-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بوليفيا ما أروعك

بوليفيا ما أروعك

يتكلمون الإسبانية، ولا يكادون يفقهون حرفا من بقية لغات العالم، باستثناء لهجاتهم المحلية، التي لا يفهمها حتى جيرانهم في أمريكا الجنوبية، ويدينون بالكاثوليكية والبروتيستانتية، ولا يوجد في بلادهم من سانتا كروز إلى لاباز، مسلمٌ واحد، حضارتُهم مختلفة بين صخرية وفلاحية، وحتى تضاريسهم لا تشبه ما يوجد عندنا، فارتفاع أرضهم عن سطح البحر يصل إلى ارتفاع ستة آلاف متر، وحتى ملامح وجوههم لا تشبه أبناء العرب بين “هنود الإيمرية” مع قلة قليلة من البيض. حتى أبناء الشام في هجرتهم الشهيرة، إلى قارة أمريكا، حيث سكن وأبدع هناك إيليا أبو ماضي وإلياس فرحات والقروي وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران، كانوا في كل بلاد القارة الأمريكية يعيشون من شمالها إلى جنوبها، إلا بوليفيا، التي بقيت بعيدة عن عين وقلب بلاد العُرب والإسلام، ولكنها في حرب غزة، قدّمت أروع صور الإنسانية، عندما التفتت إلى سفارة الصهاينة على أرضها، وشاهدت ما تقوم به “دولتُهم” الحاقدة من جرائم، فقطعت الشعرة الرفيعة التي تجمعهما ورمت بالمعاهدات في البحر، بل دفنتها في الأرض، فبوليفيا لا تطلُّ على البحر.
الدارس لتاريخ بوليفيا، سيلاحظ بأنها بلاد ثورات، شعبٌ عجنته الأحداث والمآسي، فقد استقل بعد ثورة دامية من إسبانيا، ثم دخل في حروب وُجُودية مع جيرانه من البرازيل إلى باراغواي، وتجاذبته التروتسكية من جهة والليبرالية الأمريكية من جهة أخرى، وحتى عنصرية الأقليات البيضاء هناك فعلت الأفاعيل، إلى أن عرفت طريقها، وعرفت الحق أيضا، وما قاله رئيس وفد البلاد في الأمم المتحدة ووزارة خارجيتها عن الكيان الصهيوني سيبقى في التاريخ الإنساني إلى الأبد.
ما قامت به إسرائيل من جمع لكل الإبادات والمجازر وصبّها على قطاع غزة، حرّك الذين قلوبهم أشد قسوة من الحجارة، ولكنهم بدوا جميعا مثل الدمى التي لا روح فيها، وموقف بوليفيا تاريخيا وحضاريا سيُحسب لهذا البلد، الذي لم ترعبه القوة الأمريكية التي لا تبعد عن حدوده إلا بمئات الكيلومترات، ولم يُعر أي اهتمام للروايات الصهيونية الكاذبة عن حقيقة الصراع في أرض فلسطين.
ما يحزّ في النفس أن قرار قطع العلاقات مع إسرائيل، أثار بلادا غربية غضبا من بوليفيا، ولم يلقَ ترحابا من بلاد عربية، ومع ذلك تمسكت بوليفيا برأيها وكانت لها الجرأة الكاملة بأن تسمي الأشياء بأسمائها من دون اللجوء إلى قواميس اللغة، بحثا عن كلمات ليّنة في كل بيان تصدره من أجل أن لا تزعج قسوة الصهاينة.
نقترب من شهر من موسم الإبادة الجماعية التي بدأت تكشف ما تريد بلوغَه الصهيونية العالمية من أهداف، وبدأت مع مرور الأيام الدامية بعض البلدان تصيح بأعلى صوتها حرقة وأسفا، لما بلغته الإنسانية من قسوة قلب، من النرويج إلى جنوب إفريقيا إلى بوليفيا، على أمل أن يتحرك الساكن الضخم الذي يدرك بأنه المعنيُّ بالإبادة في غزة، ولا يريد أن يدرك.
الخائفون من إسرائيل وأمريكا من بلاد العرب الصامتة أو المطبّعة، بإمكانهم نقل قول تركيا الرسمي، ونقل فعل بوليفيا المعلن، وكفاهم الله شر الاجتهاد، فحقوق الطبع في مسائل الحق.. ليست محفوظة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!