-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بداية العد التنازلي

عمار يزلي
  • 1021
  • 0
بداية العد التنازلي

الوحشية والصلف والعنجهية الصهيونية في غزة، وصلت إلى ذروة لم تصلها أيُّ قوة دولية منذ الحرب العالمية الأولى، ضاربة عرض الحائط بكل القيم الإنسانية والأخلاقية والقوانين الدولية، وكأنها -وهي فعلا كذلك- فوق كل القوانين وفوق كل الأعراف والقيم، وهذا بغطاء ودعم وتواطؤ أمريكي غربي لا غبار عليه.
هذا الغرب، الذي انكشف وانكشفت معه “قيمه الزائفة” وعنصريته، ومكاييله المختلفة، والتي هي استمرارٌ لنفس المكاييل والقيم المغروسة في جيناته تاريخيا منذ حروب الرومان والتوسع الصليبي مرورا بموجة الاستعمار في القرن الـ19 وتقسيم النفوذ في القارات الخمس ووصولا إلى الهيمنة الغربية الرأسمالية، وتحويل العالم إلى مستعمرات وأقاليم نفوذ تحرسها القواعد العسكرية وحاملات الطائرات، ومنها “أكبر حاملة طائرات” أمريكية في العالم وفي الشرق الأوسط تحديدا وهي “دولة” الكيان الصهيوني، وهذا حسب تعبير “روبير فرانسيس كينيدي جونيور”، هذا الغرب هو اليوم في أعلى مرحلة من التطور المادي، وأدنى مرحلة من الانحطاط التاريخي. الانحطاط هنا، بمفهومه الفلسفي وليس بالتوصيف الأخلاقي، وهذا معناه، أن مرحلة الأفول قد بدأت في رأي كثير من المفكرين والفلاسفة وعلماء الاجتماع والتاريخ: فكل ما زاد على حده، انقلب إلى ضده، وكلما انتفخت الفقاعة أكثر فأكثر، دنت من انفجارها. هذا قانونٌ كوني وسُنَّة من سنن الخلق وناموس كوني إلهي: “أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها” (الرعد/41). هذه الآية الكريمة فُسِّرت وأوِّلت على أكثر من وجه، لكن علماء فيزياء الكون فسَّروها اليوم على أن الأرض، عند شيخوختها بعد كبر حجمها وتضخُّمها، ستبدأ في الانكماش من الأطراف قبل أن تنفجر. علماء التاريخ والحضارة، أيضا يتحدثون على أن نفس القانون قد سرى على كل الحضارات المتعاقبة، إذ كلما توسعت وامتدت حضارة معينة، تبدأ مع التطور في الانكماش من الأطراف، لعدة أسباب، اقتصادية، أخلاقية، اجتماعية. تتطور إلى أن يدبَّ فيها الوهن فتسقط، هذا ما حدث مع كل الحضارات والتوسعات والإمبراطوريات في كل أرجاء العالم.
الكيان الصهيوني، وهو الغدة الدرقية للغرب المزروعة في جمجمة ومخّ العالم العربي والإسلامي كدركي على نفط المنطقة بشكل أساسي، أوصل معه الغرب الداعم له بلا حسيب ولا رقيب، إلى قمة العتوّ، وبالتالي بدأ الانكماش والانحدار نحو الهاوية: هذا ما ورد في القرآن الكريم بحق بني إسرائيل حول “العُلوّ”، أي الطغيان والتجبر والفساد في الأرض: “وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب، لتُفسدنَّ في الأرض مرتين ولتُعلنّ علوًّا كبير” (الإسراء 4)، وما يرث ويتلو ويلحق بهذا الفساد وهذا العلو من سقوط وانهيار. السبب في ذلك أن هؤلاء القوم، الفاسدين أخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا، بعنصرية فيهم وحبهم للمال والشهوات، لا خَلاق لهم ولا أخلاق في جمع المال والربح، فيقومون في كل مكان وجِدوا فيه بالتربُّح بكل الطرق، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، إلى أن يسيطروا ويصبحوا طغما متسلطة، وتكون بذلك نهايتهم. رأينا ذلك في أكثر من زمان ومكان: في القدس مرتين: في عهد الملك البابلي “نبوخند نصر” (ق 6 قبل الميلاد)، ثم في عهد الإمبراطور الروماني “تيتوس” (سنة 80 م)، والتي كانت نهاية ثانية لهم ولملكهم، بعدها عاشوا في الشتات في العالم. ثم ما حدث لهم في روسيا القيصرية نهاية القرن 19، ثم في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الأولى، عندما طغى اليهود على كل مناحي الاقتصاد والمال على حساب الألمان، فكانت حملة كراهية اليهود ومعاداة السامية ثم المحرقة.. واليوم قد بدأ العدُّ التنازلي بفعل القاعدة ذاتها: إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!