-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

النُّخبة المزيفة!

حسن خليفة
  • 613
  • 1
النُّخبة المزيفة!
ح.م

أتصوّر أن هناك أولويات هي أكثر استعجالا من غيرها. ومن هذه الأولويات استحداث ورشات وعي وفهم تشتغل على ملف واحد كبير وهو ملف “النخبة المزيّفة”. والمقصود بها هنا النخبة الأقليّة المستَلبة التي كان لها الدور الرئيس في كل ما عرفته بلادنا على مدار عقود طويلة على الأقل في السنوات الأربعين الماضية.

وأعتقد أنه لا يمكن فهم الكثير مما جرى ويجري إلى اليوم، دون استيعاب دقيق متبصّر لأعمال وجهود هذه الفئة السّامّة.

وما يدعو إلى الاستغراب هو عدم إدراك حقيقة وخطورة هذا الإخطبوط ذي الأذرع المتعددة، على الرغم من توفّر الأدبيات من كتب ودراسات ومقالات وغيرها، تسمح بالوقوف على جزء كبير مما اجترحته هذه الفئة من جرائر، وقد ذكر ذلك ـ على سبيل المثال ـ الأستاذ محمد عبّاس في كتابه “النُّخبة.. والغاشي: مشكلة النُّخبة المُستَلبة”. كما تمت دراسة الموضوع عينه في أطاريح علمية كـ”الصحافة الفرانكوفونية في الجزائر المستقلة وديموقراطية الاستقواء”، أو “الخطاب الإسلامي في الصحافة المكتوبة بالفرنسية في الجزائر” (وهو سفر في أكثر من 900 صفحةـ أطروحة دكتوراه دولة، طُبعت منها أجزاء متفرقة للدكتورة مفيدة بلهامل). وغيرها كثير.

لكن دعنا نقصر الأمر على بعض ما ورد في كتاب الأستاذ محمد عبّاس مع التركيز على ضرورة وأهمية الاشتغال على هذا المحور (جنايات الفرانكوفو/فيلية) على الوطن دينا، ولغة، وأرضا واقتصادا، فذلك جدير بإعادة تصويب البوصلة، ومعرفة اتجاهات الأحداث والأدوار التي أدتها تلك النخبة المزيفة في وصولنا ـ جميعاـ إلى هذا الوضع المتشابك الملتبس الذي افتقد فيه البعضُ إن لم أقل الكثير منا معرفة “وجه الصواب” تقريبا، وهذا ما نراه من انقسام والتباس في المشهد الحالي.

لقد حمل هذا الكتابُ الكثير من الحقائق المهمة التي ينبغي أن يقرأها ويدرسها المثقفون في بلدنا لمعرفة الأحداث والوقائع ذات الصلة بكل ما تمّ على طول الخطّ الزمني لأكثر من أربعين عاما.

 ويكفي أن يُشار إلى بعض العناوين الدّالة التي وردت في الكتاب وهي مفتاح جيد للإحاطة والفهم، للتأكيد على تمدّد هذه الفئة المتنفّذة والضالة المضلة كما وصفها الكاتب الصحفي والمؤرخ محمد عباس، وانغماسها التامّ في كل ما له علاقة بعرقلة المشروع الحضاري للجزائر؛ إذ عملت المستحيل من أجل:

 1- رفض اللغة العربية ومحاربتها بكل الأوجه في الخفاء أو في العلن.

2- التمكين للفرنسية بكل شكل ممكن، و”تناسل” الصحف والوسائط المكتوبة بالفرنسية بشكل لا يمكن تفسيره إلا في ضوء تخطيط وسيطرة ورؤية وخريطة عمل لهذه النخبة المزيفة.

 3- الرفض التامّ لأي دور للإسلام في إدارة المجتمع وسياسة الدولة، وكل ما سَمحت به أن يكون الجزائري، في علاقته بدينه، أن يحترمه كتراث، وحصره في مجال العبادات، وينبغي هنا استدعاء كل ما يتعلق بالإسلام في مجال الأسرة، مناقشات الميثاق الوطني 1976، المنظومة التربوية والتكوينية حتى الجامعة؛ إيقاف التعليم الأصلي، توقيف ملتقيات الفكر الإسلامي، تجميد قانون استعمال اللغة العربية، وغيرها من مسالك الحرب المركزة على الثوابت والمبادئ إلى اليوم كما تتجلى في كتابات الصحف الفرانكوفونية واصطفافها ـدائماـ في الصفّ الآخر.

 4- رفض وإفشال أي تطلع شعبي لبناء مجتمع حضاري راق، على أساس الإسلام ومبادئه وحضارته.

  5- صبّت مواقف هذا التيار النخبوي النشط السّام في وعاء الهدم والتثبيط والمنع؛ إذ كان وراء الكثير من الانكسارات ذات الصلة بمشروع المجتمع الجزائري الحضاري المستقل التامّ الاستقلال، وذلك من خلال تنفّذه وانسلاله إلى مراكز القرار هنا أو هناك. (انظر: ملخص أطروحة الدكتوراه: الخطاب الإسلامي في الصحافة المكتوبة بالفرنسية. ص 39).

 عناوين ومقتطفات من الكتاب

* النخبة المزيفة.

* قطيعة مع التاريخ.

* التحالف الرهيب ضد التعريب.

* المسألة الأمازيغية (قمارجية السياسة).

* جرجرة في الإيديولوجية الاستعمارية.

* هزيمة مبكرة لجزائر نوفمبر.

*التعددية المغشوشة.

* الأقلية الناطقة.. والأغلبية المغمومة.

أعتقد جازما بأن قراءة الكتب والمؤلفات والدراسات ومنها (النخبة والغاشي) ستمكّن القارئ من إحاطة أمثل وأفضل، وتقرِّب إليه طبيعة الصراع الضاري، وتعرّفه بما جرى منذ وقت غير قصير في الوطن ولمّا يزل يجري حتى اليوم، وأعني بذلك الانحرافات التي وقعت؛ إن على مستوى التنمية الفاشلة (أو بتعبير أصحّ تنمية التخلّف) التي كانت وراءها هذه “النخبة المزيّفة”؛ ممن تحكموا في مقاليد الأمور والتدبير والتسيير، بشكل مباشر أو من وراء ستار، على مدار عقود. وكان منهم الوزير، والسفير، والمستشار، والمدير العام، والمستشرف، والمخطط، والمدبّر (وأخصّها وأخطرها هذه الأخيرة “المدبّر”) وغيرهم كثير في مختلف المراكز والمؤسسات.

بل إنّ أهم من ذلك كانت هذه “النخبة” المزيّفة أيضا وراء الأحداث الكبيرة التي شهدها الوطن على مدار أكثر خمسين عاما على الأقل، بما في ذلك المأساة الوطنية التي كلفت الوطن الغالي والنفيس وأرجعتها عقودا إلى الوراء، وأحدثت شروخا ضخمة في بنيانها ونسيجها.

كل ذلك كان من تدبير “النخبة” المزيّفة ودعنا نقولها دون تورية. إننا نعني النخبة الفرانكوفو/فيلية التي صُنعت على يد المستعمر، وتمت رعايتها ومرافقتها، والعمل على التمكين لها بكل سبيل.

 بدأت هذه “النخبة” المزيفة منذ 1955 في التفكير في مستقبل الجزائر المستقلة، من زاوية التعايش مع الأقلية الفرنسية، وهذا ما يفسّر اهتمامها باللائكية كحل يستبعدُ الطابع الإسلامي للجزائر المسلمة، وانحرف بها نحو “الجزائر الجزائرية” التي يعرِّفها المرحوم فرحات عباس بأنه “لا عربية ولا فرنسية”، ويؤكد في كتاباته أنه اتفق على ذلك مع عبان رمضان، وكأنّ عبان أو عباس كانا يجهلان عنصرية هذه الأقلية الفرنسية والطابع العنصري للنظام الكولونيالي.

والغريب أن الأقلية الفرنسية خرجت من الجزائر عام 1962، لكن اللائكية بقيت بعدها إلى يومنا هذا، فهل لدينا أقلية مسيحية؟ وهل هذه الأقلية من الأهمية بحيث يجد استمرار الطرح اللائكي ما يبرره؟

وقد استفحل داء هذه “النخبة” المزيفة الضالة والمُضلة منذ أحداث أكتوبر 1988 التي جعلت منها قميص عثمان فيما تدعو إليه من قطيعة مع جزائر الوطنية والثورة. جزائر الشعب الوفي لنفسه الفخور بانتمائه إلى مجاله الثقافي الأصلي، في إطار مجال أوسع هو المجال الثقافي العربي الإسلامي”.

ويذكر المؤلف أمثلة من أولئك الذين كان لهم دور فيقول:

“أما صدارة الصورة المشكَّلة من الثلاثي: الأشرف، مالك، يزيد، فتستحق وقفة خاصة؛ لأنهم محسوبون على الوطنية.. فإذا بمواقفهم المكتوبة والمسموعة والمرئية تكشف أنهم ركبوا قطار الوطنية اضطراريا، دون علم بمحطاته اللاحقة والنهائية”.

“هاهي النخبة المتعلمة بالفرنسية تصدق نبوءة الأب دي فوكو فيها، فتكشف أنها ركبت قطار الوطنية التحررية خطأ، بل وأخطر من ذلك أنها لا تتحرج من رفع معاول الهدم لكل مقومات وحدة الشعب والوطن من رموز ثقافية ودينية (ص 30).

ويقول في الصفحة الموالية من “دعاوى الشر” التي لحقت ببلدنا في هذا الزمن الرديء معاداة اللغة العربية التي كانت ولا تزال في الوعي الشعبي تحظى بنوع من القداسة.. واستنادا إلى هذا الوعي بالذات لم نكن نتوقع في يوم من الأيام في رحاب الجزائر المستقلة أن يبلغ العداءُ للعربية هذه الدرجة من الحقد الأعمى على صفحات بعض الجرائد المعروفة بتعصّبها المركب: جهوية زائد فرانكوفونية. ويتحدث كيف استغلت تلك النخبة (الأقلية) أجواء اغتيال الرئيس محمد بوضياف في 29 يونيو 1992 لتمرير تجميد قانون استعمال اللغة العربية:

“لقد كان مشروع المرسوم مطروحا للنقاش عندما بلغ أعضاء المجلس الوطني الاستشاري نبأ اغتيال الرئيس محمد بوضياف بعنابة، فرُفعت الجلسة طبعا دون أن يفكر رئيسها الكاتب (الروائي) عبد الحميد بن هدوقة في تحديد موعد الجلسة القادمة (لهول الخبر). ولم يخطر ببال عدد من أعضاء المجلس أن تعقد جلسة خاصة يوم 30 يونيوـ أي بعد يوم واحدـ للبـتّ في الأمر في غيابهم!

وفي صبيحة يوم الأربعاء فاتح جويلية، بينما كنا نترحم بالقصر الرئاسي على جثمان الفقيد أخبرني أحد الزملاء بالقضية، وكيف بلغ حماس رئيس المجلس السيد رضا مالك في سبيل تمرير المشروع إلى حد القول: “بأن الظروف المأساوية لا يمكن أن تحول بين المناضل وأداء واجبه!”. (ص 33).

وقد أدى مالك واجبه على أحسن وأكمل وجه في قبر العربية ومحاربتها وقهرها بين بنيها وديارها، خاصة أن المجلس الانتقالي كان مشكَّلا من أقليات إيديولوجية معروفة، كما أدى غيرُه واجباتهم في التثبيط والعرقلة والصّد.. فهل أدينا نحن واجباتنا؟ وللحديث بقايا.

*النخبة والغاشي: مشكلة النخبة المستَلبة، محمد عباس، منشورات مؤسسة الشروق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جزائري حر

    الحمد لله في الاخير نطق احهم وقال الحقيقة. ما رأيك يا خليفة انه حتى من زعط من الدراسة في الإبتدائي وحين شبعت كرشه ظهرتلو روحو رجع مخ!!!!!!!!!!!