-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المسافة صفر والنيران الصديقة

المسافة صفر والنيران الصديقة

يقول جنرال روما وقائدها يوليوس قيصر: “إن الجبان يموت آلاف المرات، ولكن الشجاع لا يذوق الموت إلا مرة واحدة”. واضح بأن الإسرائيليين المتواجدين حاليا على أرض فلسطين وجنودهم الذين يتشابكون في الحرب على غزة، يموتون في اليوم آلاف المرات، وما تكشفه الأيام الأخيرة لهذه الحرب صارت تقتل أكثر من صواريخ “الياسين” و”الهاون” نفسها.
ما كشفته صحيفة صهيونية عن النيران الصديقة، التي أودت بحياة المئات من الراقصين والراقصات، في حفلة دين ومجون في مستوطنة ريعيم، وما كشفه عامل في مقبرة عن جثث الإسرائيليين من القتلى التي تدفن على مدار الساعة في التراب، هو دليل على أن الجبان الذي يورّط نفسه في الظلم والحروب، هو الذي عليه أن يتنحى من الحياة، وليس أبناء “حماس” وفلسطين، كما يحلم نتانياهو وغالنت أو كما حلم الجنرال الإسرائيلي ياشين، الذي حمل سنواته التسعين وخبرته في الحرب “العربية – الإسرائيلية”، وسافر إلى الجبهة، لرفع معنويات الجنود، فقتلته سكتة قلبية من شدة الرعب والهلع.
لم نسمع عن وصف “النيران الصديقة” في تاريخ الحروب، إلا خلال العدوان الأمريكي على العراق، فقد كان الأمريكيون بقدر ما يقتلون من أبرياء من أبناء بلاد الرافدين، بقدر ما يصيبون أصدقاءهم، ولم يكن يمرّ يوم إلا وتسقط طائرة أمريكية أو تدمّر دبابة ليس بنيران الجيش العراقي، وإنما من النيران الأمريكية الصديقة، قبل أن تدخل الجملة قواميس كل لغات العالم، فصارت تستعمل في السياسة والاقتصاد والسينما وحتى في عالم كرة القدم عندما يسجل لاعب هدفا في مرمى فريقه.
ولأن إسرائيل هي البنت المدللة والطائشة للولايات المتحدة الأمريكية، فقد ورثت عنها الرعب، وهذا الرمي العشوائي في الحرب، كما في السلم، والذي ولّده الجُبن، الذي يجعل الجندي يرمي بكل ما عنده من نار بأنانية مفرطة، ولا يهمّه الهدف.
وإذا كان الإسرائيليون وقبلهم الأمريكيون يعترفون بأن “النيران الصديقة” تلحق الأذى بالخطأ في جيوشهم، فكيف لهم أن يحاولوا تبرير ما اقترفوه من مجازر في حق الفلسطينيين وقبلهم العراقيين واللبنانيين في العامرية وقانة وغزة.
نحن أمام أبشع عدوّ يمكن أن نتصوره، فهو لا يعطي للأخلاق أي قيمة، وأكثر من ذلك لا يهمّه حتى جيشه أو مواطنوه، فما يهمّه هو أن يعيش اللحظة، لأنه يعلم جيّدا بأن ما غرسه من دماء وألم في غزة، سيحصده زلازل وبراكين في أقرب الأيام، وتلك نهاية الجبان الذي يلقي بنفسه إلى التهلكة.
علمتنا أيام ملحمة غزة، مفردات جديدة، يتداولها العالم، وعلى رأسها “المسافة صفر”، والفارق ما بين المسافة صفر، والرمي العشوائي من مسافات بعيدة، فتصيب الأطفال والمستشفيات والمساجد والمدارس وحتى الأصدقاء، هو الذي سيحسم حربا، بدأت بـ”طوفان الأقصى” وستنتهي بـ”نسمات الأقصى”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • سهيلة

    شكرا على المقال لقد لخص كل شيء