-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الوسطية… والاعتدال: إشكالية المأزق

الوسطية… والاعتدال: إشكالية المأزق

من عمّان بالمملكة الأردنية، إلى الوادي بجنوب الجمهورية الجزائرية، نظم ملتقيان، في نفس الأسبوع، وبنفس العنوان، الوسطية والاعتدال في الخطاب الإسلامي.

إن هذا التلاقي في العنوان، بين مدينة الوادي الجزائرية، ومدينة عمّان الأردنية، لم يأت من باب الصدفة، وإنما هو حدث يترجم مدى التأزم الذي تعيشه الأمة الإسلامية مشرقاً ومغرباً، ومدى المأزق الذي آل إليه الخطاب الإسلامي اليوم.

إن المؤتمرين الذين جاؤوا إلى كلا الملتقيين، وما منهم إلا باحث مدقق، ومحقق معمق، إنما كانوا يحملون هاجس التحسيس بما آل إليه الواقع الإسلامي، من نأي عن جوهر الإسلام في نقائه وصفائه، ومن سقوط في هوة المأزق، الذي تردت فيه أمتنا، فتفرقت أمتنا شيعاً وأحزاباً، يضرب بعضهم رقاب بعض، بعد أن صار يلعن بعضهم بعضا، ويكفّر بعضهم بعضا، وما أولئك بالمؤمنين حقا.

إن إشكالية المأزق كما شخصها مفكرو الأمة الإسلامية في كل من عمان والوادي، إنما تنطلق من أزمة المفاهيم، وإشكالية المصطلحات، وعقدة التشرذم والعنف الناتجة عن ذلك. 

فقد تسللت إلى واقعنا الثقافي والسياسي والاجتماعي أزمة الفكر، متجلية في الغلو، والتشدد والتطرف، بأشكاله المختلفة، منها الديني، ومنها الطائفي ومنها الإيديولوجي، وكلها تفضي إلى الإقصاء والإلغاء، وكلها تدعو إلى التجييش والتهميش.

فهذا التمزق الذي تعيشه أمتنا الإسلامية مجسداً في الهوة بين الحاكم والمحكوم، والقتال بين الظالم والمظلوم، والصراع على ما هو مجهول وما هو معلوم، كل هذا إنما ينم عن إشكالية مأزق تردى فيه الجميع، بسبب ضحالة الفكر، وتفشي ذهنية المكر، فضاعت الأمة بين جامد وجاحد، وبين حاقد وحاسد.

لقد كانت أزمة المفهوم والمصطلح، مقدمة خاطئة لظهور الطائفية المقيتة، والعصبية الخبيثة، فنبت المتنطعون، وبرز المتفيقهون الذين ضلوا، ويضللون، يفتون بغير علم، ويعلمون بغير فهم، فتحقق فينا وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

فكيف يتم في ضوء هذا الواقع الإسلامي المتردي، العودة إلى الوسطية والاعتدال، والتسامح، وأدب الاختلاف مع الآخر، وكلها قيم أصيلة في إسلامنا؟

إن ذلك إنما يتم، بإحداث ثورة فكرية، على القوالب الجامدة، والأحكام الجاهزة، والعقد العقلية والنفسية السائدة. ذلك أن الهوة السحيقة التي فصلت المسلمين عن إسلامهم الصحيح، بسبب الجهل، هي أصل كل الداء، ولذلك لا بد من تجاوز عقدة الذات المتعالية، وهي عقدة نفسية حار علم النفس في حلها، ولا علاج لها إلا بالعلم، والخلق، المفضيين إلى المحبة والإخاء، والتسامح، وقبول الرأي الآخر، وكلها قيم إسلامية راسخة، ظل الناس عنها معرضين، ولحقيقتها جاهلين.

ولا يمكن القول بأن الحل قد يكمن في جلب الدعاة المزعومين، الذين لا زاد لهم من العلم إلا زاد تفسير الأحلام، ونشر الأوهام، وهدهدة النيام.

إن الحل الحقيقي يكمن في العودة الجادة إلى الذات الأصيلة والعميقة، التي حدد معالمها الإسلام الصحيح، وجسد نماذجها سلفنا الصالح بأسلوب متين وخلق فصيح. ذلك أن المجتمعات لا تبنى إلا بأحجارها الأصيلة، وبإشراف من قيادتها العلمية النبيلة، وبالاستناد إلى مرجعيتها الجليلة.

نريد–إذن- أن نحسن الإصغاء، إلى صفوة العلماء، المتجذرين في علمهم، المتميزين بفهمهم، المعروفين بمصداقيتهم. إن هؤلاء الذين دُعُوا إلى الملتقى العلمي الخاص بالوسطية والاعتدال، هنا أو هناك، وقد شخصوا لنا الداء، ووضعوا لنا الدواء، هم الذين يجب أن نأخذ بوصفتهم، وأن نقتدي بقدوتهم.

إن الجرح في أمتنا غائر وعميق، وإن البون بين المرض والعلاج متجذر وسحيق، ولكن الشفاء ممكن التحقيق، والضمان الحقيقي لهذا الشفاء، يبدأ بإسناد المهمة إلى العلماء، والحكماء، والنبغاء، والصلحاء، والبلغاء، بعيداً عن سياسة الببغاء، واتباعية السفهاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!