-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بطالة إرادية في الجزائر

حسين لقرع
  • 3050
  • 0
بطالة إرادية في الجزائر

تؤكِّد الأصداء الواردة من مختلف جهات الوطن، أن الكثير من شباننا أصبحوا يرفضون العمل في الأشغال اليدوية، وفي مقدِّمتها الفلاحة والبناء والأشغال العمومية…

   هذه الظاهرة كانت في الماضي مقتصرة على المدن، إذ كان شبانها يرفضون هذه النوعية من الأعمال حتى ولو كانوا بمستوى الابتدائي، فكان سكان الأرياف يسدّون الفراغ، ولكن العدوى امتدّت الآن إلى الأرياف مع انتشار التعليم على نطاق واسع، فأصبح شبَّانُها يأنفون من العمل فيها ولو بشكل مؤقت، وأصبحوا ينظرون إليها بدورهم على أنها مهن وضيعة “لا تليق بمقامهم”، ويشترطون العمل في مكاتب الإدارات والمؤسسات المختلفة، وأضحت هذه المهن تعاني في السنوات الأخيرة ندرة غير مسبوقة في اليد العاملة بالأرياف، في حين كان العمال متوفرين بكثرة في هذه المجالات مقابل ندرة فرص العمل قبل عقود، ولذا كان أغلبهم يتوجّهون إلى المدن بحثاً عن العمل في هذه المهن.

    وجاءت “لونساج” عام 1997 لتزيد الطين بلة، فأصبح جلُّ الشبان البطالين يسعون إلى إقامة مؤسسات مصغرة بقروض بنكية، دون أن يكتسبوا أدنى خبرة مهنية من خلال العمل كأجراء في مؤسسات أخرى من قبل، وساهم منحُ عشرات الآلاف من القروض لهذه الفئة في السنوات الثلاث الأخيرة، في إطار سياسة شراء السلم الاجتماعي بأيِّ طريقة، في تفاقم مشكلة ندرة اليد العاملة في الفلاحة والبناء ومجالات يدوية أخرى، فالكل أصبحوا “مْعلّمين” ولا حاجة لهم للعمل لدى أيّ كان.

   الآلاف من أصحاب الأراضي في مختلف أنحاء الوطن يشكون ندرة العمال في الفلاحة، ونفس الأمر ينطبق على ورشات البناء، وهذا برغم العروض المالية المغرية التي تقدّم لهم إذ تتراوح أجرة اليوم الواحد بين 2000 و2500 دج، أي ما بين 60 و75 ألف دينار شهرياً، وهي أجرة محترمة يحلم بها الكثيرُ من المستخدَمين والعمال في مختلف المؤسسات العامة والخاصة، كما أن مشكلة التأمين لم تعُد مطروحة لدى الخواص الذين يستخدمون هؤلاء في ورشاتهم وأراضيهم، فماذا يريدون أكثر من هذا؟

   المفارقة أنَّ الكثير من الشبان يعاني بطالة خانقة، وبعضُهم يقوم بقطع الطرقات والتظاهر بسببها، بل إن بعضهم لا يتردّد في سكب البنزين على جسمه وإشعال النار احتجاجاً على “بطالته”، ولكنه يرفض في نفس الوقت العمل في الأعمال المذكورة ولو مؤقتاً، فلا يجد أصحابُها بدّا من الاستنجاد بالعمال الأفارقة والمغاربة والتونسيين، وغداً قد “نستورد” عمالاً آخرين من بنغلاديش والفلبين، ليأكلوا خبز الدار.

   وعندما يرفض شبانٌ العمل في مهن شريفة أجورها معقولة، وبإمكانها تحسين أوضاعهم المعيشية، بذريعة أنها مهن “وضيعة”، ثم يقومون بالمخاطرة بحياتهم في قوارب الموت إلى أوربا ويكونون طعاماً للحوت، أو يتعرّضون لشتى المعاملات الجارحة والمهينة للكرامة الإنسانية في المحتشدات التي تفتحها دول أوربا لـ”الحرّاڤة” الأفارقة، فهل يمكن أن نعتبر هؤلاء الشبان “الحرّاڤة” ضحايا للبطالة في الجزائر، أم ضحايا تفكيرهم غير العقلاني، واشتراطهم “خاتماً على المقاس” كما يقول المثل؟ ولماذا يقبلون بالعمل منظِّفي طرقات ومجاري مياه في أوربا، ولا يقبلون بالفلاحة والبناء في الجزائر؟

   الرُّسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، عملوا في الرعي والنجارة والبناء وأعمال أخرى يدوية متعدِّدة ولم يروا في ذلك أي إنقاص من قدرهم، وهم خيرُ خلق الله، أما شبانُ آخر زمن فقد أصبحوا يرون في مثل هذه الأعمال تقليلاً من شأنهم، وإهانة بليغة لهم حتى وإن كانت أجورُها معتبَرة وكانت مستوياتهم الدراسية محدودة، ويشترطون العمل في الشركات أو فتح مؤسسات بقروض بنكية وبدون أيّ خبرة. تُرى هل صحيح أن هناك مشكلة بطالة حقيقية في البلد؟ أم أنها مشكلة ذهنيات بالدرجة الأولى؟  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!