-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المفتشون والمديرون ورفضُ مشروع “الطابلات”

أوحيدة علي
  • 1822
  • 0
المفتشون والمديرون ورفضُ مشروع “الطابلات”

بداية، هذه تحية تقدير واحترام كبيرين لمفتشي ومديري التعليم الابتدائي، وكيف لا أحيي من يدافع عن رسالته، ويحبّ وطنه، ويقول الحق، ويكشف المستور، ويفضح المتربِّصين بالجزائر التي ضحى عليها مليون ونصف مليون من الشهداء؟ وكيف لا أحترم وأقدّر من يقول: (لا) لكل من يريد أن يدفع أبناءنا إلى هوّة لا قرار لها، ولا نجاة منها؟

كيف لا أساند مفتشي ومديري التعليم الابتدائي الذين تشجعوا وانتقدوا مشروع اللوحات الالكترونية، مشروع مكلف للدولة والأولياء، مشروع يحتاج إلى أموال أثناء الشراء، وأموال بعد الشراء تخصّ إصلاح ما فسد منها، وما أتلف منها، مشروع يخرّج أبناءنا، بل أجيال المستقبل من بيئتهم، وواقعهم، ودرجة معيشتهم، وقيم مجتمعهم، إلى بيئات خيالية، غير موجودة على وجه الكرة الأرضية، بيئات تجعلهم يكرهون العيش مع أسرهم وفي مجتمعهم، ووطنهم، بيئات تدفعهم إلى التمرّد والانحراف على الكل، وتشجّعهم على البحث عن وسيلة تخلصهم من هذا الواقع المر حسب رؤيتهم وأفكارهم بعد مقارنة أنفسهم بما يرون في العالم الافتراضي، ولا يستطيع أحدٌ أن يقنعهم، لأن الطفل في هذا السن حسِّيٌّ، أي لا يؤمن إلا بما يرى.

مشروع ابن غبريت وأمثالها مازال يُطبَّق، والدليل على هذا هو حذف امتحان (السانكيام) وجعل (البيام) امتحانا استدراكيا، وإدخال البطاقة التركيبية في امتحان (البكالوريا). وأخيرا جاء مشروع (الطابلات) بدل الطاولات، والتدفئة، وتخفيف عدد التلاميذ في القسم، وإعادة النظر في الكتاب المدرسي، وتكوين الأساتذة، وخلق التنافس بين المؤسسات، والتلاميذ، والطلبة ليرتفع المستوى…

أما الهدف من هذا المشروع فهو الجهل والتجهيل لا التربية والتعليم، لأن الأستاذ لا يستطيع التحكّم في التلاميذ، ولا يتمكّن من جذب انتباههم، ويصعب عليه مراقبتُهم داخل حجرة الدرس. ولهذا يكون هو في وادٍ، والتلاميذ في عالم آخر، عالم الخيال لا الواقع، أي أن الأستاذ يشرح ويطلب منهم الانتباه والمتابعة، بينما هم يتابعون مشاهدَ أخرى، وربما تكون مشاهدَ غير أخلاقية، ولهذا ينخدع الأستاذ بهدوئهم وعدم الحركة، وغياب الفوضى والكلام بينهم… والسؤال: هل يستطيع الأستاذ أن يفيد تلاميذه في هذه الظروف؟ وهل يتمكن التلاميذ من فهم كلمة أو درس مما يقدم الأستاذ؟ ولذا أقول إن هذا المشروع مِعول من معاول تهديم المدرسة الجزائرية، وتفكيك المنظومة التربوية.

والأدلة على هذا الاتجاه كثيرة، أذكر منها على سبيل المثال: لماذا سنت الوزارة قرارا يسمح لجميع تلاميذ السنة الأولى بالانتقال مهما كان مستواهم بحجة واهية وهي: لا يمكن تقييم الكفاءات في سنة، وكأن الكفاءات هي الهدف وليس التلميذ؟ ولما سنّت ابن غبريت قرارا آخر ينص على انتقال تلاميذ السنتين الأولى والثانية مهما كان مستواهم. في حين كان عليها وعلى خبراء التربية التابعين لها أن يبحثوا على طريقة للرفع من مستواهم؟

كما طالبت بتدريس العامِّية في السنتين الأولى والثانية، وقالت: إن الفرنسية لا تدرَّس بالعامية، ولا تُستبدَل بالانجليزية، ولهذا السبب منعت أساتذة اللغة الانجليزية من المشاركة في المسابقات الخاصّة بالتعليم الابتدائي، ولم تقف عند هذا الحد، بل فرضت الفرنسية على كل أستاذ يتقدم لمسابقة اللغة العربية في الابتدائي.

وكتابة الأعداد والعمليات الحسابية من اليسار إلى اليمين، وإدخال الحروف الفرنسية في الرياضيات، والقصد والهدف من هذا كله تهيئة الظروف لتكريس لغة المستعمِر وثقافته، وإبعاد اللغة الانجليزية حتى لا تفكر الجزائر في إدراج الانجليزية في الابتدائي. أما اللغة العربية فقد أضعفتها لما أبعدت القراءة والتعبير والإملاء والخط من الاختبارات الفصلية.

أضف إلى هذا، أنها طالبت بحذف امتحان (السانكيام)، ولما عجزت قررت بقاء التلاميذ في مؤسساتهم لتخفّف عنهم عبء التنقل، ومشاكل النقل، مع وجوب بقاء مدير المدرسة والطاقم الإداري له، وسيعاقَب كل مدير لا يحصل على نتيجة مقبولة، وهذا يعني عليك أيها المدير أن تترك الحراس يساعدون تلامذتك، ولا بأس أن يكتبوا لهم الجواب على السبورة، إنه قرارٌ يدعو إلى الغشّ والتزوير لينتقل التلاميذ إلى المتوسط بمستوى ضعيف، فيزداد ضعفُهم أضعافا مضعفة، وبهذا الأسلوب يصبح المجتمع في المستقبل القريب جاهلا، بل يدخل في دائرة الأمية التي لا ترحم أحدا.

ورغم هذا لم يتفطن أصحابُ الميدان والنقابات وجمعيات أولياء التلاميذ، بل رحّبوا بالقرار واعتبروه فاتحة خير من وزيرة التربية التي أسندت تأليف الكتب وطبعها إلى أناس لا علاقة لهم بالتربية، ومن بين هؤلاء مقاول في البناء. ولهذا جاءت الكتب المدرسية صماء، جوفاء، فارغة، لا علاقة لها بالتعليم من الابتدائي إلى الثانوي، ورغم هذه الأخطاء العلمية والمنهجية والأخلاقية ما زالت تُطبق إلى يومنا هذا. في حين كان من الواجب إعادة النظر في مضمونها ومنهجيتها، وعليه أقول: إن مشروع ابن غبريت وأمثالها مازال يُطبَّق، والدليل على هذا هو حذف امتحان (السانكيام) وجعل (البيام) امتحانا استدراكيا، وإدخال البطاقة التركيبية في امتحان (البكالوريا). وأخيرا جاء مشروع (الطابلات) بدل الطاولات، والتدفئة، وتخفيف عدد التلاميذ في القسم، وإعادة النظر في الكتاب المدرسي، وتكوين الأساتذة، وخلق التنافس بين المؤسسات، والتلاميذ، والطلبة ليرتفع المستوى…

وفي الأخير أشكر وأقدّر تدخّل مفتشي ومديري التعليم الابتدائي الذين انتقدوا المشروع قبل أن يُفرَض عليهم، ويجدوا صعوبات في التعامل معه، كما وجدوا صعوبات في الإصلاحات الكاذبة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!