-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العدل يحقّق التّوازن الاجتماعي

خير الدين هني
  • 182
  • 0
العدل يحقّق التّوازن الاجتماعي

قال تعالى: ((وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)) (النساء: 58)، وقال جل ذكره أيضا: ((وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)) (المائدة:8)، وقال سبحانه: ((إِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبى)) (الأنعام: 152).

إقامة العدل بين الناس بالقول والفعل والمعاملة، وعدم المفاضلة بينهم في الحقوق والتقاضي والتوظيف والترقية، إلا بالجدارة والكفاية والجدارة، هو ما دعا إليه القرآن الكريم والسنة الصحيحة، ومن قصد العدل وأصابه فله أجران، ومن قصده وأخطأه فله أجر واحد، ومن سكت عن الحق وعمل ضده، لإبطال الباطل وسلب الناس حقوقهم، كان له وزر كبير يتحمل تبعاته بالخزي في الحياة الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة.

وأول عدل يقيمه الفرد المسلم، هو الإيمان الخالص بالله والاعتراف بوحدانيته من غير شرك بالعقيدة أو بالرياء والتظاهر أمام الناس، والامتثال لأوامره ونواهيه، لأنه ليس من العدل أن يعدل الإنسان بالقسط في قضاياه وحل مشكلاته، ويجحد وجود خالقه ويتنكر لألوهيته وربوبيته وخلقه للأشياء والموجودات، ويتخذ من دونه هواه إلها يعبده ويتبع سبله في إشباع غرائز اللذة والسّير على طرق الضلال، لأن النفس الإنسانية تجنح بفطرتها، إلى التحلّل من الالتزامات الدينية والأخلاقية، لتتحرر من قيود التكليف بالإيمان والعبادة والالتزام، ولذلك توعّد الله تعالى الذين يشركون به ويتخذون من دونه أربابا يعبدونهم بالخلود في النار، قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) (النساء:48)، فالبلاغ بعدم المغفرة للمشركين والملحدين، جاء قطعي الدلالة في هذه الآية، ولا يقبل التأويل والتفسير لغير هذا المعنى، وقد أعطى سبحانه أملا كبيرا لكل المذنبين والعصاة والمارقين والضالين ممن اقترفوا كبائر المعاصي، وحرم عليهم اليأس والقنوط من رحمته، لأن رحمته سبقت غضبه وبلغت كل شيء في الوجود.

وقد صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الشيخان في صحيحهما وغيرهما من الأئمة، من أن رجلا من بني إسرائيل قتل مائة نفس، ولم يكن هذا القاتل يائسا من رحمة الله؛ لأنه شعر بتأنيب الضمير حينما اقترف جرائم القتل المتسلسل، فندم وتاب وأناب إلى الله، وذهب إلى عالم راجيا التوبة على يديه، ولكن هذا العالم أيأسه من رحمة الله لشناعة الجرم، فأتمّ به العدد مائة، ولما أدركته رحمة الله فلم ييأس، ومضى يواصل البحث عن عالم آخر يستفتيه حتى وجده، فأفتاه بالتوبة النصوح والخروج من أرض المعصية إلى أرض أخرى يعلن فيها توبته وعمله الصالح، وفي منتصف الطريق وافته منيته، فاختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وقد احتج ملائكة الرحمة بأنه خرج تائبا، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وبعد أن قاسوا المسافة بين البلدين وجدوه دخل في الأرض الجديدة، فأخذه ملائكة الرحمة، لأن نية التوبة عنده كانت خالصة لله وحده .

فإذا عدل الإنسان مع ربه فآمن به، أقام العدل بين الناس لتستقيم حياتهم، وتتوازن مصالحهم وتتكافأ حقوقهم واجباتهم، من غير جور ولا حيف ولا ظلم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!