-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بَيُوع بلا كارطه

بَيُوع بلا كارطه

حدثني أحد المناضلين الكبار في حزب “حركة انتصار الحريات الديموقراطية” (M.T.L.D) أنه التقى ذات يوم في مدينة قسنطينة الصحافيّ (م.إ) الذي كان معروفا بعلاقاته مع مصالح الاستخبارات الفرنسية، وكان ينقل لها أخبار الوطنيين الجزائريين من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأعضاء حزب حركة انتصار الحريات الديموقراطية في مقابل دراهم معدودات.. وبينما هما يتحادثان أقبل نحوهما شخص آخر يقوم بالمهمة نفسها، أي ينقل للفرنسيين كل ما تقع عليه عيناه من تحركات الوطنيين، وكل ما تلتقطه أذناه من أخبارهم، ولكنه لا يتلقى في مقابل ذلك أي ثمن.. وكان ذلك الشخص مكروها من أكثر الجزائريين لزعمه بأنه أوتي علما لَدُنِّيّا، يعلم به ظاهر النصوص وباطنها، وأنه أوتي الحكمة..

لما وصل ذاك الشخص المكروه إلى حيث يقف ذانك الشخصان (المناضل والصحافي المخبر)، قال الصحافي لذلك المناضل على مسمع ممّن التحق بهما:

ياسي… أنا راني بَيُوع بالكارطه، أي إنني مخبر وعندي بطاقة، وأتقاضى مبلغا من المال في مقابل ما أقدمه للفرنسيين من معلومات، ولكن بعض الناس “بَيُوعين بلا كارطه”، أي مخبرين تطوّعا، لم يُطلب منهم ذلك، وليست لهم بطاقة، ولا يحصلون على مقابل مادي…

لقد تذكرت هذه الحكاية عندما قرأت في جريدة “الشروق اليومي” ليوم الثلاثاء الماضي (20 – 11 – 2012، ص2) أن كاتبين كويتيين “تقيّآ” – أكرمكم الله – كلاما هاجما فيه المجاهدين الفلسطينيين وقادتهم في غزة، واعتبرا جهادهم عن عرضهم وأرضهم “عدوانا” على إسرائيل، والتمسا لها أعذارا، وبرّرا عدوانها على غزة وإخوتنا فيها، من دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ..

إن بعض اليهود من أيقاظ الضمائر وأحياء المشاعر أفضل من هذين الكاتبين وأمثالهما من بني جلدتنا؛ فهؤلاء اليهود الإنسانيو النزعة ينددون بجرائم إسرائيل، ويطلبون محاكمة قادتها المجرمين، ويدعون إلى إزالتها.. فما بال هذين الكاتبين يعميان عن هذا كله، ويدافعان عن إسرائيل الظالمة، التي اغتصبت الأرض، وانتهكت العرض، ودنّست المقدسات، وأخرجت الفلسطينيين من ديارهم، وشرّدتهم في أقطار الأرض.

قد يلتمس المرء عذرا لأناس مبلغهم من العلم قليل، وقدرتهم على التفكير محدودة إن قالوا كلاما غير صائب، أو اتخذوا مواقف غير سليمة؛ ولكن ما هو عذر هين الكاتبين – وأمثالهما – وهما – فيما يبدو- يملكان نصيبا مقبولا من الثقافة، ويستطيعان أن يفكرا – ولو تفكيرا بسيطا – فيما يقرآن، ويشاهدان، ويسمعان، ومع ذلك يكتبان ذلك الكلام الذي يدل على أنهما “بيوعان بلا كارطة”، ويصدق فيهما قول الشاعر العربي الأصيل:

فهذا سابق من غير سين وهذا عاقل من غير لام

.

إن أكثر الناس لؤما وجبنا وخسة هو من يخشى قول الحق، ولو لم يكلفه ذلك القول بلاء لا في النفس ولا في المال، فهو من صنف من عناه الشاعر بقوله:

دع المكارم لا ترحل لبُغيتها واقعد فأنت الطّاعم الكاسي

.

وإن أبخل الناس هو من يبخل على أخيه ولو بكلمة تربط على قلبه، وتثبت فؤاده، وتخفف عنه بعض ما يكابده، وهذا ما جسده هذان الكاتبان اللذان بخلا على “إخوانهما” ولو بكلمة، فهما ممّن:

.لهم حلل حسنّ فهن بيض وأخلاق سمجن فهن سود

.

إن العرب الأقحاح كانوا يقولون:

وظلم ذوي القربى أشد مضامضة على المرء من وقع الحسام المهنّد

.

فإن قال هذان الكاتبان، أو قال مجادل عنهما، إنهما لم يظلما المجاهدين الفلسطينيين ظلما ماديا، قلنا للجميع إن العرب الأقحاح كانوا يقدرون الكلمة حق قدرها، وعلى ضوء ذلك التقدير يصنفون قائلها، ومن أقوالهم في ذلك:

جراحات السّنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان

وخزيا وعارا وشنارا لمن يبيعون أقلامهم ولو بغير ثمن، ولا شك في أن في مثل هذين الكاتبين قال الإمام الحكيم محمد البشير الإبراهيمي: “وضع الأجداد العقال للرجل فنقلته الأحفاد إلى الرأس، وعدلوا به من الأباعر إلى الناس، وما بين النقل والنقل ضباع العقل” (الآثار. ذ / 526).

واللهم انصر عبادك المجاهدين في غزة، واخز الخونة في كل مكان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
23
  • رياض

    إلى الأخ مرغنيس،
    لم أقصد بعبارة صعيب عليك أن اسلوب الأستاذ الحسني صعب فهمه عليك، لكن لأبين أن له أسلوب خاص في اختيار المعاني و العبارات لإطراء مواضيعه. أما مسألة وضع كتاباته "تحت المجهر" فذلك سيزيده فخرا و شرفا أن يتابع القراء مواضيعه و يتمعنون في أفكاره، فدمت نعم القارئ و نعم الناقد و ذلك المبتغى.
    مع تحياتي الخالصة.

  • merghenis

    الأخ الكريم، ردا على ما كتبت "أسلوب الأستاذ الهادي الحسني صعيب عليك" ألخص لك أسلوب الذي أتبعه الكاتب في مقال الأسبوع الماضي و في هذا لأسبوع . 1- حكاية أولى تعتبر مدخل؛
    2- حكاية ثانية تعتبر هي لب الكلام. و الفصل بين الحكايتين :
    "لقد أوحي إلي عنوان الإمام إبن باديس...'' في الأسبوع الماضي و "
    لقد تذكرت هذه الحكاية عندما قرأت في جريدة ..."
    الحكاية 1 والحكاية 2 متباع دتان في الزمن ( 2012 - 1933 ) الخ

    الهادي الحسني كاتب و ما يكتب ممكم نضعه تحت المجهر ، حب من حب وكره من كره.

  • رياض

    أسلوب الأستاذ الهادي الحسني صعيب عليك يا السي مرغنيس. أسلوبه في الكتابة يشبه الكلام، يعني أنه يتحدث مباشرة و يتكلم بالقلم، مما يضفي شيئا من الخاصية على كتاباته. أما عن بدأ كتاباته بواقعة أو حادث أو خبر، فذلك من حداقته و بعد نظره و فطنة عقله، و إلا لما جادت قريحته كل أسبوع بشيق المواضيع و أدق التعابير فتمنينا أن تكون تدخلاته يومية لا أسبوعية لكن أضن أن انشغالاته في جمعية العلماء و ترحاله لمختلف الملتقيات و الندوات لم تترك له وقتا للمزيد و نحن ندرك ذلك. أطال الله عمره و أنار عقله إلى أن يلقى ربه.

  • بدون اسم

    Monsieur celui qui a écrit cet article, ce que vous faites c'est bien, mais il est temps je crois de passer à la vitesse supérieure en dénonçant les coupables en ajoutant des noms. sinon ça sert à rien de parler avec des énigmes, et d'ailleurs les énigmes ne profitent qu'à ceux qui se cachent de la vérité de peur qu'elle ne les surprenne. Merci d'avance chèr Monsieur, je vous le dit dans votre intéret et l'intéret des générations à venir.

  • ام محمد

    السلام عليكم. كلامكم ياشيخ بلسم للقلوب وراحة للنفوس-على الاقل لحظة القراءة-لاننا بعدها نصطدم بواقع عربي مرير يعمق جراحنا ...لا ننتظر الشفاء منها بتعنيف هؤلاء وامثالهم...ولاحتى بالاحتماء تحت لواء القومية العربية . الحل معلوم دربه.والله المستعان.

  • elhadi

    بارك الله فيك شيخنا الفاضل والله اني قرات الخبر قبل اليوم وكنت متحمسا ان اقرا ردا يلجم هؤلاء الخونه فشكرا لك سيدي ووالله انك بردتلي قلبي.....دمت مجاهدا بقلمك..

  • elhadi

    شكرا استادنا الكريم واطال الله في عمرك والله اني قرات الخبر في وقت سابق وكنت متلهفا الى من يرد على هؤلاءالخونة والمجرمين.فشكرا لك شيخنا الفاضل.

  • نورالدين

    بارك الله فيك فضيلة الشيخ حفظك الله و رعاك و جعلك الله سبب في اعلاء كلمة الحق امين

  • ميس

    يااستا دنا فقد يكوناكويتيين بالبطاقة لكنهما من حيث المعتقدفهما من بني قريضة أومن بني قينقاع وهنا يبطل العجب .

  • sadek

    great article thank you chekh

  • عبدو

    ماذاتنتظرون من عرب يقولون لعدوهم بانهم نعاج؟فما يكون الرد الا انه يكشر على انيابه و اخلابه ويجعل تفسه ذئب مفترس على الرغم من انه ثفأريرتعش خوفا.اليهودجبناء لكنه اصبحوا شجعان وجدعان ونشامة ورجال وزلم لما تخلى عن نلك الصفات انظمة العرب.بركم من اجاب كبير النعاج العرب من الرسمييت العرب لماقال انه اغلب العرب نعاج.الوحيد الذي ردعليه هو من جعل كل اسرائيل تتصرف وكانها اسطبل للنعاج سنة 2006 الرجل الفذحسن نصر الله حتى واني لا اوافقه في العقيدةوالفكرالا الحق يقال فهو من القادةالكبار وله شرف مرمدةالصهاينة

  • محمد الجزائري

    بارك الله فيك يا شيخنا الكريم
    فأنت تجاهد بالقلم من أجل الامة و الجزائر حفظك الله و رعاك

  • merghenis

    قرأت المقال كما قرأت مقال الأسبوع الفارط. و السؤال: ما هو الربط بينهما؟
    يبدو ـ والله أعلم ـ أن الأستاذ يتبع نفس الأسلوب : يبدا في مرحلة أولى بعرض "حدث" (حكاية كما يقول) جرى له أو أمامه ثم يتخذه ( أي الحدث) لينطلق ثانية و يعرض ذكرياته ( لقد تذكرت هذه الحكاية)و ما يحفظ من شعر كما يدخل في المقال عبر من اكقرآن الكريم ...
    كل هذا شيء جميل...طبعا!

  • محمد الجزائري

    بارك الله فيك يا شيخنا فأنت تجاهد بالقلم و تنور عقول الغافلين
    حفضك الله و رعاك

  • محمد الجزائري

    بارك الله فيك يا شيخنا فأنت تجاهد بالقلم و تنور عقول الغافلين
    حفضك الله و رعاك

  • جزائري عربي مسلم

    كما عود.تنا يا استاذنا الفاضل... بربك من هو الصحافيّ (م.إ)

  • أبو زكرياء

    بارك الله فيك أستاذنا الكريم وكثر الله من أمثالك ،الذين هم قادة الأمة وعلماؤها المخلصون وخاب وخسر الكذابون الخائنون،وماذا يفعل
    نباح الكلاب في السحاب،لقد انتصرت المقاومة في غزة العزة كما انتصر الجزئريون قبلهم على الصهاينة الفرنسيين وستتحرر فلسطين
    كما تحررت الجزائر بإذن الله.

    ن

  • براهيم

    لا فض فوك يا أستاذنا الكريم ماذا تنتظر من أشياء ماتت فيها المروءة وعشعش فيها اللؤم وحق فيها قول الشاعر :
    لاتأسفن على غدر الزمان ساعة لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب
    لاتحسبن برقصها تعلو على أسيادها تبقى الأسود أسود و الكلاب كلاب

    حياك الله ياغزة يامن حفظت للأمة ماء وجهها

  • محم$

    شكرا لك استاذنا على هذه الحكاية من التراث التاريخي الجزائري وان هذين الكاتبين اظن انهما يقصدهما النبي صلى الله عليه وسلم هم من جلدتنا ويتكلمون بلساننا

  • جزائر العلماء

    لا فض فوك

  • العربي

    تكثر البحث في مثل هؤلاء و ما أكثرهم فالولاء و التفكير الصهيوني قد اعمي البصيرة و القلوب و مصيبتنا في اننا لا نحسن قراءة التفكير و لانهتم بالدراسات المستقبلية من أجل استشراق المستقبل .
    و هذه المصيبة ؟

  • بدون اسم

    آميــــن

  • الناصح

    جزاك الله خيرا يا شيخنا ، ولكنك أغفلت صنفا آخر من البيوعين إنه أحقر الأصناف وأخسها ذلكم البيوع الذي يزيد على فعلته الشنيعة أن يدفع من حر ماله ما يخدم به أسياده ، فهل رأيتم أخس من هؤلاء وأحقر