تسريحة جديدة لنظام بن علي
في تونس ليست الحياة اليومية للمواطنين والمؤسسات والخدمات هي وحدها التي تعود إلى طبيعتها، ولكن نظام بن علي المخلوع كذلك يعود إلى طبيعته بطرق ملتوية ومتنوعة هي من صميم أعمال الأنظمة العربية التي تعرف كيف تنهض من رمادها وتنسل من الأزمات والهزات كما تسل الشعرة من العجين.
-
فالنظام التونسي الذي قيل ويقال الكثير عن سقوطه وانهياره في السيول الجارفة للانتفاضة الشعبية، لم يسقط منه إلا الرأس وبعض الرموز والعلامات، وربما كان سقوط الرأس مجرد سيناريو محبوك بشكل محكم على الطريقة العربية المعروفة والمعهودة لدى كل الأنظمة العربية من أجل إعادة رسكلة النظام التونسي ومؤسساته وحتى أجهزته القمعية وعصاباته الإجرامية وأشخاصه الفاسدين، وهذا هو التفسير الوحيد لما يجري اليوم من دسائس ومؤامرات في كواليس السياسة التونسية. دسائس ومؤامرات يتحكم في خيوطها وتسييرها أشخاص من رحم نظام الرئيس بن علي ومن صميم أجهزته الفتاكة من امثال رئيس الجمهورية المؤقت والوزير الأول محمد الغنوشي، صاحب كل السياسات الاقتصادية التي أثرت رموز النظام التونسي وعائلاته ثراء فاحشا وأفقرت الشعب التونسي فقرا فاحشا، والذي يبدو أنه لايزال على اتصال دائم مع بن علي في السعودية يطلعه على الأوضاع أولا بأول، وكل يملي على الآخر ما عليه القيام به من أجل بعث النظام من جديد، بل من أجل بقائه واستمراره على اعتبار أنه لم يذهب أصلا بحكم ما خص به الرموز الجديدة من مناصب ومسؤوليات حساسة في الحكومة الانتقالية أو الائتلافية التي أعلن محمد الغنوشي تشكيلها منذ أيام.
-
أكثر من هذا أن الأيادي الإسرائيلية عبر جهاز الموساد باتت واضحة في ممارسة التخلاط وقتل المواطنين بواسطة القنص وبث الفوضى في المجتمع، وليس أدل على العلاقة بين النظام الجديد والتدخل الإسرائيلي المباشر في الشؤون التونسية في هذا الظرف من ممارسة الإقصاء ضد المعارضة التونسية الحقيقية من إسلامية ويمينية ويسارية من طرف محمد الغنوشي الذي رفض إشراك حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وغيرهما من الأحزاب السياسية المعارضة، سواء في الحوار أو في الحكومة الجديدة وهذا ربما استجابة لموقف إسرائيل على لسان أحد وزرائها الذي قال قبيل تشكيل الحكومة أن بلده يرفض مشاركة الإسلاميين والمناوئين لإسرائيل في أي حكومة تونسية وبأي شكل من الأشكال، ثم أن النظام التونسي في شكله الجديد يريد أن يقلب بعض الاوضاع في تونس رأسا على عقب، ويحدث فيها انقلابات لم تكن في الحسبان من قبل، وعلى رأسها وضعية الجيش على الساحة السياسية التونسية. فالجيش في تونس ظل جيشا احترافيا بعيدا عن السياسة وعن المشاركة في الانتخابات، مهمته الوحيدة حماية الحدود والوحدة الوطنية، وهذه الوضعية الدستورية قد ساهمت في عدم تدخله إلى جانب النظام في الأحداث الأخيرة، مما ساهم إلى حد كبير في نجاح الانتفاضة وفي زعزعة النظام الاستبدادي، وحماية السكان العزل من العمليات الانتقامية الواسعة النطاق لزبانية بن علي، ولكن في زحمة الأحداث والانزلاقات الأمنية هناك من وجوه النظام الجدد من نجح في فرض أدوار أخرى على الجيش ومحاولة إعطاء صورة مخالفة عنه وفرض منطق آخر عليه لإلحاقه ببقية جيوش الأنظمة العربية الأخرى التي تجعل من الجيوش دون استثناء دروعا لحمايتها وحماية مصالحها من الانتفاضات والثورات الشعبية، وتونس من هذه الناحية في طريقها إلى نكسة لم تعرفها مع بن علي إن نجحت الوجوه الجديدة للحكم في جر الجيش إلى مستنقع التدخل في السياسة وهو الذي يلقى مطلق الدعم من الأنظمة العربية الأخرى، فيما تقف الانتفاضة وحيدة في مواجهة كل شيء، خاصة في رفضها العودة إلى هيمنة حزب الدستور عبر الحكومة الجديدة والمؤسسات واللجان الجديدة التي تنشأ الواحدة تلوى الأخرى من أجل عودة نظام بن علي في ثوب جديد وفي تسريحة شعر جديدة - بدل قطع الرأس الذي يجري الحديث عنه - تسريحة ربما من تصميم الحلاقة ليلى الطرابلسي ذاتها؟!