاة يومية ولا عن خطبة جمعة طيلة مشواره الدعوي. وفي شهر رمضان، لا يحتاج مسجده إلى إمام متطوع، بل كان بنفسه يؤمّ الناس في صلاة التراويح التي حافظ عليها حتى بعد بلوغه من الكبر عتيا.
وبحسب ابنه، السيد عبد الحميد بشير، فإن والده لم يستفد من أي عطلة شهرية، وكان يقول: “إن مهمة الإمامة لا يمكن أن تكون وظيفة إدارية، بل تتعدى ذلك لتكون جهادا في سبيل نشر الدين وخدمة الصالح العام، فالإمامة كانت لسيد الخلق محمد، صلى الله عليه وسلم، فهل كان الرسول يتخلف عن وقت الصلاة، ويكفي أي إمام أن يتذكر بأنه يتحمّل مسؤولية خلافة الرسول في هذه المهمة حتى يعرف قيمة واجبه”.
لقد كانت حياة الشيخ كلها قرآن وحفظ كتاب الله كاملا قبل أن يتجاوز سن الثانية عشر من عمره، وتنقل حينها إلى عدة مناطق لتلقي العلوم الشرعية وأحكام القرآن وأصول التفسير، فتوجه إلى زاوية الشيخ بن حالة ببجاية لدراسة الفقه المالكي، والسيرة النبوية على يد الشيخ الحملاوي بن صالح وعبد الكريم الورتيلاني. كما تعلم النحو والصرف إلى أن أتم الدراسة في سنة 1945. وكان يتنقل رفقة زملائه من العلمة إلى أعماق القبائل الصغرى مشيا على الأقدام، فيقطعون مسافة تفوق 100 كلم من أجل طلب العلم. ولما بلغ سن السادسة عشر، لاحظ مشايخه فطنته وتفانيه في دراسة العلوم، فأهلوه للتدريس في زاوية تامقرة إلى غاية سنة 1957، ثم كلفته جبهة التحرير الوطني خلال حرب التحرير رفقة زملائه بالتصدي للبدع والشعوذة في الزوايا ومحاربة السياسة المعتمدة من طرف سلطات الاحتلال آنذاك.
كما انخرط الشيخ في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وانتهج نهجها لتحقيق الهدف المنشود من طرف جبهة التحرير الوطني وجمعية العلماء على حد سواء. واستمر عطاء الشيخ بانتقاله بين العديد من الزوايا خاصة بمنطقة القبائل الصغرى، لمحاربة الجهل والبدع والتحريف في الدين إلى غاية الاستقلال. وعمل سنة 1962 معلما في مدرسة “عبد الحميد بن باديس” الابتدائية بالعلمة، لكن سرعان ما عاد الشيخ لميدان الدعوة والإمامة، أين عمل إماما وخطيبا في الكثير من مساجد ولاية سطيف، منها مسجد قرية سيدي أحسن، حيث ترجاه أهل القرية لإمامة مسجدهم والتدريس فيه لما عرفوا عنه من التزام وتفقه في الدين. وبعدها انتقل إلى مسجد الخربة بعين ولمان ثم مسجد “أسامة بن زيد” بالعلمة، قبل أن يستقر نهائيا في المسجد الذي بناه المرحوم مسعود زغار في سنة 1985، فعمل الشيخ شعبان بشير بهذا المسجد إلى غاية عام 2011. أين اختار التقاعد دون التقاعس في الدعوة، حيث واصل نشاطه في سبيل الله فاتحا بيته للناس ليتعلموا أمور دينهم، وكان ذلك بتخصيص إحدى غرف منزله الكائن بحي بلعلى بالعلمة لاستقبال السائلين عن أمور دينهم. كما فتح منزله لإصلاح ذات البين وتسوية الخلافات بين المتخاصمين والمختلفين في قضايا الميراث، وغيرها من المسائل. وظل على تلك الحال إلى أن رحل عنا سنة 2017 مخلفا وراءه مشوارا علميا ودعويا، وصورة حية للإرشاد والانضباط.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!