-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“بريكس”.. استحقاق الجزائر الممكن

“بريكس”.. استحقاق الجزائر الممكن

إعلان الرئيس عبد المجيد تبون عن رغبة الجزائر في الانضمام إلى مجموعة “بريكس” يعبِّر عن إرادة طموحة في تجاوز كل العقبات وبرمجة الجزائريين على موعد جديد مع التاريخ للإقلاع الاقتصادي نحو حظيرة الدول الناشئة.

الطموح القويّ الذي تتحلى به القيادة السياسية الجزائرية في هذه المرحلة مهم جدا لوضع البلاد على الطريق الصحيح، بعد عقود من الفرص الضائعة على كافة المستويات، وتركيزها تحديدا على تفعيل الاقتصاد وتجسيد الإصلاح الهيكلي، والتحرك ببراغماتيّة ونديّة في العلاقات الخارجيّة، يمثل أوراق قوّة تفسح المجال لآفاق واعدة.

إنّ خيار الالتحاق بمجموعة بريكس يترجم كذلك بُعد نظرٍ سياسي، يدرك عمق التحوُّلات الدوليّة في إعادة رسم معالم النظام العالمي الآخذ في التبلور، خاصة ضمن تداعيات ما بعد جائحة كورونا ونتائج ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، إذ يتوجه العالم نحو تشكيل أقطاب جديدة ستغير حتما من احداثيات الهيمنة التقليدية.

وفي الجهة الأخرى، فإنّ الجزائر اليوم تملك الفرصة والمؤهلات لتطمح في مرافقة الدول الناشئة، ولا يمكن أن تضيّع مزيدا من الوقت، فقد فتحت أمامها الأحداثُ الدوليّة المتسارعة، والتي غيرت معطيات السوق الطاقوية وخارطته الجيوسياسية، فرصة ذهبية لإعادة التموقع وفرض نفسها كفاعل استراتيجي في حوض المتوسط والجوار الأوروبي الواقع تحت ضغط البحث عن التوازن بين مصالح حليفه الأمريكي والقوى الصاعدة من الشرق.

قبل عامين فقط، وجدت بلادُنا نفسها في ورطة أمام جائحة وبائية غير مسبوقة عطّلت عجلة الحياة عبر العالم، ما اضطرها إلى الاعتماد بشكل شبه كليٍّ على مواردها الاحتياطية، مع التريث اضطراريا في تنفيذ الخطة الإصلاحية على الاقتصاد، لكنها اليوم تشق طريقها بتفاؤل كبير تؤيده المؤشرات المتنامية في ظرف قياسي.

لقد دخلت الجزائر فعلا مرحلة الإنعاش الاقتصادي، والأرقام وحدها تصدّق ذلك، حتى لو كان جزؤها الرئيسي لا يزال نتاج ريع نفطي، وهو ما يجعلها أكثر عزما على بلوغ أهدافها في التحوُّل نحو اقتصاد عصري متوازن، بالخروج من التبعية للمحروقات والتنويع تدريجيا في مواردها المالية.

صحيحٌ أن طفرة السوق الطاقوية كان لها أثرُها الإيجابي على الخزينة العمومية، لكن للأمانة، فإنَّ فارق الميزان التجاري خلال 2022 ليس وحده المؤشر الإيجابي، كما تبقى قيمة الصادرات خارج المحروقات لها مساهمتها في صنع الفارق.

الأهمّ في رؤية القيادة السياسية المجسدة عبر برنامج الحكومة هو جديتها في صناعة اقتصاد بديل على المدى المتوسط على الأقل، إن لم يكن ذلك قريبًا، خاصة فيما يتعلق بالتأسيس لقطاع صناعي فعلي، يمنح القيمة المضافة في الإنتاج واستحداث مناصب شغل حقيقية وقارّة.

 لقد تريّثت السلطاتُ التنفيذية في الإفراج عن قانون الاستثمار رغم الحاجة الملحَّة، كما لا يزال ملف السيارات يراوح مكانه تفاديًا للأخطاء السابقة والعبث مجددا بالمال العامّ، مع ما يشكل ذلك من ضغط رهيب على السوق الداخلية، زيادة على تمسكها بضبط التجارة الخارجية، في إطار تشجيع الإنتاج الوطني وحفاظا على احتياطي الصرف.

كما توجّهت الحكومة بإصرار كبير نحو رهان الأمن الغذائي، جاعلة من قطاع الفلاحة، وخاصة الصحراوية منها، والشعب الإستراتيجية على غرار الحبوب والذرة والصّوجا، أولويات مستعجلة.

وفي غضون ذلك، صار التوغل في السوق الإفريقية -بصفتها عمقا استراتيجيا – محورَ عمل حكومي، بدأ يؤتي ثماره بتوسُّع حركة التصدير في منتجات مهمة، ولا يزال مفتوحا على آفاق جد مبشرة في حال الاستمرار بنفس الوتيرة.

تلك المؤشرات، مدعومة بالاستقرار السياسي والقوة العسكرية المحورية والدور القيادي إقليميّا، ناهيك عن تجنيد الآلة الدبلوماسية مؤخرا، تجعل طموح الجزائر مشروعًا وموضوعيّا، خاصة باعتبارها رائدة تاريخيا في التعبئة لصالح نظام دولي اقتصادي عادل ضمن حضورها الفعال في حركة عدم الانحياز.

إنّ التطلع إلى الانخراط في دائرة الدول الناشئة رهانٌ واقعيّ بالنسبة للجزائر على المستوى الاقتصادي، قبل أن يكون خيارا مدفوعا بخلفيات سياسية في ظل متغيرات عالميّة، كما أنه إشارة عمليّة لتعبئة لكل القوى الوطنية، في مختلف المجالات، لتكون بنفس العزيمة في نقل بلادنا إلى مصفّ الكبار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!