-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بوريطة يبرِّر الخيانة

حسين لقرع
  • 3087
  • 0
بوريطة يبرِّر الخيانة

لا ندري بأيّ منطق يفكّر وزيرُ الخارجية المغربي ناصر بوريطة وهو يبرّر خيانة بلاده لفلسطين وذهابها بعيدا في الانبطاح للاحتلال، بأنها “في مصلحة القضية الفلسطينية”؟!
لو قال بوريطة إنَّ في التطبيع مع الاحتلال مصلحةً سياسية لبلده لكان كلامُه قابلا للتصديق حتى لو لم نوافقه؛ فالمعروفُ أنّ المغرب قايض فلسطين بالصحراء الغربية وطبّع مع الاحتلال مقابل اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بـ”سيادته” عليها، كما أنّه يراهن على إنعاش سياحته باستقطاب مئات الآلاف من يهوده المجرمين الذين دخلوا فلسطين غاصبين، وقد وقّع مع الكيان اتفاقيةَ تعاونٍ عسكري وأمني يتمكّن بموجبها من الحصول على أسلحةٍ صهيونية نوعية كالطائرات المُسيَّرة ومنظومات دفاع جويٍّ متطوّرة وغيرها فضلا عن إقامة مصنع مشترك للطائرات المسيَّرة بالمغرب… وربما حقّق المخزنُ من هذا بعضَ المكاسب المحدودة، لكنّها لا ترقى إلى تغيير الوضع القائم؛ فتغريدة ترامب لم تغيّر شيئا في قضية الصحراء ولم يحسمها المغربُ ديبلوماسيا لصالحه، ولا تزال قضيةَ تصفية استعمار، وحلها بيد الأمم المتحدة وليس في يد أمريكا، أما ميزانُ القوى العسكري فالجزائر تعرف جيّدا كيف تتكيّف مع الواقع الجديد الذي تؤدي فيه المسيَّراتُ دورا كبيرا في حسم الحروب ولن تترك نفسها فريسة لما يدبّره لها المخزن وحليفُه الصهيوني الذي لم ينتصر حتى على مسيَّرات حزب الله.
إذن، لو قال بوريطة إنّ التطبيع مع الكيان الصهيوني يحمل مصلحةً لبلده لأمكن تصديقُ كلامه، حتى وإن كانت هذه المصلحة محدودة وسيدفع المغربُ ثمنها غاليًّا يوما ما، أما أن يقول إنّ تطبيع بلده يحمل مصلحة للفلسطينيين فذلك هو الكذبُ البواح بعينه، فمتى كانت خيانةُ فلسطين مصلحةً لها؟!
هذه السخافات سمعناها من قبل من حكام الإمارات والبحرين وتركيا أيضا، وها هو وزير خارجية المغرب يرددها الآن بلا خجل، وكأنّه يستخفّ بعقول الفلسطينيين وكذا المغاربة والشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم كلهم، وحده حاكمُ السودان عبد الفتاح البرهان كان صادقا مع نفسه وشعبه عندما قال إنّ التطبيع يحمل مصلحة لبلاده لأنه يرفعها من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب ويسمح لاقتصادها بالتنفس وجلب الاستثمارات… أي أنه كان صادقا في الاعتراف بأن بلاده تخلت عن القضية الفلسطينية من أجل مصالحها.
تُرى كيف يبرّر بوريطة إدانته لعملية الخضيرة البطولية التي قام بها مقاومان فلسطينيان في 27 مارس 2022 وقتلا خلالها عنصرَيْ أمنٍ صهيونيين وجرحا 10 آخرين، ووصفها بـ”الإرهاب”؟ هل هذا الوصفُ يخدم القضية الفلسطينية؟ وكيف يبرّر بيانَ وزارته عقب العدوان الصهيوني على غزة في أوت الماضي والذي تفادت فيه بشكل واضح إدانة جرائم الاحتلال وفي مقدِّمتها قتل 39 مدنيا فلسطينيا منهم 19 طفلا، وساوت بين الضحيّة والجلاد؟ ماذا قدّمت المغربُ للفلسطينيين بعد تطبيعها مع الاحتلال؟ هل أفاد تطبيعُ مصر مع الكيان منذ 43 سنة كاملة، وكذا تطبيعُ الأردن منذ 1994، فلسطينَ في شيء، حتى تفيدها هرولةُ المخزن الآن؟
ما يحدث خلال التطبيع بين الكيان الصهيوني وأيِّ بلدٍ عربي، أنه يخرج من السرّ إلى العلن، ويكفّ عن نفاقِه، ويُعلن مواقفَه الحقيقية بوضوح تامّ بلا مساحيق ولا كلمات منمَّــقة عن “قضيته المركزية الأولى”، بل قد يصبح عاجزا حتى عن إدانة جرائم جيش الاحتلال ومستوطنيه.. حينما يطبّع أيُّ بلدٍ عربي فهو يساهم في فكّ العزلة العربية عن الاحتلال، وإدماجه أكثر في المنطقة، ويصبح صديقا له، ومن ثمّة يغضّ النظر عن جرائمه اليومية بحقّ الفلسطينيين، كما يصبح متحالِفا معه ضدّ بلدٍ عربي أو إسلامي آخر؛ ففي الخليج تتحالف البحرين والإمارات مع الكيان للاحتماء به من إيران، أما في منطقتنا فيتحالف المغربُ معه عسكريا وأمنيا للاستقواء به ضدّ الجزائر.. هذه هي الحقيقة المرّة ولا داعي للضحك على الأذقان بالإدّعاء أنّ ذلك “يخدم القضية الفلسطينية”!
ما يخدم القضية الفلسطينية هو فقط العملياتُ البطولية التي يقوم بها شبانٌ أبطال مغاوير بالضفة الغربية، وكذا المقاومة بغزة، وما عدا ذلك هو مجرّد هُراء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!